يمكن أن يكون البكاء تجربة شعورية مريحة. وقد يبدو من الصعب أو شبه المستحيل أن تنجو من المشاعر القوية المقترنة بالبكاء، لكن هذه المشاعر في معظم الأحيان تتوق للظهور والخروج. ومع ذلك، هناك الكثيرون ممن لا يمكنهم البكاء عند الانزعاج. وثمة أسباب لا تعد ولا تحصى لحدوث هذا الأمر.
هل هناك فائدة من البكاء؟
صحيحٌ أن البكاء عادة مرتبطٌ بتجربة صعبة شعورياً، ولكن في الواقع للبكاء منافع جسدية ونفسية واجتماعية.
قد يساعد البكاء الشخص على التحكم في التوتر العاطفي، وتقوية العلاقات، باعتباره نتيجة لردة فعل صحية وآمنة على مواقف أو نتائج سلبية. وقد يساعد البكاء في تحسين الحالة المزاجية للفرد عن طريق تحسين النوم وتقليل الالتهابات وتقوية الجهاز المناعي.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الأبحاث أن البكاء يفرز هرمونات معينة في الجسم، مثل الأوكسيتوسين، والإندروفينات، التي تساعد في تخفيف الألم الجسدي والنفسي بينما تقلل هرمونات أخرى مرتبطة بالتوتر مثل هرمون الأدرينوكورتيكوتروبك ACTH.
أول شيء يفعله الأطفال عندما يصلون لعالمنا هو البكاء، وهو أمر جيد. إذ يتمتع الأطفال بردة الفعل الفطرية هذه لضمان أن شخصاً ما سينتبه لتلبية احتياجاتهم العاجلة. ليس لديهم أي كلمات للتعبير سوى البكاء، وإذا تم تجاهل هذه اللغة وعدم الاهتمام بالطفل وتهدئته فقد يسبب ذلك اضطرابات نفسية لديه.
قد تعتقد أن الطفل يهدئ نفسه عندما يتوقف عن البكاء، لكنه في الحقيقة يفقد الأمل. وهذا واحد من العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى استمرار عدم القدرة على البكاء في سن البلوغ، وتسبب اضطراباً عاطفياً. كبت المشاعر وتقييد القدرة على البكاء قد يؤدي إلى نتائج سلبية.
الأسباب الممكنة لعدم البكاء
1- العار والوصمة الثقافية
من منظور التنمية البشرية والعوامل الاجتماعية، من الشائع في الحقيقة أن بعض الناس لا يقدرون على البكاء وهم بالغون.
البكاء هو ردة فعل بيولوجية تلقائية لدى معظم البشر، على حالة شعورية مثل الحزن أو الغضب أو السعادة. وعندما يصل البشر إلى مرحلة البلوغ، نتعلم التحكم في ردة فعل البكاء عن طريق ارتباطات سلبية مكتسبة مثل الإحراج والتوقعات الاجتماعية، مما يؤثر على مدى سهولة بكاء الفرد مقارنة بغيره من البشر.
لكن بالنظر إلى فوائد البكاء، قد تسهم هذه التغيرات السلبية إلى اكتئاب وتوتر عندما يقيد البكاء بالقيود السلوكية. ولهذا فإن التعاطف والتقبل يعد أمراً ضرورياً لمساعدة الناس على تجنب تطور هذه الأشياء السلبية المرتبطة بالبكاء.
2- القوالب النمطية الجنسانية
لا يستطيع بعض الناس البكاء لأنهم تعلموا وهم أطفال ألا يبكون خاصة بالنسبة للرجال، إذ ربما يسمعون في نشأتهم كلمات مثل "الرجال لا يبكون"، ولذا تعلموا تجنب البكاء.
3- سوء المعاملة في طور الطفولة
إن إساءة معاملة الأطفال عادة ما تتضمن خلق حالة من الخوف مرتبطة بفكرة إظهار المشاعر. وأضافت: عادة ما يسمع الأطفال جملاً مثل "سأجعلك تبكي بحق!" و"اكتم صوتك" و"توقف حالاً عن البكاء". فيشعرون بشيء يسد الحلق عندما يكتمون الدموع ويجدون صعوبة في التنفس، وهو ردة فعل لا إرادية للعصب المبهم بسبب الاضطراب الشعوري. الخوف من إظهار المشاعر يصبح عقبة أمام التطور الصحي للبكاء أو الشعور الصحيح بالحزن في مرحلة البلوغ.
4- المشاكل العاطفية
إن كبت البكاء لفترات طويلة قد يسهم في الإصابة بالاكتئاب أو القلق المرضي، مما قد يؤدي إلى البلادة العاطفية أو الخدر. إن الجهاز الحوفي المسؤول عن تفعيل استجابات القتال أو الهرب أو الثبات، إلى جانب أجزاء أخرى من المخ مسؤولة عن معالجة المشاعر قد تضطرب، ويعتل النشاط العصبي الصحي.
5-القلق
وفقاً لموقع Healthline، الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي قد لا يريدون أن يراهم الآخرون وهم يبكون، وبالتالي قد يكبتون رغبتهم في البكاء خوفاً من أحكام الآخرين. يمكن لمن ينشدون الكمال أو الأشخاص المعتمدين على غيرهم أن يكبتوا بكاءهم كذلك، ليظهروا بمظهر المسيطر على مشاعره، لكنها مجرد واجهة هشة.
6- الصدمات السابقة
في بعض الأحيان تكون شدة موقف قوية للغاية أو طويلة المدى لدرجة أن الجسد والعقل يدخلان في حالة من الصدمة، لذا قد يكون من الصعب البكاء وقتها. ولكن بعض الناجين من الصدمات يمرون عادة بحالة مستمرة من الشعور بالخدر إذ يصبحون منفصلين وغرباء عن الآخرين ومنفصلين عن أنفسهم.
قد يخفف البكاء من الدورات الفسيولوجية لفيض المشاعر والخدر، لكن بدون تنفيس، فإن القدرة على معالجة أي مشاعر، حتى المشاعر السعيدة، تصبح صعبة على نحو متزايد.
7- مشكلة طبية كامنة
قد يصعب البكاء في بعض الاضطرابات العقلية مثل انفصام الشخصية أو انعدام التلذذ. تعرف هذه الحالة بتبلد المشاعر، ومن يعانون منها لا يظهرون العلامات المعتادة للمشاعر. بالرغم من أن تبلد المشاعر قد يظهر الشخص بأنه غير مكترث أو غير مهتم بسبب التعبيرات الضعيفة، أو بسبب نبرة الصوت الباهتة الأحادية، تظهر الأبحاث أن من يعانون من تبلد المشاعر يمرون بنفس القدر من الشعور الداخلي الذي يمر به الذين لا يعانون من أي حالات عصبية، لكنهم لديهم مشاكل في التعبير عن أنفسهم بالبكاء أو الضحك أو غيرها من التعبيرات.
ومن ناحية المشاكل الجسدية، من المعروف أن التهاب القرنية والملتحمة الجاف أو متلازمة العين الجافة تمنع إنتاج الدموع.
8- بعض الأدوية
قد تؤدي أدوية معينة دوراً في تبلد المشاعر. وفقاً لبحث من جامعة أوكسفورد، هناك نسبة تتراوح بين 46% إلى 71% ممن يستخدمون مضادات اكتئاب عانوا من تبلد مشاعر في أثناء فترة العلاج.
مضادات الاكتئاب المرتبطة بأعلى نسبة من حالات تبلد المشاعر هي مثبطات امتصاص النوربينفرين الانتقائية (SNRIs)، ومثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات ورباعية الحلقات.
طرق أخرى للتعبير عن مشاعرك
من المهم أن تبكي، على الأقل من حين لآخر لتخرج المشاعر والتوتر. قد تكون الدموع دليلاً على أن الصدمة تسعى لمتنفس فسيولوجي لتهدئة الألم الشعوري. ولكن بالرغم من أن البكاء هو أحد أهم الوسائل للتعبير عن عواطف ومشاعر المرء، فهو ليس السبيل الوحيد.
إن الحديث مع صديق أو شخص داعم هو طريقة أخرى للتنفيس عن المشاعر، ولمعالجة موقف سلبي أو صعب. كما أن التنفس التأملي والتمارين أيضاً من الأنشطة الصحية التي تساعد في تحرير المرء من حالته الشعورية.
كما أن إدراك الحالة الشعورية للمرء والاعتراف بها هو أساس مهم في العلاج السلوكي الإدراكي، وهو طريقة فعالة تدعمها الدراسات لعلاج القلق والاكتئاب والتعامل معهما، ومسألة البكاء هي سبيل مكمل لاستعراض الشخص لهذه الحالات الشعورية.
كما أن زيارة متخصص في بيئة خالية من إصدار الأحكام قد تكون محفزاً للبكاء الصحي. الكثير من المرضى في جلسات العلاج يعترفون بأنهم لا يبكون عادة وقد يعتذرون عن بكائهم خلال الجلسات وهذا مؤشر عن سبب عميق يحتاج لعلاج.