هناك العديد من التداعيات الكارثية التي يسببها تغير المناخ، فهو يزيد من حدة الظواهر الجوية القاسية، مثل الأعاصير والفيضانات، ومن المتوقع أن يسبب 250 ألف حالة وفاة إضافية سنوياً بسبب سوء التغذية، والأمراض والإسهال، والإجهاد الحراري وذلك ما بين عامي 2030 و2050.
لكن هل كنت تعلم أن للتغير المناخي أثراً سلبياً على صحتنا العقلية كذلك؟
أثر تغير المناخ على الصحة العقلية
وجدت أحد التقارير أن 25%-50% من الأشخاص الذين تعرضوا لكارثةٍ جوية قاسية واجهوا آثاراً سلبية لذلك على صحتهم العقلية.
وأضاف التقرير نفسه أنّ ما يصل إلى 54% من البالغين و45% من الأطفال يُعانون من الاكتئاب بعد الكوارث الطبيعية.
الآثار الفورية لتغير المناخ
بعد إعصار كاترينا مثلاً، أُصيب 49% من الناجين باضطراب القلق. بالإضافة إلى إصابة شخص من أصل كل 6 أشخاص باضطراب الكرب التالي للصدمة، مع تضاعف حالات الانتحار والأفكار الانتحارية.
وفي أعقاب الكوارث الطبيعية، شهد علماء النفس ارتفاعاً في ما وصفوه بالآثار الجانبية للكرب، التي تشمل التالي:
- الأرق.
- التهيّج.
- الإفراط في استخدام العقاقير.
- الاكتئاب.
وبينما قد تختفي تلك الآثار الجانبية وتُشفى بمرور الوقت، لكن ذلك لا يحدث دائماً- خاصةً في حال عدم سعي المتأثرين بها للحصول على المساعدة أو التكيّف مع الصدمة. وفي تلك الحالات، قد تظهر تأثيرات أكثر حدة على الصحة العقلية، ومنها اضطراب الكرب التالي للصدمة والاكتئاب واضطرابات القلق.
ويحدث ذلك بوجهٍ خاص لدى الأشخاص المصابين فعلياً بحالة صحية عقلية أو الذين تعرضوا لكارثةٍ طبيعية أكثر من مرة، بحسب أستاذة علم النفس والدراسات البيئية في كلية ووستر سوزان كلايتون.
الآثار التدريجية
يتسبب تغير المناخ في إحداث تغييرات بطيئة على كوكبنا، لذا بدأنا نشهد تلك الآثار التدريجية التي تؤثر على صحتنا العقلية أيضاً بمرور الوقت، وفقاً لما ورد في موقع Healthline الأمريكي.
إذ ربطت دراسةٌ من عام 2020 بين ارتفاع درجات الحرارة وبين زيادة مخاطر الوفاة نتيجة الإصابات غير المتعمدة والمتعمدة، مثل الانتحار.
بينما يشير بحثٌ آخر من عام 2017 إلى وجود رابط بين شدة الحرارة وزيادة التهيج، والعدوانية، وحتى العنف.
وربما تكون هناك أيضاً علاقةٌ بين القلق والفصام واضطرابات الشخصية، وبين التعرض لجودة هواء سيئة، وفقاً لدراسة كبيرة أُجرِيَت عام 2019 على أشخاصٍ في الولايات المتحدة والدنمارك.
حتى لو لم تتأثّر بشكلٍ مباشر، فسوف تشعر بالتأثير
إنّ مجرد مشاهدة الأخبار، أو القراءة عن تغيّر المناخ والكوارث الطبيعية- أو السماع بتعرض أحبابك لحدثٍ جوي شديد- قد يُؤثّر على صحتك العقلية.
وفي عام 2019، ذكر 66% من المشاركين في استطلاع برنامج جامعة ييل لتغير المناخ أنّهم يشعرون بقلقٍ ولو جزئي بشأن تغيّر المناخ- بزيادةٍ بلغت 10% عن عام 2014.
إذ تقول سوزان: "هناك بالتأكيد أدلةٌ على أنّه حتى الأشخاص الذين لم يعانوا من الآثار المباشرة قد بدأوا يُصابون بالقلق". وتوافقها الرأي إليسا إيبيل، نائبة رئيس قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية ورئيسة فريق أبحاث تغير المناخ والصحة العقلية في جامعة كاليفورنيا.
حيث قالت إليسا: "يخلق تغير المناخ جيلاً يسيطر عليه كرب المناخ واليأس. وكرب المناخ هذا يمثل تركيبةً معقدة من جوانب الاضطراب العاطفي التي تشمل: الاكتئاب، والقلق، واليأس".
صغار السن هم الأكثر تأثراً
تثير هذه المسألة القلق بشكلٍ خاص حين يتعلق الأمر بصغار السن.
إذ أشارت دراسةٌ من عام 2018 إلى العلاقة بين تغيّر المناخ وبين زيادة مخاطر إصابة الأطفال بمجموعة من حالات الصحة العقلية مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة، والاكتئاب، والقلق، والرهاب.
حيث أوضحت إليسا: "صغارنا أكثر عرضة بالفعل للتأثر عاطفياً بالأخبار عن الأمور التي لا نستطيع التحكم فيها. وأي شيءٍ يبدو مرتبطاً بنهاية العالم يزيد شعورهم بالكرب- خاصة مع صغر سنهم- لأنّهم ليسوا مجهزين عاطفياً لتحمل ثقل وأعباء أزمة المناخ".
ولكن حتى مع تقدم أولئك الأطفال في العمر ليصبحوا مراهقين، نجد أنّ قلقهم بشأن أزمة المناخ لا يقل.
كما أنّ الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، أو الأكثر تأثراً بتغيّر المناخ- مثل المهاجرين واللاجئين والمشردين وغيرهم- تزيد احتمالية إصابتهم بكرب المناخ.
ما الذي يمكننا فعله للتكيّف مع القلق من تغير المناخ؟
لا شك أنّ آثار تغير المناخ ستبقى، ومن المرجح أن تزداد سوءاً.
وربما ليس بإمكانك عكس مسار تغير المناخ، لكنك تستطيع اتخاذ خطوات لحماية صحتك العقلية.
تقول ميشيل نيومان، أستاذة علم النفس والطب النفسي بجامعة ولاية بنسلفانيا: "القلق هو عمليةٌ اعتيادية. وإذا كنت شخصاً يشعر بالقلق، فسوف تميل إلى البحث عن أشياء تقلق بشأنها".
وتوصي ميشيل بتعلم كيفية تحديد محفزات تلك المخاوف. فربما تكون محفزاتك هي صور المنازل التي جرفتها الأعاصير، أو قصص الحيوانات البرية التي تأثرت بحرائق الغابات.
وبمجرد أن تدرك محفزاتك، فسوف تتمكن من القضاء على قلقك عن طريق تعلم تفادي- أو الحد من- وصولك إلى تلك المحفزات عندما تشعر بأن الأمر قد زاد عن حده.
وهذا قد يعني الحد من مشاهدتك للأخبار أو الاعتراض بصراحة حين يبدأ الأصدقاء الحديث عن أشياء تحفز قلقك.
وإذا أصبح كرب المناخ أو القلق بشأن المستقبل منهكاً بدرجةٍ تستنزفك وتؤثر على حياتك، فبإمكانك الحصول على المساعدة من طبيب مختص يساعدك في السيطرة على القلق.