لا شكَّ أنّ المياه أكثر من مجرد ضرورة لاستدامة الحياة على كوكب الأرض عن طريق إرواء عطش البشر والحيوانات والنباتات، فهي لبنة الحياة وبدونها لتحول كوكبنا إلى أرض قاحلة غير صالحة للعيش.
في الوقت الذي تقدر فيه الأمم المتحدة نحو 3.6 مليار نسمة، أي حوالي نصف سكان كوكب الأرض يعيشون في مناطق قد تشح فيها المياه مدة شهر واحد على الأقل سنوياً نجد أنّ نحو 790 مليون شخص (11% من سكان العالم) لا يحصلون أي على إمدادات مياه مُحسنة.
لتطرح هذه الإحصاءات سؤالاً هاماً: هل ستجف المياه من على كوكب الأرض؟ وما هي الحلول، وكيف سيبدو العالم إذا جفت مياه المحيطات؟
الخطايا الخمس وراء أسباب نقص المياه
هناك العديد من الأسباب التي ستجعلنا نواجه أزمة مياه عالمية في المستقبل أسوأ من التي نعيشها حالياً، وفقاً لما ذكره موقع World Resources Institute فإن من بين هذه الأسباب:
التغير المناخي
يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، مما يجعل المناطق الجغرافية الأكثر سخونة في العالم أكثر احتراقاً وتبخيراً للماء.
في الوقت نفسه تتحرك الغيوم بعيداً عن خط الاستواء باتجاه القطبين، بسبب ظاهرة مدفوعة بتغير المناخ تسمى "تمدد خلية هادلي"، الأمر الذي يحرم المناطق الاستوائية مثل إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط وأمريكا الوسطى من مياه الأمطار.
ومن المفارقات أن تغير المناخ يؤدي أيضاً إلى زيادة هطول الأمطار في مناطق أخرى، والأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الأنهار والجداول هم أكثر من سيتضرر، إذ يتعرض في الوقت الحالي ما لا يقل عن 21 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لخطر فيضانات الأنهار كل عام، ويمكن أن يرتفع هذا الرقم إلى 54 مليون بحلول عام 2030.
جميع البلدان الأكثر تعرضاً لفيضانات الأنهار هي أقل البلدان نمواً أو البلدان النامية- مما يجعلها أكثر عرضة لتغير المناخ والكوارث الطبيعية.
الزيادة السكانية
المزيد من الناس + المزيد من المال = المزيد من الطلب على المياه، إنها معادلة بسيطة، فمع زيادة السكان وزيادة الدخل، يزداد الطلب على المياه.
ومن المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم، البالغ الآن 7.5 مليار نسمة 2.3 مليار شخص جديد بحلول عام 2050، فكيف يمكن للكوكب أن يشبع عطشهم؟
بدء نضوب المياه الجوفية
حوالي 30% من المياه العذبة على الأرض تتواجد في الطبقات الجوفية، ويستخرجها الناس يومياً من أجل الزراعة أو استخدامها في المجالات الأخرى، وغالباً ما يتم استخراج هذه المياه بدون ترشيد صحيح.
وتعتبر الهند من أكثر الدول المهددة بفقدان المياه الجوفية، إذ إنّ 54 من آبارها آخذة في التناقص وإذا استمر الاستهلاك بالشكل الذي هو عليه الآن فإن الهند ستعيش حالة حرجة في غضون 60 عاماً القادمة.
البنية التحتية السيئة
لا شكّ أنّ استخراج المياه الجوفية ليس كل شيء، فهناك أيضاً عملية نقل ومعالجة وتفريغ، وبما أنّ البنية التحتية لنقل المياه سيئة فإننا نفقد رقماً كبيراً خلال هذه الرحلة.
ففي الولايات المتحدة وحدها يتم فقدان 6 مليارات غالون من المياه المعالجة يومياً من الأنابيب المتسربة.
السعر الخاطئ للمياه
على الصعيد العالمي تعتبر أسعار المياه أقل من قيمتها الحقيقية بكثير، إذ إنّ سعرها لا يعكس التكلفة الإجمالية الحقيقية للخدمة من النقل عبر البنية التحتية إلى معالجتها والتخلص منها، وقد أدى ذلك إلى سوء تخصيص المياه، ونقص الاستثمارات في البنية التحتية وتقنيات المياه الجديدة التي تستخدم المياه بكفاءة أكبر.
فمثلاً لماذا تستثمر شركة أو حكومة في تقنيات توفير المياه باهظة الثمن عندما يكون الماء أرخص من التكنولوجيا المعنية؟
ولكن عندما يكون سعر الحصول على المياه النظيفة أقرب إلى تكلفة الخدمة الفعلية، سيتم تحفيز الناس استخدام المياه بكفاءة.
هل ستجف المياه من على كوكب الأرض؟
في أحدث تقاريره السنوية حول أكبر المخاطر العالمية، أدرج المنتدى الاقتصادي العالمي استمرار "أزمات المياه" من بين أهم التهديدات التي تواجه العالم وسبقت قضايا أخرى مثل الهجمات الإرهابية وسلامة الغذاء والأزمات المالية.
فالماء مورد حيوي لمنازلنا وإنتاجنا الصناعي وإنتاج الغذاء والنظم البيئية، لكن استهلاك المياه في العالم يتزايد بشكل كبير، وفي كثير من الأماكن يمثل الحصول على كمية كافية من المياه تحدياً كبيراً، وفي حال استمرار الهدر الكبير في المياه الذي يحدث حالياً، فالجواب هو نعم يمكن للمياه أن تجف من كوب الأرض.
بعض المدن الرئيسية في العالم مثل كيب تاون في جنوب إفريقيا وتشيناي في الهند تحدثت عن "اليوم صفر" باعتباره اليوم الذي لن يهطل فيه المطر ولن يكون هناك أي ماء في الصنابير والسبب هو إفراغ طبقات المياه الجوفية في المستقبل المنظور إذا استمر الضخ الحالي غير المستدام للمياه وفقاً لما ذكره موقع Sciencenordic.
حلول التخلص من أزمة المياه
فيما يلي نظرة على الأشياء التي يقول الخبراء إنها من الحلول المطلوبة من أجل التخلص من أزمة المياه وفقاً لما ذكره موقع Circle Of Blue.
التثقيف لتغيير الاستهلاك وأنماط الحياة
يتطلب التعامل مع العصر القادم لندرة المياه إجراء إصلاحات شاملة لجميع أشكال الاستهلاك، من الاستخدام الفردي إلى سلاسل التوريد للشركات الكبرى، إضافة إلى تثقيف الناس بأهمية الحفاظ على الماء والأضرار التي سيخلفها التناقص.
إذ تواجه بعض المناطق مثل الهند وأستراليا وجنوب غرب الولايات المتحدة بالفعل أزمة المياه العذبة.
ابتكار تقنيات جديدة للحفاظ على المياه
في المناطق التي تجف فيها طبقات المياه الجوفية وتزداد صعوبة التنبؤ بمياه الأمطار، لذلك هناك حاجة إلى الابتكار.
إعادة تدوير مياه الصرف الصحي
دائماً ما يحث المشاركون في يوم المياه العالمي على تبني عقلية جديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي.
إذ تحاول بعض البلدان مثل سنغافورة إعادة التدوير لخفض واردات المياه وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
تحسين ممارسات الري والزراعة
في بعض الحالات، تؤدي ممارسات الري المفرطة إضعاف قدرة المزارعين على توفير الغذاء والألياف لعالم متنامٍ، ولا ننسى أنّ نحو 70% من المياه العذبة في العالم يستخدم للزراعة، لذلك يمكن أن يساعد تحسين الري في سد فجوات العرض والطلب.
السعر المناسب
دائماً ما يشكك المستهلكون في فائدة الأسعار المياه، لكن وفقاً لخبراء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن رفع الأسعار سيساعد في تقليل النفايات والتلوث.
تطوير وتنفيذ سياسات ولوائح أفضل
مع تعقيد ندرة المياه للأمن الغذائي والتلوث، تحتاج حكومات الدول حول العالم إلى إعادة تحديد دورها من أجل ضمان المزيد من الحماية للمياه.
تحسين البنية التحتية
لا شكّ أنّ ضعف البنية التحتية يؤدي إلى تدمير الصحة والاقتصاد، كما أنه يهدر الموارد من المياه، ويزيد من التكاليف، ويقلل من جودتها ويسمح للأمراض المنقولة بالمياه التي يمكن الوقاية منها بالانتشار بين الفئات الضعيفة من السكان وخاصة الأطفال.
التخفيف من آثار تغير المناخ
يسير تغير المناخ وندرة المياه جنباً إلى جنب لإحداث واحدة من أكبر التحديات المعاصرة للجنس البشري.
هذه القضايا لها علاقة متبادلة حددتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والتي يمكن أن يكون لسياسات وتدابير إدارة المياه فيها تأثير على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ومع متابعة خيارات الطاقة المتجددة يجب مراعاة استهلاك المياه لأساليب التخفيف هذه عند إنتاج بدائل تتراوح من محاصيل الطاقة الحيوية إلى محطات الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية.
السيطرة على النمو السكاني
بسبب النمذو المتسارع في عدد سكان العالم، يمكن أن تشهد أجزاء من العالم فجوة بين العرض والطلب تصل إلى 65% في موارد المياه بحلول عام 2030، وحالياً أكثر من مليار شخص لا يحصلون على المياه النظيفة.
ومع استخدام 70% من المياه العذبة في العالم للزراعة يجب النظر إلى الدور الحيوي للمياه في إنتاج الغذاء مع تغير المناخ وظروف الموارد.
كيف ستبدو الأرض إذا جفت المحيطات؟
على الأقل لن يحدث هذا في الوقت القريب، لكنه مرجح للحدوث، إن لم يكن في حياتك فربما في حياة أحفادك.
ففي عام 2008 قام هوراس ميتشل من وكالة ناسا بإعداد مقطع فيديو كشف فيه عن شكل الأرض في حال تبخر مياه المحيطات.
لكن في العام 2020 أعد الدكتور جيمس أودونوغو، عالم الكواكب في وكالة استكشاف الفضاء اليابانية نسخة جديدة من الفيديو القديم ولكن بدقة أعلى ورسوم متحركة أبطأ لرؤية التأثيرات بشكل أفضل.
كما أن الفيديو الجديد يكشف بوضوح ما يعنيه مصطلح "انخفاض مستويات سطح البحر"، كما أنّ جميع هذه التفاصيل مأخوذة من مرصد ناسا.
وأخيراً علينا ألا ننسى أنّ كوكب المريخ كان في يوم من الأيام مكاناً أكثر رطوبة ودفئاً عما هو عليه اليوم، سيما أنّ النظريات تقول إن ثلث كوكب المريخ كان مغطى بمحيط، والدليل موجود في التركيب الكيميائي لتربة المريخ، وكذلك في بعض السمات التي تتشابه مع سمات الشواطئ الأرضية.