هل سبق لك أن توقعت حدوث شيء ما وكان توقعك صحيحاً؟ إذاً قد تكون من الأشخاص الذين يمتلكون الحاسة السادسة أو الحدس أو المشاعر الغريزية أو أياً كانت تسميته، ولكن هل هذا فعلاً صحيح ومثبت علمياً؟
الحاسة السادسة أو المشاعر الغريزية هل هي صحيحة فعلاً؟
لا شكّ أنّ اتباع غريزتك في توقع الأمور قد يكون بإمكانه توجيهك لاختيار الطريق الأنسب لك في الكثير من أمور الحياة، لكن في الوقت ذاته قد تتساءل عما إذا كان التمسك بالمنطق والعقل في اتخاذ القرارات سيكون أفضل لك من أن تضع المزيد من الثقة في غريزة لا يمكنك تفسيرها.
ما الذي تشعر به في الحاسة السادسة أو الحدس أو الشعور الغريزي؟
هل واجهت شعوراً مزعجاً بعدم الارتياح بشأن موقف ما؟ أو فجأة شعرت بالريبة تجاه شخص قابلته للتو؟ لا يمكنك تفسير مشاعرك بشكل منطقي، لكنك تعلم أن شيئاً ما ليس صحيحاً تماماً.
يمكن أن يثير اللاوعي لديك مجموعة من الأحاسيس في القناة الهضمية (توصف بأنها الدماغ الثاني في الجسم)، وبعضها لا يختلف عن المشاعر الجسدية المرتبطة بالقلق، وقد تبدو أحاسيس أخرى أكثر إيجابية لتؤكد اختيارك.
ووفقاً لما ذكره موقع Health Line فإن بعض الناس يصفون علامات الحاسة السادسة أو المشاعر الغريزية على أنها صوت داخلي صغير، ولكنه غالباً يُسمع بطرق مثل:
- توتر أو شد في الجسم
- شعور بصراخ داخلي أو وخز
- شعور غريب بالمعدة أو الغثيان
- إحساس بالغرق
- تعرق راحتي اليدين أو القدمين
- مشاعر سلام أو أمان أو سعادة
وتميل هذه المشاعر إلى الظهور فجأة إلى الناس كهمس خافت أو شعور خفيف، لكنها أحياناً تأتي بقوة، بحيث لا يستطيع أحد تجاهلها.
من أين تأتي المشاعر الغريزية؟
رغم أن المشاعر الغريزية غالباً ما تظهر من العدم، فإنها ليست عشوائية، إذ توصل الخبراء إلى بعض التفسيرات المحتملة لهذه المشاعر.
عمليات الدماغ الطبيعية
تربط ومضات الحدس هذه بعمليات دماغية معينة، مثل تقييم الإشارات العاطفية وغير اللفظية وفك تشفيرها، وفقاً لما ذكره موقع Psychology Today.
فبينما تمضي في يومك يقوم عقلك بجمع ومعالجة البيانات الحسية من بيئتك.
على سبيل المثال، إذا لاحظت شخصين يصرخان ويدفعان بعضهما البعض خارج متجر أمامك مباشرة، فمن المحتمل أنك ستعبر الشارع.
لكنك لن تقول إن حدسك قد أخبرك بالانتقال، لأنك اتخذت قراراً منطقياً بناءً على المعلومات المتاحة.
ماذا لو شعرت فجأة برغبة قوية في عبور الشارع؟ لا يوجد سبب واضح وراء اندفاعك لكن لا يمكنك تجاهله، وبعد مرور بضع ثوانٍ على عبورك تنهار لافتة المبنى أمامك، حيث كنت ستمشي تماماً، ولا شكّ أنك ستحدق بانبهار وستتساءل كيف علمت أن ذلك سيحدث.
قد يكون الأمر هنا ليس له أي علاقة بالحاسة السادسة أو ما شابه، وكل ما في الأمر هو أنّ اللاوعي لديك هو من لاحظ بعض الأمور وجعلك تغير طريقك، مثل أن تكون إحدى زوايا اللافتة كانت غير معلقة، أو ربما كان الناس أمامك ملاحظين أنّ اللافتة ستقع، وخرجوا من الطريق، واللاوعي لديك جعلك تتبعهم دون أن تدرك.
التنبؤات على أساس الخبرة
يمكنك أيضاً التفكير في المشاعر الغريزية كنوع من التنبؤ بناءً على التجارب، حتى الذكريات التي لا تتذكرها تماماً، أو المعلومات التي لا تدركها بوعي، يمكنها أن ترشدك إلى الطريق الصحيح.
في دراسة جرت في العام 2016، حاول فيها الخبراء معرفة مقياس الحدث لكل شخص، قاموا باختبار تلك الفكرة على المشاركين:
طلب الباحثون من الطلاب المشاركين النظر إلى شاشة من النقاط المتحركة الصغيرة، وتحديد ما إذا كانت النقاط قد تحركت نحو الجانب الأيمن أو الأيسر من الشاشة.
في الوقت نفسه، أظهر الباحثون أيضاً للمشاركين صوراً مصممة لإلهام المشاعر الإيجابية أو السلبية: جرو، طفل، بندقية، ثعبان، أخبرتهم هذه الصور بالطريقة التي تتحرك بها النقاط على الشاشة.
رأى المشاركون هذه الصور بعين واحدة فقط، لكنهم لم يعرفوا أن هناك أشياء مثل الطفل أو الحيوانات في الصور، لأنهم شاهدوا النقاط من خلال مجسم مرآة، وهو جهاز يسمح للباحثين بمنع تلك الصور من إدراكهم الواعي.
عندما شاهد المشاركون هذه الصور أصبحت قراراتهم أسرع وأكثر دقة، وبالتالي تم استنتاج أنّ الناس يتفاعلون مع الصور جسدياً، رغم أنهم لم يدركوا أبداً ما كانوا ينظرون إليه.
أمثلة أخرى
للتوضح أكثر إليك هذه الأمثلة حول كيف يمكن للمعرفة الموجودة -حتى لو لم تكن على دراية بها- أن تثير مشاعرك الحدسية.
مجموعة من الأصدقاء تطلب منك تناول العشاء في أحد المطاعم الشعبية، ولكن هناك شيء داخلك يخبرك بعدم الذهاب فتقوم بتجاهل الدعوة، والشيء الذي قد تكون لا تتذكره هو أنك قبل فترة قد قرأت على الفيسبوك مثلاً نقداً لهذا المطعم، يشير إلى ممارسات طهي غير صحيّة.
صحيح أنك نسيت هذه المعلومة، لكن اللاوعي لديك لم ينسها، وأعطاك إشارة كي لا تذهب إلى الدعوة.
مثال آخر ينطبق على الأشخاص الذين تتعرف عليهم في مواقع التواصل الاجتماعي، كي تتفق معه على موعد محدد وتبدو الأمور على ما يرام، لكنك فجأة تشعر بعدم الارتياح تجاهه رغم أنك لا تستطيع تحديد السبب.
بكل تأكيد أنك قمت بالاطلاع على ملفه الشخصي، وقرأت معلوماته، مثل العمل السابق أو المدرسة، وكيف انتهت علاقته الأخيرة، وما إلى ذلك، وهو ما يتعارض تماماً مع ما قاله لك خلال لقائكم، صحيح أنك لم تلتقط تلك الأكاذيب، لكنّ اللاوعي لديك التقطها وأعطاك شعوراً بعدم الارتياح.
الفرق بين المشاعر الغريزية والقلق والارتياب
تُثير المشاعر الغريزية بعض الأحاسيس الجسدية مثل القلق أو الارتياب، المعروف بمرض البارانويا، لذلك قد يكون من الصعب التمييز بينها.
إليك بعض الإرشادات للتمييز بين المشاعر الغريزية والقلق والبارانويا.
المشاعر الغريزية عابرة
يميل هذا الإحساس إلى الظهور في مواقف محددة أو أثناء التفكير في شخص معيّن، ويقودك إلى اتخاذ قرار محدد، في الوقت الذي يميل فيه القلق إلى التركيز على المستقبل.
كما أنك مع القلق قد تجد نفسك قلقاً بشأن جميع أنواع المخاوف، خاصة تلك التي لا يمكنك تغيير مسارها أو التحكم فيها، وقد تتوصل إلى العديد من الحلول للتعامل مع السيناريوهات السلبية المحتملة، ولكن لا تشعر باليقين حيال أي منها.
مشاعر القلق تبقى مدة أطول
المشاعر الغريزيّة تختفي بمجرّد اتخاذك للقرار، وستلاحظ بعدها أنك بدأت تشعر بالراحة والهدوء، أما القلق فهو على العكس تماماً، لأنه ليس مجرد شعور عابر.
لأنه عادة ما يتركك في حالة تأهب دائم للتهديدات المحتملة، وعندما تحل مشكلة ما ستجد نفسك بدأت في التفكير بمشاكل أخرى.
البارانويا لا تستند إلى الحقيقة
البارانويا هو شك غير منطقي في الآخرين وأفعالهم، وقد تشعر بالاقتناع بأن شخصاً يريد أن يؤذيك، رغم أنه ليس لديك أي سبب لعدم الثقة به أو أي شكوك تدعم خوفك منه.
وغالباً ما تظهر مشاعر البارانويا في مواقف مختلفة في حياتك، بمعنى آخر لن يقتصر الأمر في الشك بشخص واحد وحسب، بل يتكرر الأمر مع أشخاص آخرين.
متى يجب أن تثق في حدسك؟
في كل موقف تواجهه فكّر فيما إذا كان حدسك قد قيم الموقف بشكل صحيح، وما إذا كان لديك خبرة في هذا الموضوع أو لا، إذا لم يكن كذلك فلا تتردد في الوثوق بحدسك، فأحياناً يمكن أن تكون المشاعر الغريزية أشياء حقيقية ترتكز على الملاحظة والخبرة وفقاً لما ذكره موقع BBC البريطاني.
كما توجد حالات أخرى عليك إدراكها قبل أن تثق بحاستك السادسة، وهي عندما يمكنك فصل القرار بين الواقع وما تتمناه، وعندما تكون بحاجة إلى اتخاذ قرار سريع، وأيضاً عندما تكون مفتقراً إلى البيانات والمعلومات.