يبدو أن مسكن الألم الأكثر استهلاكاً في العالم يستطيع أن يفعل أكثر بكثير من مجرد التخلص من الصداع. المادة تسمى أسيتامينوفين، المعروفة أيضاً باسم الباراسيتامول وتُباع على نطاق واسع تحت الاسمين التجاريين Tylenol و Panadol، أما خطورتها فهي التأثير على سلوك الإنسان عند المخاطرة.
وفقاً لدراسة أجريت في سبتمبر/أيلول 2020، تم قياس التغيرات في سلوك الناس عندما يكونون تحت تأثير الأدوية الشائعة التي لا تستلزم وصفة طبية.
وقال عالم الأعصاب بالدوين واي من جامعة ولاية أوهايو: "يبدو أن الأسيتامينوفين يجعل الناس يشعرون بمشاعر أقل سلبية عندما يفكرون في أنشطة محفوفة بالمخاطر – فهم لا يشعرون بالخوف".
وتعد هذه الدراسة إضافة إلى مجموعة أبحاث تشير إلى أن تأثيرات عقار الاسيتامينوفين تمتد من تسكين الآلام إلى التفاعلات النفسية المختلفة، ما يقلل من تقبل الناس لإيذاء المشاعر ويعانون من ضعف التعاطف، وحتى ضعف الوظائف المعرفية.
بطريقة مماثلة، يشير البحث الأخير إلى أن القدرة العاطفية للأشخاص على إدراك وتقييم المخاطر يمكن أن تتأثر عندما يتناولون عقار الاسيتامينوفين.
وعلى الرغم من أن التأثيرات قد تكون طفيفة، فإنها تستحق الذكر بالتأكيد، نظراً لأن عقار الاسيتامينوفين موجود في أكثر من 600 نوع مختلف من الأدوية المسكنة التي لا تستلزم وصفة طبية، بحسب ما نشر موقع Science Alert.
أكثر من مسكن الألم
في سلسلة من التجارب التي شملت أكثر من 500 طالب جامعي كمشاركين، قام واي وفريقه بقياس كيفية تأثير جرعة واحدة من الأسيتامينوفين (الجرعة القصوى الموصى بها للبالغين) بشكل عشوائي للمشاركين على سلوكهم في المخاطرة، مقارنةً بالأدوية الوهمية التي تم توزيعها عشوائياً.
في كل تجربة، كان على المشاركين نفخ بالون على شاشة الكمبيوتر، حيث تكسب كل نفخة صاحبها أموالاً وهمية.
كانت تعليماتهم هي كسب أكبر قدر ممكن من المال الخيالي عن طريق نفخ البالون قدر الإمكان مع الحرص على عدم فرقعته، وفي هذه الحالة سيخسرون المال.
أظهرت النتائج أن الطلاب الذين تناولوا عقار الاسيتامينوفين انخرطوا بشكل ملحوظ في خوض مخاطر أكبر أثناء التمرين، مقارنة بمجموعة الدواء الوهمي التي كانت أكثر حذراً وتحفظاً.
بالفعل، نفخ الذين تناولوا عقار الاسيتامينوفين بالوناتهم أكثر من الضوابط لتنفجر في نهاية المطاف وخسروا كل ما كسبوه من أموال.
وقال واي: "إذا كنت تتجنب المخاطرة، فقد تنفخ بضع مرات ثم تقرر صرف النقود لأنك لا تريد أن ينفجر البالون وتفقد أموالك، ولكن بالنسبة للذين يتناولون عقار الاسيتامينوفين، نعتقد أن قلقهم كان أقل، كما قلت مشاعرهم السلبية تجاه حجم البالون واحتمال انفجاره".
بالإضافة إلى محاكاة البالون، ملأ المشاركون أيضاً استبيانات خلال تجربتين، وصنفوا مستوى المخاطر التي يرونها في سيناريوهات افتراضية مختلفة، مثل المراهنة على دخل يوم في حدث رياضي، أو القفز بالحبال من فوق جسر طويل، أو قيادة السيارة بدون حزام أمان.
في أحد الاستطلاعات، تبين أيضاً أن استهلاك عقار الاسيتامينوفين يقلل من المخاطر المتصورة مقارنة بالمجموعة الضابطة، على الرغم من عدم ملاحظة نفس التأثير في مسح آخر مماثل.
بشكل عام، واستناداً إلى متوسط النتائج عبر الاختبارات المختلفة، خلص الفريق إلى أن هناك علاقة كبيرة بين تناول عقار الاسيتامينوفين واختيار المزيد من المخاطر، حتى لو كان التأثير الملحوظ طفيفاً.
ومع ذلك، فهم يقرون بأن التأثيرات الواضحة للعقار على سلوك المخاطرة يمكن أيضاً تفسيرها عبر أنواع أخرى من التفاعلات النفسية، مثل تخفيف القلق.
وأوضح الباحثون أنه "مع زيادة حجم البالون، شعر أولئك الذين يتناولون الدواء الوهمي بقدر متزايد من القلق بشأن انفجار محتمل، وعندما يصبح القلق أكثر من اللازم، أنهوا التجربة. وقد يقلل الأسيتامينوفين من هذا القلق، ما يؤدي إلى زيادة المخاطرة".
على الرغم من خطورة هذه النتائج، لا يزال عقار الأسيتامينوفين أحد أكثر الأدوية استخداماً في العالم، ويعتبر دواءً أساسياً من قبل منظمة الصحة العالمية، ويوصي به مركز السيطرة على الأمراض الأمريكي باعتباره الدواء الأساسي ومسكن الألم الأنسب لتخفيف الأعراض إذا كنت تعتقد أنك قد يكون مصابًا بفيروس كورونا.
ما هو الأسيتامينوفين؟
بحسب ما نشر موقع World of Molecules الكيميائي، فإن الأسيتامينوفين يتكون من عدة عناصر كيميائية منها البنزي، الذي يتم تعديله بحيث يصبح شديد التفاعل تجاه الإحلال العطري الإلكتروفيلي أو electrophilic aromatic substitution.
في أي أدوية موجود؟
توجد هذه المادة في دواء بنادول الشائع في أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى وأستراليا.
أما في أمريكا الشمالية فهو يستخدم تحت اسمه الأصلي أسيتامينوفين أو باراسيتامول أو تايلينول أو Tempra.
في بعض الأدوية الأقوى، تُضاف إليه مادة الكوديين المستخرجة من الأفيون، والتي تحتاج لوصفة طبيب.