من هيفاء وهبي إلى نسرين طافش وراغب علامة ومايا دياب، حملة شرسة شنها العديد من فناني الوطن العربي ضد لقاح فيروس كورونا المستجد تارة بحجة كونه مؤامرة دولية وتارة بحجة تعامل الشركات المصنعة مع الناس على أنهم فئران تجارب. لا أدري إن كان أي من هؤلاء قد قرأ تفاصيل عن فعالية اللقاح أم اكتفى بقراءة بضعة منشورات على تويتر تحذر من خطورته، لكن بطبيعة الأحوال لا تعتبر ظاهرة الخوف من اللقاحات الجديدة ومناهضتها ظاهرة حديثة.
لطالما كان هنالك مناهضون للتطعيمات التي أوجدت حديثاً عبر التاريخ، وسنورد لكم في هذا التقرير مثالاً عن الحملات الشعواء التي طالت لقاح الجدري:
حرب ضد تطعيم الجدري شبيهة بالحرب ضد لقاح فيروس كورونا
بالرغم من أن مناهضة التطعيمات ليست أمراً حديثاً، فإنها كانت مبررة بعض الشيء فيما مضى، إذ لم يكن الوصول إلى المعلومات متاحاً كما اليوم، كما لم يكن التطور العلمي في ذروة مجده.
عندما قدم إدوارد جينر لقاح الجدري في نهاية القرن الثامن عشر، تعرض للسخرية على نطاق واسع باعتباره دجالاً آخر يحاول أن يجني ثروة سريعة.
وسارع المنافسون الحاسدون إلى الإشارة لافتقاره إلى المؤهلات المهنية، وفقاً لما ورد في موقع History Today.
بدت تقنية جينر غريبة وكان اختباره للأمر سطحياً بعض الشيء، فبعد أن علم أن النساء اللواتي أصبن بجدري البقر أصبحن على ما يبدو محصنات ضد الجدري، شرع في تجربة غير تقليدية.
أولاً، لقح ابن البستاني العامل لديه بمادة لمفاوية مأخوذة من بثور امرأة مصابة بجدري البقر، وبعد شهرين، عرّضه عمداً لمرض الجدري.
مع ذلك لم تتأثر صحة الصبي، وهذا تماماً ما حدث كذلك مع حفنة من المتطوعين الآخرين: وهنا كان جينر مستعداً لبدء إجراءاته الجديدة على نطاق أوسع.
اتهامات لجينر بتحويل البشر إلى أبقار
أشيع على مواقع التواصل الاجتماعي أنك قد تتحول إلى تمساح إن أخذت لقاح كورونا، إن كنت مطلعاً على تاريخ اللقاحات سيبدو الأمر مألوفاً لك فقد اتهم جينر فيما مضى بأن لقاحه المستجد يحول الناس إلى أبقار.
في الواقع كانت تجارب جينر محفوفة بالمخاطر فعلاً، إذ تتمثل بتعريض أجسام البشر إلى عوامل ممرضة عن عمد، الأمر الذي يبدو خطيراً وغير مقبول بديهياً.
وبالرغم من نجاح تجارب جينر في حماية بعض الناس من مرض الجدري، فإن حملة قاسية أثيرت ضد ابتكاره، خصوصاً أن بعض أولئك الذين تلقوا اللقاح قد ظهرت لديهم بعض ردود الفعل التي تعزى إلى عدم اهتمامهم بالنظافة الشخصية.
فعلى سبيل المثال استشهد أحد أطباء أكسفورد المناهضين لتجارب جينر بطفل أصيب بتورم شديد في الغدد، مشيراً إلى أنه بدأ "يأخذ مظهر بقرة" بعد تناوله اللقاح.
كما انتشرت الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لتجارب جينر على نطاق واسع.
مظاهرات واحتجاجات ضد تطعيم الأطفال حديثي الولادة
بالرغم من الحملة الشرسة ضد لقاح الجدري فإن المعارضة الشديدة له بدأت تتلاشى ببطء بعد أن أظهر أنه يقي من المرض ولا يحول الناس إلى أبقار كما أشيع.
ولكن في عام 1853 عادت الجدالات حول اللقاح ثانية عندما فرضت الحكومة تطعيم جميع الأطفال حديثي الولادة بشكل إلزامي.
ما لبثت تلك الجدالات أن تحولت إلى مظاهرات بل وأعمال شغب أيضاً، وكان المعارضون للقاحات يشككون بفعاليتها من جهة ويرفضون أن تملي عليهم الدولة أمراً كهذا من جهة أخرى.
قدم رافضو اللقاحات حججاً قوية آنذاك. كانت العملية حينها طويلة ومؤلمة، وأحياناً كانت تمثل خطراً على الحياة.
فالممارسون الطبيون في ذلك الوقت كانوا يحدثون جروحاً في ذراع الرضيع، ثم يفركون اللقاح مسبق التجهيز فيها. لذلك كان الآباء يفضلون عدم تعريض أطفالهم الرضع لهذا الألم، خاصة في ظل عدم ثقتهم بأن هذا الإجراء سيمنح أطفالهم المناعة في المستقبل.
ليس هذا فحسب بل اعتقد الآباء أيضاً أن تلك اللقاحات قد تسبب نقل العدوى لأطفالهم وقد تصيبهم بالجنون أو بالأمراض الخطيرة.
اتهامات للأطباء بمحاولة تخويف الناس
بعض الخبراء الصحيين أصروا على أن النظافة الشخصية كافية لمحاربة الجدري ولا داعي للتلقيح، الأمر الذي أدى إلى لوم الفقراء على انتشار المرض، لأنهم يعيشون بقذارة ولا ينظفون أنفسهم، كما ينبغي.
وبما أن الفيروس أصغر من أن تراه أقوى الميكروسكوبات، بدأ المتشككون يصفون الأطباء بأنهم يحاولون تخويف الناس.
وخرج المعارضوون للقاحات بشعاراتٍ براقة من الخطابات السياسية الرنانة. هل ينبغي للبريطانيين الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً أن يخضعوا لنزوات الأطباء؟ هل التلقيح مناورة أخرى من الطبقات العليا للتسلط على العمال الكادحين؟ وهل هناك فائدة من إنفاق الأموال العامة على الفقراء المصابين بالمرض؟
كل تلك الاتهامات والمظاهرات دعت الحكومة البريطانية في نهاية الأمر للسماح للآباء بعدم تطعيم أطفالهم إن كانت تلك رغبتهم عام 1898 على أن يخلوا مسؤوليتهم أمام المحكمة ويقنعوا القضاة أن اللقاح سيضر بصحة طفلهم.
بكل الأحوال، يذهب جميع الآباء لتلقيح أطفالهم عن طيب خاطر ضد مرض الجدري، ومن يدري قد يكون هذا هو الحال في المستقبل فيما يخص فيروس كورونا المستجد.