تنهمر علينا المعلومات من كل حدب وصوب وبوتيرة مستمرة تكاد لا تنتهي؛ قد تكون مقالاً شاركه أحد الأصدقاء على فيسبوك، أو عبر دردشة مع شخص مقرب يود إطلاعك على آخر الأحداث السياسية، أو مجرد حديث مع فرد من العائلة حول معلومة جديدة بشأن آخر الحِميات الصحية!
كل هذه المعلومات بمختلف مصادرها وطريقة وصولها، تجعل الكثير منا يشعر كما لو أنه لم تعد لديه طاقة للمشاركة.
تُسمى هذه الحالة "الإرهاق المعرفي"، ولكن ليست المعرفة نفسها ما يتعب الناس، بل عملية محاولة اكتساب المعرفة أو مشاركتها في ظل ظروف صعبة.
حالياً، هناك 3 مصادر مشتركة على الأقل تؤدي إلى هذا الإرهاق. لكن في المقابل توجد طرق للتعامل مع كل واحد منها والسيطرة عليها لسلامتك الصحية.
1- عدم اليقين
كان العام 2020 مليئاً بعدم اليقين. تسببت جائحة الفيروس التاجي كورونا في عدم اليقين بشأن الصحة وأبسط الممارسات اليومية والمستقبلية، وبدا كأن العالم كله يتغير خارج إرادتنا وسيطرتنا.
قد يؤدي الشعور بعدم اليقين إلى الإجهاد، إذ يميل الناس إلى تفضيل ما هو مخطط ومتوقع. وأدركت شخصيات عديدةٌ هذا التوتر، من الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في القرن السابع عشر إلى الفيلسوف النمساوي لودفيج فيتجنشتاين في القرن العشرين.
ومع توافر المعلومات بسهولة، قد يقوم الأشخاص بمراجعة المواقع الإخبارية أو وسائل التواصل الاجتماعي؛ على أمل العثور على إجابات.
ولكن في كثير من الأحيان، لا توجد أجوبة مؤكدة وتزداد حالة اللايقين ويدخل الإنسان في حلقة مفرغة من الضياع، بحسب ما ذكره أستاذ الفلسفة في جامعة Wayne الأمريكية مارك ساتا، في مقال له على صحيفة The Converation.
2- الاستقطاب
يضغط الاستقطاب السياسي للأحزاب المتنافسة على المواطنين، ورغم مناداة الديمقراطية بالتنوع الحزبي ووجهات النظر، فإن الاستقطاب السياسي له آثار سلبية على قدرة الإنسان في الحصول على المعلومات ومشاركتها.
يتم هذا الأمر بطريقتين على الأقل:
أولاً: كما اقترح الفيلسوف كيفين فاليير، هناك "حلقة تغذية مرتدة سببية" بين الاستقطاب وانعدام الثقة. بعبارة أخرى، يغذي الاستقطاب وانعدام ثقة بعضهما ببعض.
تجعل هذه الدورة الناس يشعرون بعدم اليقين بمن يثقون أو ماذا يصدقون.
ثانياً: يؤدي الاستقطاب إلى روايات متنافسة، لأنه في مجتمع شديد الاستقطاب (كالولايات المتحدة مثلاً والمنقسمة بين جمهوريين وديمقراطيين)، كما تُظهر الدراسات، يمكن أن يفقد الجمهور الأرضية المشتركة، فيميل إلى الاختلاف مع الآخر وتقل القضايا المشتركة التي يتفق عليها الطرفان.
عندما تكون القضايا ساخنة أو حساسة، يزداد التوتر ومعه الأعباء العاطفية، مثل الحزن على صداقات متضررة أو الغضب من الخطاب الحزبي أو خطاب الآخر المشحون.
3- المعلومات المضللة
تنتشر المعلومات الخاطئة والمضللة في كل مكان، وتحديداً بشأن فيروس كورونا والدعاية السياسية والرسائل المضللة من الشركات الخاصة، وهو ما أطلق عليه الفيلسوفان كايلين أوكونور وجايمس ويذرول "الدعاية الصناعية".
وكما قال خبير الشطرنج غاري كاسباروف: "إن الهدف من الدعاية الحديثة ليس فقط التضليل أو الدفع بجدول أعمال، بل لاستنفاد التفكير النقدي لإبادة الحقيقة".
كيف تتعامل مع الإرهاق المعرفي؟
مع كل هذا الشك والاستقطاب والمعلومات الخاطئة، فإن الشعور بالتعب أمر مفهوم، لكن هناك خطوات يمكن تطبيقها للتعامل مع الإرهاق المعرفي؟
تقترح جمعية علم النفس الأمريكية الحد من استهلاك الأخبار والتركيز على الأشياء التي يتحكم بها الفرد للتعامل مع حالة عدم اليقين.
من الخيارات الأخرى العمل على أن تصبح مرتاحاً أكثر مع عدم اليقين، من خلال ممارسات مثل التأمل وتنمية اليقظة ومعايشة اللحظة والاستمتاع بها والاستفادة منها.
وللتعامل مع الاستقطاب، ضع في اعتبارك التواصل مع الآخر بهدف خلق تفاهم تعاطفي بدلاً من "الفوز" والمقارنة وإثبات الصح والخطأ.
وبالنسبة للحد من انتشار المعلومات المضللة، شارِك فقط القصص الإخبارية التي قرأتها وتحققت منها. ويمكنك إعطاء الأولوية للمنافذ التي تلبي معايير أخلاقية عالية للصحافة أو تتقصى الحقائق.
هذه الحلول محدودة وغير كاملة، ولكن أحد أوجه مقاومة الإرهاق المعرفي هو تعلُّم التعايش مع ما هو محدود وغير كامل، فنكران هذه الحالة أمر مرهق بحد ذاته، ذهنياً على الأقل.