لو أن أصدقاءك يتحلَّون بعلاقات طيبة فيما بينهم، فإن شعور الدعم سيكون عارماً وكبيراً عندما تمر بأحلك الظروف.
هذا ما اكتشفته دراسة علمية جديدة عن دعم الأصدقاء، تبحرت في تأثير العلاقات المتشابكة لأصدقاء الإنسان وتأثير ذلك على إحساسه بالأمان والدعم المعنوي.
نُشرت الدراسة بمجلة Social Psychology Quarterly، وتبحرت في تأثير الإحساس بدعم الأصدقاء على السلوك الفعلي لمن يحتاج المساعدة فعلياً.
بدوره يوضح عالم النفس الاجتماعي جوناثان ستال، من جامعة ولاية أوهايو: "يمكن أن يكون لديك صديقان يدعمانك كثيراً، ولكن إذا كانا صديقين لبعضهما البعض، فستشعر بمزيد من الدعم".
الصداقات تعزز الصحة النفسية
ويعد تكوين صداقات قوية والحفاظ عليها، سواء مع الأقران أو الزملاء أو أفراد الأسرة، من أهم الأشياء التي بإمكان الإنسان القيام بها من أجل صحته النفسية، بحسب ما نشره موقع Sciencealert.
فالشعور بالوحدة أمر مُضر على المدى الطويل، إذ وجد تحليل نُشر عام 2015، شمل أكثر من 3.4 مليون شخص عبر 70 دراسة، أن غياب الاتصال الاجتماعي يحمل المخاطر الصحية نفسها مثل تدخين 15 سيجارة في اليوم.
وانطبق هذا الأمر على الأشخاص من جميع الأعمار.
من جانب آخر، ارتبطت العلاقات القوية بعمر أطول، بل تنافس التمارين الرياضية في السلوكيات الصحية وإطالة العمر.
ولكن أي نوع من العلاقات يحقق أكبر قيمة؟
لا يزال علماء النفس يحاولون حل هذه المشكلة، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن المجموعة الاجتماعية الأكثر ترابطاً تمنح الشخص إحساساً أكبر بالدعم.
دعم الأصدقاء أفضل في المجموعات الضيقة
ولمزيد من الاستكشاف، أجرى علماء النفس دراستين عبر الإنترنت.
كانت الأولى عبارة عن استبيان خاضع للرقابة، طلب من 339 شخصاً إدراج 8 أفراد في حياتهم يمكنهم رؤيتهم ويقصدونهم للحصول على الدعم.
ثم سُئل المشاركون بعد ذلك عن مقدار الدعم الذي يتوقعون تلقّيه من كل صديق أو فرد من أفراد الأسرة، على مقياس من 1 إلى 7، ومدى قرب خياراتهم من بعضهم البعض، على مقياس "لا يعرفون بعضهم البعض"، "قريبة للغاية".
بحساب كثافة هذه الشبكات الاجتماعية، وجد الباحثون أن أولئك الذين لديهم مجموعات اجتماعية ضيقة يتوقعون تلقي مزيد من الدعم من أصدقائهم.
تتماشى نتيجة هذه الدراسة مع دراسة سابقة، ولكنها توضح أيضاً أن حجم الشبكة ليس بالضرورة بأهمية طريقة هيكلها نفسها.
يقول أخصائي الإدراك الاجتماعي في جامعة ولاية أوهايو جوزيف باير: "وجدنا أن شبكات الدعم لدينا أكثر من مجرد مجموعة أصدقاء".
وأضاف: "الأشخاص الذين يشعرون بأن لديهم مزيداً من الدعم الاجتماعي في حياتهم قد يركزون أكثر على الدعم الجماعي الذي يشعرون به من كونهم جزءاً من مجموعة قوية ومتماسكة. إنه وجود طاقم حقيقي، بدلاً من مجرد مجموعة من الأصدقاء".
صداقة الأصدقاء المتداخلة شبكة أمان
للتعمق أكثر، صمم المؤلفون دراسة ثانية عبر الإنترنت، حيث طُلب من 240 مشاركاً إدراج 4 أصدقاء ليسوا قريبين من بعضهم البعض وأربعة أصدقاء مقربين من بعضهم البعض.
ثم طُلب من نصف المشاركين تخيُّل الذهاب إلى مجموعة متماسكة للمساعدة، وتخيل النصف الآخر الذهاب إلى مجموعة الأصدقاء الأقل اتصالاً للمساعدة.
في النهاية، اعتقد المشاركون أنهم سيحصلون على أكبر قدر من الدعم من المجموعة المتماسكة.
وأوضح عالم النفس الاجتماعي في جامعة بوفالو، ديفيد لي: "كلما زاد تماسك المجموعة، زاد تعاضدها وشعورك بالاعتماد عليها للحصول على الدعم".
"لذا من المهم أن يعتمد أصدقاؤك على بعضهم البعض، تماماً مثلما تعتمد عليهم"، على حد تعبيره.
إدراك هذا الدعم يغيّر السلوك
بالطبع، يثبت هذا الإحساس بالدعم الفعلي الذي قد يتلقاه شخص ما في المتاعب الحقيقية، لكن الأمر الغريب الذي اكتشفه هو أنَّ تصور الشخص للدعم قد يكون في بعض الأحيان مؤشراً أقوى على سلامته وحالته النفسية.
فبدلاً من أن تكون الشبكات الأكثر تعاضداً أكثر دعماً بسبب بنيتها، يرى مؤلفو الدراسة النتيجة أنها ظاهرة "نفسية": فالشبكات الأكثر اتصالاً وتعاضداً تشكل الدعم الأكبر.
وفي حين أن تأثير هذا التصور غير واضح على السلوك الفعلي للشخص، يعتقد علماء النفس أن هذا الإحساس بـ"الدعم" يمكن أن يكون عاملاً مهماً عندما يحتاج المرء مساعدة ويبحث عنها، وأخيراً يطلبها بلا تردد.