طوال سنوات توليها العرش البريطاني الـ68، لم تلقِ الملكة إليزابيث خطاباً وطنياً إلا 4 مرات، آخرها كان في ظل انتشار جائحة فيروس كورونا؛ في محاولة منها لرفع المعنويات الوطنية للإنجليز وشعوب دول الكومنولث. لكن الملكة وكعادتها، تضمن في كل تفاصيل إطلالتها توجيه رسائل أعمق بكثير مما تقوله.
من قلعة وندسور، حيث تمضي مع زوجها الأمير فيليب عزلة اجتماعية منذ عدة أسابيع، ارتدت الملكة (93 عاماً)، ثوباً أخضر ساطعاً مع عقد لؤلؤي ثلاثي السوار وبروش فيروزي، لمخاطبة الأمة مساء الأحد 5 أبريل/نيسان 2020.
فلماذا اختارت الملكة اللون الأخضر الساطع، وهذه المجوهرات بالتحديد؟
الملكة إليزابيث تحيي للعاملين في القطاع الصحي
يعود سبب اختيار الملكة لهذا اللون بالذات إلى كونه اللون الرسمي الذي يستخدمه الأطباء والعاملون في القطاع الصحي البريطاني وتحديداً هيئة NHS، والذين يُعتبرون حالياً العاملين على الخطوط الأمامية للحرب ضد الوباء.
ويبدو أن الملكة اختارت أن ترتدي لون زيهم الطبي إيماءةً منها إلى جهودهم وتحيَّة تقدير؛ نظراً إلى أن الملكة تختار بعناية، ألوان أزيائها في كل إطلالاتها، فيعتبر هذا هو السبب الأرجح.
رسالة طمأنة ودعوة إلى الهدوء
إلى جانب ذلك، يوحي اللون الفيروزي بالهدوء والسكينة، وهو ما أرادت أن ترسله ضمناً إلى الشعب البريطاني، متمنيةً لهم "أحرَّ التمنيات".
كما أن اللون الأخضر يمثل الربيع والنضارة والحياة الجديدة والأمل.
وفي رسالتها التي كانت تدعو إلى الأمل، شكرت الملكة جميع العاملين في القطاع الصحي، وكذلك كل من ينفذون التعليمات بالبقاء في منازلهم؛ لمنع انتشار الفيروس.
وختمت الملكة رسالتها مستعينةً بجملة من أغنية حربية اسمها "سنلتقي مجدداً"، صدرت في الحرب العالمية الثانية للمغنية البريطانية فيرا لين.
إعادة إحياء للتاريخ
رغم أن الملكة لديها عدة نسخ من عقود اللؤلؤ، فإنها اختارت القطعة التي طلبتها لنفسها في عام 1952.
وهذه القطعة هي نفسها التي ارتدتها في كل من إطلالاتها المتلفزة السابقة في غير مناسبات عيد الميلاد مثل:
– عشية جنازة الأميرة ديانا في عام 1997.
– في اليوبيل الماسي لها في عام 2012.
– عند وفاة والدتها في عام 2002.
– في أثناء حرب الخليج في عام 1991.
أما عن البروش الفيروزي والماسي، فإن هذه القطعة الكلاسيكية كانت ملكاً لجدتها الملكة ماري، وهي هدية من الملك إدوارد السابع والملكة ألكسندرا، بحسب ما نشرته مجلة People.
وكان جديراً بالملاحظة أن الملكة لم تشِر في خطابها إلى إصابة المقربين من دائرتها بالفيروس، منهم مثلاً ابنها وولي العهد الأمير تشارلز ورئيس الوزراء بوريس جونسون.
البريطانيون يغرّدون مازحين
ورغم رسالة الأمل التي عمِلت جاهدةً على إيصالها إلى الجمهور البريطاني، فإن الأمر لم يخلُ من سخرية البعض القابعين في منازلهم بلا عمل!
وعمِل البعض على إدخال تعديلات على فستان الملكة، منها مثلاً لصق صورة نمر على الفستان أو حتى كلاب.
بعض المغردين اعتبروا هذه التعديلات قلَّة احترام لشخص الملكة ولفحوى ما أرادت قوله، في حين دافع آخرون بأنه مجرد مزاح وبأن الملكة نفسها تملك حساً فكاهياً، خصوصاً في ظل الوقت المتوافر لدى الجميع.
ولكن متى كانت المرات الأربع الأخرى التي خاطبت فيها الملكة الأمة بهذه الطريقة، وما أسبابها؟
خطاب اليوبيل الماسي، يونيو/حزيران عام 2012
كان خطاب الملكة المتلفز بمناسبة اليوبيل الماسي لاعتلائها العرش بمثابة لحظة احتفال، حسب ما نشرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وقالت في الخطاب، الذي بُث في مختلف أنحاء العالم، إنها "تأثرت كثيراً" برؤيتها الكثير من الناس يحتفلون بالذكرى الستين لاعتلائها العرش. وقالت آنذاك إنها تأمل أن تضفي ذكريات الفعاليات السعيدة التي أقيمت في المملكة المتحدة احتفالاً بهذه المناسبة "البهجة على حياة الناس لسنوات عديدة مقبلة".
يوم وفاة الملكة الأم، أبريل/نيسان عام 2002
قبل عقد من الزمان، رغبت الملكة في أن توجه خطاباً خاصاً للأمة عشية جنازة والدتها عام 2002.
وقالت إنها تأثرت كثيراً بالعواطف الجياشة التي أعقبت وفاة "والدتها الحبيبة" عن عمر يناهز 101 عاماً.
وقالت الملكة في كلمتها إنها تأمل أن تكون الجنازة فرصة للتعبير عن الشكر والامتنان، لا لحياة والدتها فحسب، وإنما أيضاً للوقت الذي عاشت به. وقالت: "صحيح أن هذا القرن الذي مرت به البلاد والكومنولث، لا يخلو من المِحن والأحزان، ولكنه أيضاً شهد تحقيق البلاد تقدماً استثنائياً، مليء بنماذج من الشجاعة وأداء الواجب، وكذلك البهجة والضحك".
عند وفاة ديانا، أميرة ويلز، سبتمبر/أيلول عام 1997
وخاطبت الملكة الأُمَّة أيضاً عشية جنازة ديانا، أميرة ويلز. ورغم أن بعض الخطابات الخاصة الأخرى كانت تسجل مسبقاً، أذيع هذا الخطاب الموجه للأمة على الهواء مباشرة من شرفة قصر باكنغهام. وظهر بوضوح خلف الملكة آلاف الحشود الذي تجمعوا خارج بوابات القصر لوضع الزهور وتأبين الأميرة.
وجاء خطاب الملكة بعد عودتها إلى لندن من بالمورال، في أسكتلندا، حيث كانت مع حفيديها وِليم وهاري، بعد موت والدتهما المفاجئ في حادث سيارة في باريس.
وتحدثت الملكة في خطابها بلغة شخصية للغاية. وقالت إنها تتحدث "من قلبها" بصفتها "ملكتكم وجدة".
وأعربت عن تقديرها الشخصي لديانا، قائلة إنها كانت "إنسانة مميزة وموهوبة" وأنها "أحبتها واحترمتها لنشاطها وشعورها بالالتزام تجاه الآخرين وخاصة لتفانيها مع ولديها".
أثناء حرب الخليج الأولى، فبراير/شباط عام 1991
أدلت الملكة ببيان في بداية الحرب البرية في العراق في 24 فبراير/شباط عام 1991. ثم تحدثت بعد ذلك عن فخر الأمة بقواتها المسلحة وعن أملها في أن تتحد الأمة وأن تدعو بتحقيق نصر "سريع".
وقالت إنها تأمل أن يتحقق "بأقل قدر ممكن من خسارة الأرواح والمعاناة"، وأضافت: "ونأمل عندها أن ينالوا المكافأة الحقيقية على شجاعتهم، وهي السلام العادل والدائم".