هل يمكن أن يؤثر ما تفعلينه مع طفلكِ قبل عمر العامين على حياته بأكملها؟ الإجابة هي نعم، يمكن أن يكون للحب والعناية التي تولينها لطفلكِ تأثير بالغ الأهمية في زرع الثقة لدى الطفل قبل عمر العامين، وتحديد الطريقة التي سينظر بها إلى العالم ويتعامل معه من خلالها.
مرحلة الثقة مقابل عدم الثقة هي المرحلة الأولى لنظرية عالم النفس إريك إريكسون حول التطور النفسي والاجتماعي، والتي تحدث بين الولادة وحوالي 18 شهراً من العمر، وفقاً لإريكسون، فإن مرحلة الثقة مقابل عدم الثقة هي الفترة الأكثر أهمية في حياة الشخص لأنها تُشكل طريقة نظرتنا إلى العالم، فضلاً عن شخصياتنا.
ماذا يحدث خلال مرحلة ما قبل العامين؟
الأطفال الرضع يكون لديهم اعتماد كبير على والديهم، هم يتعرضون لنمو هائل في الدماغ ونمو وتقليص الخلايا العصبية في أول عامين من حياتهم، يعتمد نمو مخ الأطفال الرضع، وكذلك نموهم الاجتماعي والعاطفي والمعرفي، على علاقة حب أو ارتباط محب مع مقدم الرعاية الأولي، وهو عادة ما يكون أحد الوالدين.
هناك أدلة متزايدة من مجالات علم النفس التنموي وعلم الأحياء العصبي على أن الإهمال وعدم تناسق الوالدين وانعدام الحب يمكن أن يؤدي إلى مشاكل طويلة المدى في الصحة العقلية، بالإضافة إلى تقليل الإمكانات والسعادة الإجمالية.
تتكون هذه المرحلة الأولى من التطور النفسي الاجتماعي من سؤال رئيسي: "هل يمكنني أن أثق في الناس من حولي؟".
ففي هذه المرحلة الأولية من التطور يتعلم الأطفال ما إذا كانوا يستطيعون الوثوق بالعالم أم لا، وهو ما يجعل الرعاية التي يتلقونها من والديهم والبالغين الآخرين أمراً بالغ الأهمية لتشكيل هذه الثقة.
نظراً لأن الرضيع يعتمد اعتماداً كلياً على مقدمي الرعاية له، تلعب جودة الرعاية التي يتلقاها الطفل دوراً مهماً في تشكيل شخصيته، خلال هذه المرحلة، يتعلم الأطفال ما إذا كانوا يستطيعون الوثوق بالأشخاص المحيطين بهم أم لا، عندما يبكي الطفل، هل يلبي مقدم الرعاية له احتياجاته؟ عندما يخاف، هل يُطمئنه أحد؟ عندما تكون جائعة، هل تتلقى الطعام من مقدمي الرعاية لها؟
قدرة الرضيع على التواصل مع احتياجاته محدودة، لذا فإن البكاء يحمل رسالة مهمة، عندما يبكي الطفل، هناك بعض الاحتياجات التي ينبغي تلبيتها من خلال استجابة مقدمي الرعاية للبكاء، سواء كان ذلك في توفير الغذاء أو تبديل الحفاضات أو الإشعار بالأمان من خلال الاحتضان المريح، ومن خلال الاستجابة بسرعة وبشكل مناسب لصرخات الرضيع، يتم وضع أساس للثقة.
عندما يتم تلبية هذه الاحتياجات باستمرار، سيتعلم الطفل أنه يمكن أن يثق بالأشخاص الذين يهتمون به، ومع ذلك، إذا لم يتم تلبية هذه الاحتياجات بشكل مستمر، سيبدأ الطفل في عدم الثقة في الناس من حوله.
إذا نجح الطفل في تطوير الثقة، فسيشعر بالأمان في العالم، بينما يسهم مقدمو الرعاية غير المتناسقين أو غير المتوفرين عاطفياً أو الذين يرفضون الطفل في التسبب بمشاعر عدم الثقة في الأطفال الذين يرعونهم، يمكن أن يؤدي الفشل في تطوير الثقة إلى الخوف والاعتقاد بأن العالم مكان موحش وغير آمن ولا يمكن التنبؤ به.
اعتقد إريكسون أن هذه الأنماط المبكرة للثقة أو عدم الثقة تساعد في السيطرة، أو على الأقل، تُحدث تأثيراً قوياً على تفاعل ذلك الفرد مع الآخرين خلال الفترة المتبقية من حياته، فأولئك الذين يتعلمون أن يثقوا بمقدمي الرعاية في مرحلة الطفولة يُصبحون أكثر عرضة لتكوين علاقات ثقة مع الآخرين طوال حياتهم.
التنشئة النفسية للأطفال ..علم التخلق
تخيل لو أن العناق، التهويدات والابتسامات من الآباء والأمهات للأطفال يمكن أن تقي الأطفال ضد حالات الغضب عندما يصبحوا مراهقين، وحتى مساعدتهم على اجتياز امتحاناتهم بعد عقود، حسناً، هناك أدلة من الفرع الجديد للعلوم والذي يُسمى علم التخلق، تُفيد بأن هذا التلقيح العاطفي على المدى الطويل قد يكون ممكناً.
المخ البشري عبارة عن عضو مدهش يتكون من أكثر من 100 مليار خلية دماغية ترتبط كل منها بأكثر من 7000 خلية دماغية أخرى، إنه أكثر تعقيداً من الكمبيوتر، بل إنه في الحقيقة أكثر الأشياء تعقيداً في الكون المعروف لنا.
المرحلة الأكثر أهمية لنمو الدماغ هي بداية الحياة، بداية من الرحم ثم السنة الأولى من الحياة، وبحلول سن الثالثة يكون دماغ الطفل قد وصل إلى حوالي 90٪ من حجم البالغين، هذا النمو السريع للدماغ والدوائر قدرت بمعدل مذهل من 700-1000 وصلة تشابك في الثانية خلال هذه الفترة.
لذلك فإن التجارب التي يكتسبها الطفل مع مقدم الرعاية لها أهمية بالغة في هذه الأسلاك والتشذيب المبكرين وتمكن من حدوث ملايين وملايين الاتصالات الجديدة في الدماغ، التفاعلات المتكررة بين الطفل ومُقدمي الرعاية تؤدي إلى مسارات يجري خلقها تساعد على تحسين الذكريات وشكل العلاقات والتعلم والمنطق.
إما أن تستعمله أو ستخسره
إذا لم تحدث تجارب إيجابية، فقد تضيع المسارات اللازمة للتجارب الإنسانية الطبيعية، يُشار إلى هذا غالباً باسم مبدأ "استخدامه أو فقده"، وتوضح بعض الدراسات الحالة المأساوية للأطفال الذين لم ينالوا الحد الأدنى من التواصل الإنساني، مما أدى بهم إلى نقص حاد في اللغة والتطور العاطفي.
على الرغم من أن الأطفال لديهم استعداد وراثي عميق للارتباط بأحد الوالدين المحبين، يمكن تعطيل هذا الأمر إذا كان الوالدان أو مقدمو الرعاية للطفل مُهملين له أو غير مُتوافرين عاطفياً، وأفادت الدراسات بأن قدرة الطفل على تكوين والحفاظ على علاقات صحية طوال الحياة قد تتعرض، في هذه الحالة، لضعف كبير.
وجود ارتباط غير آمن بمقدم الرعاية الأساسي، قد يؤدي إلى:
أبلغ الباحثون عن بعض الأمراض عند الأطفال الذين عانوا من الإهمال في سنواتهم المبكرة، مثل:
• انخفاض النمو في نصف الكرة الأيسر ما قد يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب
• زيادة الحساسية في الجهاز الحوفي والتي يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات القلق
• انخفاض النمو في الحصين التي يمكن أن تسهم في ضعف التعلم والذاكرة
الشيء الأكثر قيمة هو الحب
هذا يسلط الضوء على أهمية دعم الآباء والأمهات للأطفال في سنواتهم المبكرة الحاسمة، ومع ذلك، يمكن للوالدين أن ينشغلوا بشأن الأشياء التي ليست على القدر ذاته من الأهمية لنمو عقول أطفالهم ورفاهيتهم، مثل: تخصيص غرف خاصة بهم، وشرائهم الألعاب، وتخصيص الرحلات باهظة الثمن، بدلاً من ذلك، فإن أكثر الهدايا قيمة التي يمكن أن يتلقاها الطفل في واقع الأمر تكون مجانية، إنها مجرد حب الوالدين ووقتهم ودعمهم، هذا ليس معنويات فارغة، ويستطيع العلم أن يُظهر الآن لماذا تحتاج أدمغة الطفل إلى الحب أكثر من أي شيء آخر.