نعلم أن الشخصية تؤثر في تحديد السلوكيات والعادات، ولكن، هل يمكن أن يؤثر نوع الشخصية في الصحة العامة لصاحبها، وهل يمكن أن تساعدك شخصيتك على العيش حياة أطول؟
لطالما حاول الفلاسفة والأطباء والباحثون إيجاد صلات بين الشخصية والصحة البدنية. خلال فترة الإغريق القدماء، اقترح أبقراط وجالين أن هناك أربعة أنواع للشخصية، وأن كل منها مرتبط ببعض الأمراض الجسدية أو العقلية.
استمر الاهتمام بهذا الموضوع حتى يومنا هذا، ووجدت الأبحاث أن سمات الشخصية يمكن أن تشكل تنبؤاً صحياً مهماً. حتى وجد الباحثون أن سمات الشخصية مرتبطة بالعلامات الصحية الرئيسية.
نظرية الشخصية "أ" والشخصية "ب"
في الخمسينيات من القرن الماضي، لاحظ طبيبا القلب ماير فريدمان وراي هـ روزنمان ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض القلب لدى عدد من المرضى يمتلكون سمات شخصية متشابهة.
ولذا كان أول ربط للشخصيات بالأمراض، حينما اكتشف الطبيبان وجود ارتباط بين سمات الشخصية "أ" وارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم في عام 1976.
فقد أجرى الطبيبان دراسة طولية لاختبار فرضية أن الشخصية "أ" أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، واستمرت الدراسة 8 سنوات ونصف السنة، اشترك فيها 3154 رجلاً.
صُنِّف أكثر من نصف المشاركين على أنهم من أصحاب الشخصية "أ".
ووجد الطبيبان أن أكثر من ضعف عدد شخصيات "أ" مصابون بأمراض القلب التاجية مقارنة بأصحاب شخصية "ب".
حتى عندما تم تعديل الأرقام من أجل التدخين، ونمط الحياة، وما إلى ذلك، ظهر أن الأشخاص أصحاب الشخصية من النوع "أ" كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بمعدل الضعف تقريباً من الأشخاص من النوع "ب".
سمات الشخصيات "أ" و "ب" و "د"
تختلف السمات الشخصية للأفراد حسب نوع الشخصية، فهناك نوعان رئيسيان: الشخصية "أ" والشخصية "ب"، وأضيفت إليهما لاحقاً الشخصية "د".
الشخصية من النوع "أ"
غالباً ما تتميز الشخصية الكلاسيكية من النوع "أ" بأنها شخصية تنافسية ذات قيادة صلبة وسيطرة وكمال.
يميل الأشخاص الذين يُظهرون هذه الخصائص إلى أن يكونوا أكثر قدرة على المنافسة، ونفاد الصبر، والتوتر، والحزم، وحتى العدوانية، ويسعون إلى تحقيق الأهداف دون الشعور بالبهجة بالإنجازات التي يحققونها.
غالباً ما يُنظر إلى النوع "أ" على أنه مدمن عمل صعب المنال، سيقوم بأي شيء للمضي قدماً.
غالباً ما يشعرون بالحاجة إلى الهيمنة، سواء في العمل أو في التفاعلات الشخصية، وقد يستمدون مشاعرهم من القيمة الذاتية ومفهوم الذات من إنجازاتهم المتصورة.
يمكن إثارة غضب الأفراد من الشخصية "أ" بسهولة شديدة، كما أنهم يعبّرون عن غضبهم صراحة، ويميلون إلى رؤية ما هو أسوأ في الآخرين.
الشخصية من النوع "ب"
الشخصية الهادئة؛ ويميل أصحاب تلك الشخصية إلى الاسترخاء وعدم التسرع، كما يميلون إلى اتخاذ الأمور ببساطة، ولا تنظر إلى التنافس.
لا يعني هذا أن أصحاب الشخصية من النوع "ب" لا يرغبون في تحقيق أهدافهم، قد يعملون بجد ويفخرون بإنجازاتهم بشكل حقيقي، لكنهم لا يعلّقون الضغط نفسه على نتائجهم إذا لم يحققوا المركز الأول.
يعاني أصحاب تلك الشخصية مستويات أقل من القلق، وتكون لديهم مستويات أعلى من الخيال والإبداع.
الشخصية من النوع "د"
تميل هذه الشخصية إلى السلبية والتحفظ على إبداء الرأي في كثير من الأمور، ويُعرف أصحابها باسم المعرَّضون للأمراض أو المصابون بالأسى.
يميل أصحاب الشخصية من النوع "د" إلى قمع العواطف، خاصةً السلبية منها مثل الغضب، أي إنهم يٌظهرون اللطف المرَضي لتجنُّب النزاع.
وأظهرت الأبحاث أن المنتمين إلى تلك الشخصية تزداد لديهم معدلات الوفاة نتيجة الإصابة بمرض الشريان التاجي أو ضعف المناعة أو التهاب مزمن.
انتقادات موجهة للنظرية
الدراسات الأقدم أشارت إلى وجود علاقة بين نوع الشخصية من النوع "أ" وأمراض القلب، لكن الأبحاث اللاحقة أدت إلى تعقيد هذه النتائج من خلال عدم تأكيد الارتباط.
واجهت النظرية انتقادات عدة، فرغم أن سلوك الشخصية "أ"، الذي يتسم بالقوة والتنافسية، يمكن أن يسبب أمراض القلب، فإنه من الممكن أيضاً أن تؤدي أمراض القلب إلى تغير شخصيات المرضى استجابةً لمجموعة من التغيرات الفسيولوجية الداخلية.
واتجهت الأنظار إلى اعتقاد وجود عامل ثالث، اعتبروه الجاني الفعلي الذي يسبب ظهور أمراض القلب والشخصية "أ" على حد سواء.
واعتقد الباحثون بجامعة ديوك أنهم اكتشفوا بالضبط ماهية العامل الثالث، وهي سمة العداء أو الخصومة.
إذا كنت تشعر بقلَّة الصبر، والقيادة الصلبة، وتشعر بالقلق إزاء الوقت المحدد، والمنافسة بالإضافة إلى كونك عدائياً، يرتفع مع هذه العوامل خطر الموت المبكر.
في الواقع، أظهرت دراسة أخرى أن رجال الجامعات الذين كانوا على درجة عالية من العداء هم الذين أصيبوا بأمراض القلب بعد سنوات.
وقد أكدت ذلك الدراسات الحديثة حينما أشارت إلى أن السبب الحقيقي لزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب هو على الأرجح الغضب والعداء.
تقليل المخاطر الصحية لنوع الشخصية أ
يشير بعض الخبراء إلى أن تغيير الشخصية أمر ممكن وأنه حتى لو لم تقم بتغيير شخصيتك بالضرورة، فهناك خطوات بإمكان المرضى اتخاذها لتقليل الآثار الصحية المحتملة لنوع شخصيتهم ككل.
أولا: ركِّز على السمات السلبية المرتبطة بنوع شخصيتك مثل الميل إلى التوتر والعداء والعزلة الاجتماعية، واستكشِف الأشياء التي يمكنك القيام بها لتقليل فرص الإصابة بفرط ضغط الدم والمشاكل الصحية الأخرى.
ثانياً: يمكن تعلُّم ممارسة مهارات التعامل مع الأزمات وإدارة الإجهاد، حيث من الممكن أن تساعدك تقنيات إدارة الإجهاد الفعالة في تعلُّم كيفية التعامل بشكل أفضل مع ضغوط الحياة اليومية.
ثالثاً: تعلَّم كيفية إدارة مشاعر الغضب والعداء. ويمكن أن يساعد البحث عن طرق لتحسين اتصالاتك الاجتماعية، في تحسين رفاهيتك الآن وفي المستقبل.