وجدت دراسةٌ حديثة أنّ السمنة قد تُؤثّر على دماغ المراهق، إذ تبين وجود اختلافات بعض الشيء عن أقرانه الأنحف -وهي اختلافاتٌ يُمكن أن تُشير إلى تلفٍ ناجمٍ عن الالتهابات بحسب دراسةٍ أولية جديدة.
وباستخدام تقنيات الرنين المغناطيسي المتطورة؛ وجد الباحثون أنّ المراهقين الذين يُعانون السمنة يميلون إلى إظهار علامات انخفاض "سلامة" المادة الدماغية البيضاء.
إذ تحتوي المادة البيضاء على الألياف التي تربط بين مختلف أجزاء الدماغ.
السمنة قد تُؤثّر على دماغ المراهق
وفي هذه الحالة، اكتُشِفَ انخفاض سلامة المادة البيضاء داخل منطقة الدماغ المرتبطة بالتحكّم العاطفي والسعي وراء "المكافأة".
وتُعتبر النتائج، المبنية على فحوصات 120 مراهقاً، نتائجاً أولية. إذ قال الخبراء إنّ معناها لم يتضح بعد.
لكن النتائج تُضيف إلى الأدلة التي تربط بين السمنة وبين بعض الاختلافات في هيكل الدماغ.
إذ وجدت الدراسات، التي أُجرِيَت مؤخراً على البالغين في منتصف العمر، أدلةً على "تقلُّص" أنسجة الدماغ لدى من يمتلكون معدل دهون عالياً -وخاصةً حول منطقة البطن.
وتُشير إحدى الاحتمالات إلى أنّ زيادة كميات الدهون في الجسم تُضِرُّ مُباشرةً بالدماع عن طريق الالتهاب، بحسب ما اقترحه الباحثون.
وفي الدراسة الجديدة، كانت هناك علاقةٌ بين تناقص سلامة المادة البيضاء وبين المعدلات المرتفعة من بعض المركبات الملتهبة في الدم.
ومال المراهقون المصابون بتلك التغييرات لأن تكون لديهم مستوياتٌ أعلى من هرمونات اللبتين والأنسولين. ويرتبط اللبتين بالتحكّم في الشهية، في حين يقوم الأنسولين بتنظيم معدلات السكر في الدم.
السمنة ليست مجرد مسألة "إرادة"
هارولد بايز، يعمل زميلاً في جمعية طب السمنة، وهو المدير الطبي لمركز Louisville Metabolic and Atherosclerosis Research Center للأبحاث في ولاية كنتاكي.
وقال بايز لموقع Web MD الأمريكي إنّ دراسات تصوير الدماغ من هذا النوع تُوفّر دليلاً موضوعياً إضافياً على أنّ السمنة ليست مجرد مسألة "إرادة".
وقال بايز، الذي لم يُشارك في إعداد الدراسة: "لا يرى البعض في السمنة مرضاً، ويُجادلون بأنّ الأمر يتعلّق بالسلوكيات فقط".
لكنه أضاف أنَّ السمنة هي في الواقع مدفوعةٌ بمجموعةٍ من العوامل الأساسية. وأردف: "نعم، لا شكّ أنّ السلوكيات هي عنصرٌ أساسيٌ. ولكن هناك عناصر أخرى أيضاً، منها العنصر العصبي".
هل تغير الدهون شكل الدماغ أو العكس صحيح؟
لذا، هل تُؤدي الدهون الزائدة في الجسم إلى اختلاف شكل الدماغ؟ أم هل تُغذِّي اختلافات الدماغ زيادة الوزن؟
يشتبه بايز في أنّ الاحتمالين واردان، حيث تُسهِم اختلافات الدماغ في السمنة، في حين تزيد السمنة من الالتهاب الذي يُؤثّر على الدماغ.
لكن هذه الدراسة لا تتطرّق إلى هذه النقطة.
إذ قال آلان غيليبتر، العالم البارز في الطب النفسي بمدرسة طب ماونت سيناي
أو جبل سيناء في مدينة نيويورك: "هذه الدراسة لن تُخبرك بشيءٍ حيال اتّجاه العلاقة بينهما".
وأوضح أنّ مسألة تورُّط العوامل الأخرى، بخلاف دهون الجسم -مثل النظام الغذائي أو قلة النشاط البدني-، لا تزال غير واضحة.
ووصف غيليبتر الدراسة، التي لم يُشارك في إعدادها، بأنَّها "مُثيرةٌ للاهتمام" جزئياً بسبب تركيزها على المُراهقين. وأردف أنَّه من المهم أن تُكتشف اختلافات الدماغ في تلك المرحلة المبكرة.
وقال غيليبتر إنَّ الدراسات المستقبلية بإمكانها النظر في ما إذا كانت اختلافات الدماغ ستظل قائمةً بعد فقدان المُراهقين للوزن الزائد. وأوضح أنَّ ذلك سيُشير إلى -ولن يُثبت- أنَّ السمنة تُؤدي إلى تغيير هيكل الدماغ.
وفي دراسةٍ نُشِرَت في وقتٍ مُبكّرٍ من العام الجاري، عثر غيليبتر وزملاؤه على تلميحاتٍ بأنّ ذلك هو ما يحدث.
إذ ركّزوا على البالغين الذين يُعانون من السمنة المفرطة، والذي كانوا يبدأون للتو علاج فقدان الوزن من خلال الجراحة أو تغيير نمط الحياة فقط.
وبعد مرور أربعة أشهر، أظهر المرضى الذين فقدوا الوزن زيادةً في المادتين البيضاء والرمادية بالدماغ.
الأجزاء المُتأثّرة في الدماغ تتحكم في الشهية والعواطف
ومن المُقرّر أن تُقدِّم باميلا بيرتولازي، طالبة الدكتوراه بجامعة ساو باولو البرازيلية، آخر النتائج خلال الاجتماع السنوي لـ"الجمعية الإشعاعية في أمريكا الشمالية" بولاية شيكاغو.
وتُعتبر الأبحاث المُقدَّمة في الاجتماعات أبحاثاً أولية، حتى تُنشر في دوريةٍ راجعها الأقران.
وفي هذه الدراسة، استخدم فريق باميلا تقنية تصوير مُتخصصة بالرنين المغناطيسي لتقييم أدمغة 59 طفلاً سميناً و61 طفلاً عادي الوزن، تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاماً.
وركّز الباحثون تحقيقهم على مقياسٍ يُسمى التباين الكسري: الذي يقترح في حال انخفاضه أنّ سلامة المادة البيضاء للدماغ باتت أقل.
وإجمالاً، وجدت الدراسة أنَّ المراهقين الذين يُعانون من السمنة لديهم تباينٌ كسري أقل في بعض أجزاء المادة البيضاء، مُقارنةً بالأطفال ذوي الوزن العادي. وتتحكّم الأجزاء المُتأثّرة في الشهية والعواطف.
وقالت باميلا إنّ فريقها يأمل في فعل ما وصفه غيليبتر تحديداً -أي تكرار مقاييس الرنين المغناطيسي على نفس المراهقين بعد أن تمُر المجموعة السمينة ببرنامج لفقدان الوزن.
وأوضحت أنّ الدراسة الأخرى كشفت أن الأطفال الذين يُعانون من السمنة يميلون لأنّ تكون درجاتهم في اختبار مُعدل الذكاء أقل من أقرانهم الأنحف، رغم أنّه ما زال مجهولاً ما إذا كان ذلك يحدث نتيجة تأثيرات السمنة على الدماغ.