مع اقتراب عيد الهلع، المعروف عالمياً باسم الهالوين، نتذكر مجدداً كيف أننا نحب الشعور بالخوف. فهناك شيء ما مرغوب في الأمور المخيفة والمفزعة، يجعلنا نريد إدخالها إلى حياتنا، بل والاحتفاء بوجودها. فلماذا يبدو هذا منطقياً، وما التفسير العلمي وراء رغبتنا في أن نخاف؟ و لماذا نحب الشعور بالخوف ؟ إليك ما يفسر به العلم الظاهرة، بحسب ما نشر موقع Big Think الأمريكي.
لماذا نحب الشعور بالخوف ؟
قد يرجع سبب ظننا أن أشخاصاً بعينهم مخيفون، وأن مواقف محددة مخيفة إلى آلية تُعرف باسم الكشف عن القوة العاملة (agency-detection)، التي قدّمها علماء النفس التطوريون، وهي رد فعل داخلي بين "القتال أو الهروب"، يُحذرك من ظل شخص غير واضح في زقاق مظلم، أو من تهديد آخر مماثل، من خلال رفع مستوى الاستثارة والانتباه لديك.
وبحسب ما كتبه خبير علم النفس الاجتماعي، فرانسيس تي مكاندرو في استعراضه لدراسات عن الخوف في مجلة Psychology Today، فنحن مبرمجون على التصرف بطريقة معينة إذا اعتقدنا أن هناك "قوة عاملة" تنوي إلحاق الأذى بنا. وحتى إذا لم ينجح مصدر التهديد في إلحاق الأذى، فإننا نستجيب لذلك بالكثير من الحذر.
مهن مريبة أكثر من غيرها
يُعرف مكاندرو إحساس الخوف بأنه: "قلق يستثار من خلال الشك في وجود ما يدعو إلى الخوف، أو من خلال الغموض الذي يكتنف الطبيعة المحددة لمصدر التهديد". قد لا نعلم ما إذا كان مصدر التهديد هو الاعتداء الجسدي أو الجنسي، لكن الشك وإمكانية وقوع ذلك التهديد هو ما يجعل الموقف أو الشخص الذي يُسببه "مخيفاً".
في دراسة مكاندرو لهذا الموضوع، التي استقدم فيها 1,341 شخصاً ليُجيبوا عن استبيان على موقع فيسبوك، وجد فريقه البحثي أن الأشخاص الذين عُدّوا مخيفين كانوا في الأغلب من الرجال. بينما اعتقدت الإناث أن الأشخاص المخيفين يشكلون تهديداً جنسياً. وأسهمت كذلك السمات الجسدية الغريبة والسلوكيات الحركية في إعطاء ذلك الإحساس بالخوف.
وحددت الدراسة كذلك المهن التي نعدها مريبة أكثر من غيرها. وكانت على قائمة المهن المريبة مهنة المهرج، ومهنة تحنيط الحيوانات، وامتلاك متجر جنسي، ومديرو دور الجنائز. ومن ناحية ثقافية شاهدنا بالتأكيد ما يكفي من الأفلام الشهيرة حول تلك الشخصيات. إذ يعد فيلم IT 2 واحداً من الأفلام التي حققت إيرادات كبيرة في شباك التذاكر. وأحد أشهر أفلام الرعب على الإطلاق هو فيلم Psycho لهيتشكوك، الذي يؤدي دور البطولة فيه مجرم يعمل في التحنيط.
إخضاع أنفسنا بإرادتنا للتجارب المخيفة
ومن المثير للاهتمام، أنه من بين الهوايات التي وصفها الأشخاص بأنها مريبة، كان هناك جمع بين أشياء معينة مثل الحشرات والدمى وأجزاء من الجسد، مثل الأسنان أو العظام أو الأظافر. وعُدَّت هواية "المراقبة" مريبة أيضاً، سواء كانت مراقبة الأطفال أو التقاط الصور للناس أو حتى مراقبة الطيور.
وفي حين أننا قد نعرف ما نعتقد أنه مخيف، يستمتع البعض الآخر منا بالتأكيد بأن يكون خائفاً. فماذا يمكن أن يخبرنا العلم عن الرغبة في تلك الاستجابة؟ يخلق الشعور بالخوف نوعاً من الانتشاء، وقد دعمت ذلك دراسة نُشرت في مجلة Emotion. نظر الباحثون فيما يُسمى بالاستثارة الطوعية للتجارب السلبية (VANE)، من أجل اكتشاف السبب الكامن وراء إخضاع أنفسنا بإرادتنا للتجارب المخيفة.
أجرت تلك الدراسة بحثاً على 262 شخصاً بالغاً، زاروا بيت رعب "شديد" في بيتسبرغ يُسمى ScareHouse. وأبلغ المشاركون عن توقعاتهم وردود فعلهم العاطفية في تلك التجربة. وخضع أيضاً 100 من المشاركين لتقييم من خلال تخطيط أمواج الدماغ EGG لقياس النشاط الدماغي. ووجد الباحثون أن نصف هؤلاء قد تحسن مزاجهم بعد دخولهم بيت الرعب، خاصة الأشخاص الذين أبلغوا عن شعورهم بالملل أو التعب أو التوتر قبل التجربة. وقد انخفض "تفاعلهم العصبي" بعد التوتر الناتج عن تجربة بيت الرعب، وكانوا بعدها أكثر قدرة على التعامل مع التوترات التالية.
الإحساس المُتشارك بالخوف
وصفت مارغي كير، وهي عالمة اجتماع متخصصة في الخوف وشاركت في دراسة VANE، في مقابلة لها مع مجلة Time، ما يحدث في تلك المواقف عندما نبحث طواعيةً عن الأوضاع المخيفة "بوصفه نوعاً من الانتشاء".
قالت كير: "عندما نكون في مكان آمن، يمكننا أن نفسر الاستجابة على التهديد مثلما نفعل مع أي استجابة على إثارة عالية مثل الفرح أو السعادة. تثار تلك الاستجابة بأي شيء غير متوقع أو مفاجئ، لكننا عندما نكون في مكان آمن وندرك ذلك، يستغرق الأمر أقل من ثانية لنتذكر أننا لسنا في خطر فعلاً. ثم نتحول إلى الاستمتاع بالأمر، إنه نوع من الانتشاء، ولهذا نرى الناس ينقلبون بسرعة من الصراخ إلى الضحك".
وتعتقد كير أيضاً أن المرور بتجربة مخيفة مثل دخول بيت الرعب يعطي شعوراً بالإنجاز، وتضيف: "إنه مثل أي تحدٍّ شخصي، مثل الركض 5 كيلومترات أو تسلق شجرة، لقد أصبنا أنفسنا بالتوتر وخرجنا بخير". وحتى إذا كانت التجربة آمنة حتمياً، يظل ذلك الشعور بالإنجاز موجوداً لأننا شاركنا فيها.
وياتي كذلك التقارب الاجتماعي ضمن الجوانب الأخرى لخوض تجارب مخيفة مع مجموعة من الأشخاص، إذ إن التعرض للخوف مع جماعة يحسن تكوين الذكريات القوية. والإحساس المُتشارك بالخوف قد يولد ذكريات يمكن تشاركها بولع لفترة طويلة.