تُعد القناعة إحدى دعائم الشخصية القوية، والقدرة على التعامل مع التوتُّر قاعدةٌ أساسية لإرساء هذه القوة، وهذه القوة تبدأ من فهم الطبيعة البيولوجيّة للتوتُّر.
فإن كنت تبحث عن سبيلٍ يجعلك تتحكَّم في التوتُّر بشكلٍ أفضل، فهناك ملايين النصائح تساعدك على ذلك بحكمةٍ، مثل الآتي:
1- أن تحظى بنظامٍ داعم لك.
2- أن
تُنمِّي شبكة علاقاتك الاجتماعية.
3- اختيار هواية مناسبة لك.
4- التنزُّه أكثر من ذي قبل.
لكن هذا المقال ليس بغرض المساعدة الذاتية، ولن يسرد مدى أهمية النقاط المذكورة سلفاً، بل سيتناول الطبيعة البيولوجية للتوتُّر.
إن فهم آلية التوتُّر البيولوجية يقدم منظوراً جديداً عنه، ويسمح بتحديد النصائح المناسبة، من بين الملايين الأخرى، من أجل التعامل مع الضغط النفسي. فإن اقتنعت بمدى تأثيره على حياتك ازدادت قدرتك على التحكم به بدلاً من الاستسلام له.
تأثير التوتُّر على القدرات المعرفية
واحدٌ من أبرز آثار التوتر على العقل البشري هو تأثيره على القدرات المعرفية.
إذ توصَّلَت دراسة نُشرت في مجلة Molecular Psychiatry التابعة لمجلة Nature، إلى أن أولئك الذين يعانون من التوتُّر هم الأكثر عرضة للإصابة بالتغيرات المزاجية واضطرابات القلق في حياتهم المستقبلية.
فعند نقطة ما يمر معظمنا بأحد المواقف التالية:
1- مواصلة الدراسة ليلاً ونهاراً قبل الامتحانات النهائية مباشرةً، والاستيعاب بطريقة سحرية لجميع النقاط المهمة التي لم تكن مفهومة، واجتياز الاختبار بتفوق.
2- أن تصل إلى مرحلةٍ عند ممارستك للألعاب الثقيلة أو عند المواقف الخطرة، وتشعر أن الوقت يتدفَّق ببطءٍ.
3- أن تكون تحت ضغطٍ مستمر يؤدي إلى أن يفقد عقلك التركيز وحتى المعاناة من فقدان الذاكرة.
وبحسب ما نشره موقع The Good Men Project، لتأثير التوتر على القدرات المعرفية وجهان؛ فإن تعرُّض شخص ذي صحة جيدة للضغط الحاد قد يضاعف من قدراته المعرفية، بينما يصيب التوتر المزمن العقل بالبلادة.
علاوة على ذلك، تشير العديد من الدراسات إلى أن الحالة التقلبية التي تؤثر على أداء النساء وأنماطهنّ العاطفية ترجع إلى الدورة الشهرية.
التوتر والجهاز المناعي
ومن ناحيةٍ أخرى، فبالإضافة إلى العملية العصبية، يحدُّ التوتُّر من فاعلية الجهاز المناعي، مما يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية.
إذ وجدت العديد من الدراسات أن الغدد الصماء والجهاز المناعي يضطلعان بأدوارٍ مهمة في تسوية الاستجابات العصبية عند الثدييات، ومن ضمنهم البشر.
تحت الضغط الحاد: يفرز الجهاز المناعي مجموعة من البروتينات السكرية (سيتوكينات) المحرضة على الالتهابات، ويحدث هذا الإفراز داخل مجرى الدم.
ثم تنتشر هذه البروتينات داخل الجسم، وتحفز جميع أنواع الاستجابات المناعية لدورة الأوعية الدموية الدقيقة، مثل الزيادة في النفاذية الوعائية، واستقطاب واختزان كرات الدم البيضاء، وإفراز محفزات الالتهاب في مجرى الدم، مما يسبب في الإصابة بالطفح الجلدي، والحكَّة، وجعل فروة الرأس دهنية، بجانب الاحمرار والتورم، وفقدان الأنسجة القدرة على القيام بوظائفها، وغيرها من الأمور.
مجمل القول هو أن التوتر يسبب نقصاً في إنتاج الجسم للخلايا الليمفاوية، خلايا الدم البيضاء التي تساعد على التصدي للعدوى.
فكلما انخفض عدد الخلايا الليمفاوية في الجسم ازداد خطر التعرض للإصابة بالفيروسات وغيرها من المُمرضات.
الطبيعة البيولوجيّة للتوتُّر
وفي دراسة أجرتها كلية الطب بجامعة فيرجينيا، أفادت أن محفزات الالتهاب تلك، مثل إنترلوكين 1 بيتا (Interleukin 1 beta)، وإنترلوكين 4 (IL-4)، وإنترلوكين 6 (Interleukin 6 )، وعامل النخر الورمي ألفا (TNF alpha) تتجمع في الشريان السحائي.
يهدف هذا البحث العلمي إلى دراسة العلاقة التي تربط المخ بالجهاز المناعي. إذ يلعب بروتين الإنترلوكين 4 (IL-4) دوراً مهماً في عملية المناعة، بجانب دوره الحاسم في آلية عمل المخ كالذاكرة والعملية التعليمية.
وقد تبيَّن أن الزيادة في إفراز بروتين الإنترلوكين 4 (IL-4)، الذي يمكن قياسه عن طريق إحدى شركات تصنيع المضادات المناعية "Bosterbio"، تُسبب إفراز سلسلة من الإشارات الجزيئية في المخ، ومن ضمنها هرمون الغلوكاغون.
ومع أن بروتين IL-4 لا يمر عبر الحاجز الدموي الدماغي (BBB)، وُجِدَت خلايا بطانية في الحاجز الدموي الدماغي لتسوية مثل هذه الإشارات المرورية عبر الحاجز الدموي الدماغي.
علاوة على أن ارتفاع معدلات هرمون الغلوكاغون فيما بعد سوف ينتج خلايا داخل الجهاز العصبي المركزي للعمل بفاعلية أكثر، من أجل رفع كفاءة الوظائف المعرفية تحت الضغط الحاد، ومن ضمن هذه الآليات التمييز المكاني والذاكرة قصيرة المدى.
ومع ذلك، فإن هذا التأثير بإمكانه أن يستنفد احتياطي مستقبلات هرمون الغلوكاغون في الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى تقليص التأثير الهامشي لتلك الظاهرة.
فعند الإصابة بالتوتر المُزمن، تتقلَّص كفاءة الوظائف المعرفية بمرور الوقت، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى ضعف في القدرة على التمييز المكاني وفي الذاكرة قصيرة المدى.
ومن الواضح أيضاً أن الأنشطة المناعية التي تحدث داخل الجسم تؤثر على التوتر على مستوى جزئي.
الحمية الصحية والقيلولة سبيلك لمواجهة التحديات
ومع أخذ ذلك الأمر في الاعتبار، فعندما تتوقع القيام بأنشطة مجهدة للغاية في المستقبل القريب، يُعد التخطيط لنمط حياة وفقاً لذلك بهدف الحد من الالتهاب طريقةً مثالية تؤهلك لتحمل الضغط بصورة أكبر، دون بذل مجهودات هائلة.
حيث يُمكن للأشياء البسيطة مثل تجنب الأطعمة والمشروبات التي تؤدي للإصابة بالالتهابات، والمداومة على أخذ قيلولة، أن تُحررك من النطاق الترددي، وتدفعك للتحديات الحقيقية.
على أن ممارسة أنشطة تقليدية للنأي عن الشعور بالضغط، مثل التدخين وتناول الأطعمة بشراهة من شأنها أن تضع على كاهلك المزيد من الضغط، والسبب في عدم إدراكك هذا الأمر على الفور يرجع فقط لكون مستقبلات الغلوكاغون لم تُستنفد بعد.
ختاماً، وبعد الجوانب العلمية المذكورة آنفاً، يبدو أن مقدار الضغط الذي يمكن أن يتعرض له الشخص يعتمد جزئياً على مُستقبلات البروتين الفعلية في المخ، والتي لا يمكن لها أن تتمدد إلى أجل غير مسمى، اعتماداً على قوة الإرادة، لذا يجب عليك أن تكون مُدركاً لكيفية التعايش مع حالة التوتر التي تمر بها، وأن تتفاعل معه باعتباره مصدراً مهماً لصفة المُروءة.