من الصعب تمييز هدف شخصٍ عند الإصاح العاطفي على مواقع التواصل الاجتماعي، هل يبحث عن دعم عاطفي أم يستجدي انتباهاً من الآخرين؟
استطلاع جديد يحذِّر من أن ردَّ الفعل على ما يفصح عنه على المواقع الاجتماعية قد يكون مؤذياً إذا كان ذلك الشخص مضطرباً.
حين يلتمس شخصٌ ما الانتباه عبر الإنترنت بواسطة نشر شيء عاطفي، يُعرف هذا باسم "استجداء التعاطف".
لكن يمكن أن ينظر بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى المنشورات العاطفية باعتبارها مجرَّد طريقةٍ لجذب الانتباه، وتفوتهم علامات الشدَّة الحقيقية.
وفقاً لتقريرٍ مبنيٍّ على مقابلاتٍ أُجريت مع أكثر من 50 ألف طالبٍ تتراوح أعمارهم بين 11 و16 عاماً، يشعر الأطفال المضطربون الساعون حقاً إلى الدعم العاطفي على الإنترنت، بسوءٍ أكبر حين يقترح المستخدمون الآخرون أنهم ببساطةٍ يحاولون جذب الانتباه.
وفي بعض الحالات، كانت ردود فعل أقرانهم أكثر إيذاءً لصحَّتهم النفسية. وجعلت كذلك بعض الأطفال عرضةً لمزيدٍ من التلاعب.
من الصعب تمييز ما إذا كان شخصٌ ما يبحث عن الدعم أم الانتباه فقط، إذ إن مواقع التواصل الاجتماعي لا توفِّر السياق الذي توفِّره التفاعلات الشخصية، وفقاً للدكتورة ليندزي غيلر، عالمة بعلم النفس السريري في نيويورك.
في حين أوضحت الدكتورة كيلي كولمز، عالمة النفس بمنطقة سان فرانسيسكو، قائلةً: "قد يكون من الشائك محاولة تحميل منشورات الناس على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من معناها، إذ قد ينفِّس الناس في أغلب الأحيان أو ينشرون رسائل تستهدف جمهوراً (أو فرداً) معيناً".
الإفصاح العاطفي على مواقع التوصل والاهتمام
تضيف الدكتورة جيلينا كيكمانوفيتش، عالمة النفس السريري في أرلينغتون بولاية فيرجينيا، لموقع Healthline، أنه لا توجد طريقة قاطعة للجزم بما إذا كان شخصٌ ما في أزمة حقيقية، لذا ينبغي أخذ أية منشورات منذِرة بالخطر على محمل الجد.
وقد يكون شخصٌ ما بالفعل راغباً أو محتاجاً إلى الانتباه، لأنه يعاني شدةً عاطفيةً.
وإحدى طرق محاولة استنتاج ما إذا كان هذا الشخص في ورطة حقيقية (أي على وشك إيذاء نفسه أو شخص آخر)، الرجوع بالتفكير إلى منشوراته السابقة.
فإذا بدا أنه يواجه فترةً صعبةً وظهر هذا على حين غرَّةٍ، فقد تكون تلك علامةً على أنه بحاجة إلى المساعدة، بناءً على كلام الدكتورة شوشانا بينيت عالِمة النفس السريري من كاليفورنيا.
إذ قالت: "إذا كان هذا الشخص في المعتاد درامياً وينشر كثيراً بهذه الطريقة، فسيختلف رد فعلك على الأرجح عما إذا كان المنشور منافياً لشخصيته وغير معتاد. ومهما كان، إذا تحدَّث صديقٌ بجديةٍ عن إيذاء نفسه، فاطمئن عليه واحرص على أنه بخير، أو تواصَل مع أصدقاء مشتركين، لمعرفة ما إذا كان أي أحدٍ آخر قد فعل ذلك بالفعل".
وأضافت ليندزي غيلر أن الشخص إن كان كثير الحديث عن عدم الرغبة في مواصلة العيش، فينبغي أن يُؤخذ هذا على محمل الجد.
الاستجابة للمنشورات المقلقة
لا تنسَ أنه ليس كل شخصٍ يقبل مناقشة صحته العقلية على الإنترنت، لكن قد يجد بعض الناس في هذا تشجيعاً.
ولهذا، فقد يطلب منشورهم الدعم، لكي يشعروا بالتواصل والتفاؤل، على حد قول ليندزي غيلر.
فهل أنت قلِقٌ على شخصٍ تعرفه وتريد اتخاذ رد فعل؟
قبل الاستجابة، فكِّر بينك وبين نفسك إن كنت تظن هذا الشخص يمرٌّ بفترة صعبة أم أن لديه ميولاً انتحاريةً. وقد يساعدك هذا في تحديد شكل استجابتك.
وترشِّح ليندزي التواصل معه بواسطة إشارة خاصة أو مكالمة أو حديث شخصي. أخبِره بأنك رأيت منشوره وأنك قلِق عليه، أو انصحه بمستشار نفسي أو خط ساخن لدعم الصحة النفسية.
وتضيف أن الاستجابة للمنشورات عبر الإنترنت قد تؤثر في الصحة النفسية، فكن حذراً من إجابتك. فإن قلت شيئاً مستهتراً، فقد يعمِّق هذا من شدَّته، إلى جانب التحقير من آلامه.
في حين صرَّحت شوشانا بينيت قائلةً: "إذا كان شخص ما مضطرباً للغاية ولم تكن المشكلة موقفاً مؤقتاً سريعاً، فبإمكان مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل أن تكون حافزاً لهذا الشخص، لعلَّه يستعين بطبيب نفسي محترف. وقد يسكِّن كثيراً من روعه استقبالُ رسائل عبر الإنترنت من آخرين متعاطفين معه".
وتتفق الدكتورة فران والفيش، المعالجة النفسية للأسرة والأزواج في كاليفورنيا، مع الرأي القائل إن الاستجابة الشخصية المباشرة بالغة الأهمية.
إذ قالت: "أكبر خطورة من الاستجابة على الملأ في منشور، مثلاً تعريض صديقك دون قصدٍ للتنمُّر والإذلال العلني".
لا بأس بسؤال شخصٍ تظن أن منشوره قد يكون خطيراً عما إذا كانت تراوده أفكارٌ بشأن إيذاء نفسه، أو ما إذا كان يشعر باليأس.
وأضافت فران والفيش: "من الضروري أيضاً تذكير الشخص اليائس بأن إنهاء حياته إلغاء دائم لمشكلة وحالة ذهنية مؤقتتَين".
المنشورات العاطفية طلب المساعدة
لا بأس كذلك بنصح صديقٍ بطبيب نفسي محترف. فمن يعملون في مجال الصحة النفسية أو خدمات الأزمات مدرَّبون على منع الانتحار، ويمكنهم الاستجابة لموقفٍ ما، قد يصعب على شخصٍ غير مدرَّبٍ التعامل معه.
وأخيراً، تضيف الدكتورة كيلي كولمو أنك إذا كنت قلِقاً بحقٍّ على سلامة أحدٍ ما، فمساعدته في الاتصال بالنجدة أو خطِّ منع الانتحار، أو إقناعه بالذهاب إلى غرفة طوارئ أحد المستشفيات قد يمنعه من الانتحار.
وتابعت كيلي: "لا ينبغي للأشخاص غير المدرَّبين على خدمات الأزمات وضع أنفسهم في موقف محاولة منع انتحار شخصٍ ما. من الأفضل، عوضاً عن ذلك، إقناع هذا الشخص بطلب المساعدة أو إشراك شخصٍ آخر مدرَّب احترافياً على التدخُّل في حالات الطوارئ".