وأخيراً، السعودية تسمح للنساء بالسفر لوحدها بدون موافقة أو مرافقة ولي الأمر. قيود فرضها المجتمع على المرأة السعودية لعقود، لكن قرار وقف العمل بها صدر في 20 أغسطس/آب 2019، بعد ضغوط دولية ومحلية.
سلمى، سيدة سعودية تبلغ من العمر 40 عاماً ولديها 3 أطفال، كانت تسافر بانتظام للخارج شرط تصريح من الولي القانوني عليها -أي زوجها- وحالياً والدها.
لكن عندما وصلت إلى مطار الرياض في أواخر شهر أغسطس/آب عبرت من منطقة الجوازات بصفتها الشخصية.
قالت لرويترز وهي في البوابة المؤدية للطائرة "تشعر بأنك إنسان.. بأنك إنسان كامل.. ليس نصف إنسان ولا جزءاً، إنسان كامل".
نظام ولاية الرجل يقيد حرية المرأة
وتحملت السعودية لفترة طويلة استنكار الغرب لنظام ولاية الرجل الذي يتطلب أن يكون لكل امرأة قريب، الوالد أو الشقيق أو الزوج أو الابن، يوافق على القرارات المهمة طوال حياتها.
وعلى الرغم من أن بعض القيود الكبيرة ما زالت مفروضة، إلا أن السلطات أدخلت بشكل مطرد تعديلات على القواعد التنظيمية مع محاولتها زيادة انفتاح المجتمع في إطار أجندة إصلاحية أوسع نطاقاً يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يعد الحاكم الفعلي للمملكة.
السعودية تسمح للمرأة بالسفر دون موافقة ولي أمرها
وسمحت أحدث تعديلات بحصول النساء ممن تخطت أعمارهن 21 عاماً على جواز للسفر والخروج من البلاد دون إذن ولي.
كما مكنتهن من تسجيل المواليد والزواج والطلاق وإصدار وثائق رسمية لهن خاصة بالأسرة بالإضافة إلى حق الوصاية على الأطفال القصر.
وقالت صحيفة (اليوم) المحلية السعودية إن أكثر من ألف امرأة في المنطقة الشرقية سافرن للخارج بالفعل بموجب القرارات الجديدة.
لكن كأي قرار جديد، شاب التنفيذ بعض المشكلات
فقد شكت نساء على تويتر من أن بوابة الخدمات الإلكترونية الحكومية (أبشر) لم تسمح لهن بعد بالتقدم للحصول على جوازات للسفر عبر الإنترنت.
وقالت وسائل إعلام محلية إن النساء بحاجة لتقديم الطلب بشخصهن لحين تفعيل النظام الإلكتروني.
ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التعديلات الأخيرة بأنها انتصار طال انتظاره وحثت السلطات على ضمان عدم استخدام الأولياء لقرارات قضائية لتهميش تلك التعديلات.
القرار لا يسري على الجميع
ولكن لن تتمتع كل السعوديات بهذا الحق الجديد، والتقى "عربي بوست" بطبيبة أسنان حاصلة على شهادة الدكتوراه من بريطانيا، رفضت الإفصاح عن هويتها موضحة معاناتها الشخصية مع القرار.
تقول الطبيبة:
"منذ 16 عاماً وأنا أطالب بتحرير المرأة من قبضة الرجل، ومنحها الحرية بالسفر، بخاصة أني أتجرع يومياً ويلات منعي من السفر والسبب أن طليقي يرفض سفر ابنتي معي، علماً أن جميع سفرياتي ليست للترفيه بل جزء من مهنتي، فأنا طبيبة زائرة في لندن، وأقدم أوراقاً علمية خارج السعودية بشكل دوري، ولي أبحاث منشورة ومتخصصة، وكرمت من جهات دولية عدة".
وأكملت: "أنجبت طفلتي قبل 16 عاماً، وبعد ولادتها بأشهر حصل الطلاق من زوجي، لكني أشارك في مؤتمرات علمية كثيرة حول العالم، وفي كل مرة أحاول فيها السفر، يمنع طليقي ابنتي من السفر معي".
وأوضحت لـ "عربي بوست" أنها لطالما تمنت صدور القرار لوقف هيمنة طليقها على حياتها، إلا أن القرار لم يلب الحد الأدنى لحقها في التحرر، إذ تواصلت مع الجهات الرسمية منذ كان عمر طفلتها عامين؛ والآن يبلغ عمر ابنتها 16 عاماً ومع ذلك استثناها القرار، لأنه سمح لمن هن فوق الـ 21 عاماً ولم يأخذ بالحسبان الظروف الإنسانية لبنات المطلقات.
وأشارت إلى أنها كانت دائماً ما تتفاجأ في المطار من منع ابنتها من السفر ببلاغ من طليقها، ما يستدعى إلغاء رحلتها، وأحياناً تضطر لإعادة الطفلة لتبقى عند الأقارب أو الأصدقاء بينما تستكمل هي رحلتها.
ولفتت إلى أنها وكلت محامياً أكثر من مرة للسماح لها بالسفر مع ابنتها، والقضية تستمر أحياناً 8 أشهر بواقع جلسة كل شهر، ما أثر على واجباتها المهنية وحتى أداء ابنتها الأكاديمي، ناهيك عن تكاليف المحامي التي تصل أحياناً 20 ألف ريال وخسارة إلغاء الحجوزات.
وحتى عندما تحصل على موافقة بالسفر، فتكون مشروطة بسفرة واحدة.
وبينت أنها كانت تنهار بكاء في المطاروتتألم لتعثر سفرها، والعبث بمستقبلها، إضافة لخسارتها المالية بضياع حجوزات فنادق وتذاكر طيران دفعت مسبقاً.
واستطردت الطبيبة قائلة إن: "القرار يفيدنا فقط إذا مات طليقي، عندها تنتقل الولاية للأم تلقائياً، أما إذا بقي حياً فعلينا الانتظار خمسة أعوام حتى بلوغها 21 عاماً، وربما نموت قبل أن نتذوق حلاوة القرار".
وبينت أنها مستغربة، كيف أن طليقها الذي لا يلتزم بنفقات ابنته والمنقطع عنها يتمتع بحياته كيفما يشاء، بينما بيده قرار التحكم بها وبابنتهما فيمنعهما من السفر بمزاجه.
القرار بين مؤيد ومعارض
"عربي بوست" تواصل مع شرائح مجتمعية عدة لمعرفة آرائهم بالقرار.
سيدة سعودية تدعى ريم تساءلت لـ"عربي بوست": "هل تصل الوالد رسالة على هاتفه المحمول إذ سافرت دون علمه، مع أن معي تصريح مفتوح من الوالد بالسفر أينما أريد قبل القرار؟".
بينما تساءلت السيدة أم الكادي: "هل تحتاج المتزوجة موافقة زوجها على نظام "أبشر" دائماً؟ وما هو وضع الأرملة والمطلقة؟".
السماح للمرأة بالسفر لم يصد رعبثاً
بدورها قالت المحامية نجود العتيبي: "القرار لم يصدر عبثاً، إذ توجد نساء متضررات بسبب تجبر الرجل سواء أكان زوجاً أو عماً أو أخاً أو خالاً، والقرار الجديد منحها حق التصرف والحركة".
وقالت: "هناك فتيات يتبرأ منهن أهلهن بعد خطأ ارتكبنه ويوضعن في دور الرعاية طوال حياتهن، ولفتت إلى أن الشرع منح المرأة الحق أن تطلق نفسها شرط موافقة ولي الأمر أو القاضي فما البال بالسفر.
على الجانب الآخر من الحوار الذي هيمن على تغريدات السعودية توجد وجهة نظر أخرى تستغرب كل هذه الجلبة: "تراهم يسافرون وشايفين خير من قبل، ليش ما في موضوع إلا هذا مضخمينه؟ في مواضيع أهم".
وقالت السنابية منال الغلث: "والله أنا عندي جواز سفري من قبل القرار مصرح ومفتوح، وتلقيت عروض سفر مدفوعة التكاليف، بس والله ترددت لأني بدون أسرتي لا أرتاح بالسفر، وفي سيدات عادي تقبل، وأخريات متوفر لهن كل سبل السفر بس ما تفضل السفر بدون عائلتها".
التغييرات دائماً بحاجة إلى وقت
ويبدو أن تقبل المجتمع لهذا الحق يحتاج بعض الوقت، إذ أن الرياض تواجه منذ فترة طويلة انتقادات دولية بسبب وضع المرأة السعودية، والآن تواجه موجة اعتراض من الداخل لمنحه.
وتقول منظمات حقوقية إن المرأة تُعامل كمواطنة من الدرجة الثانية بموجب قوانين تلزمها بالحصول على موافقة ولي الأمر في قرارات مهمة تتعلق بها طوال حياتها ومهما بلغ عمرها.
لكن السلطات السعودية، خصوصاً بعد تولي بن سلمان مسؤولية القرارات السيادية، قلصت تدريجياً هذه القيود خلال السنوات القليلة الماضية، وكان من بين الإجراءات إلغاء الحظر على قيادة المرأة للسيارات العام 2018.
انتصار طال انتظاره
ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التعديلات الأخيرة بأنها انتصار طال انتظاره وحثت السلطات على ضمان عدم استخدام الأولياء لقرارات قضائية لتهميش تلك التعديلات.
بدورها قالت الباحثة السعودية إيمان حسين إن الدولة مترددة في تفكيك أجزاء بعينها من نظام ولاية الرجل لتجنب معارضة المحافظين في البلاد الذين يعتمدون عليها لفرض النظام داخل أسرهم.
وكتبت على موقع معهد دول الخليج العربية في واشنطن: "الخطوات التي اتخذت حتى الآن هي علامات مهمة على طريق التقدم في مجال حقوق المرأة في البلاد".
وتابعت قائلة "تظهر كل تلك القوانين جهود القيادة السعودية لتحقيق التوازن بين انفتاح البلاد والحفاظ على بعض القيم التقليدية من خلال التفرقة بين العادات والشريعة وحقوق الجنسين".