مساء يوم سبتٍ قريبٍ اجتمع العشرات في الجمعية، وهي مساحة عملٍ مشتركةٍ تركز على الصحة تقع خارج بارك أفنيو.
اكتظت الغرفة المزينة بالكثير من السرخسيات بأُناسٍ دفع كل واحدٍ منهم نحو 350 دولاراً ليتعلم كيف يتنفس.
كان أغلب الرجال يرتدون قمصاناً بياقاتٍ على شكل V وأغلب النساء يرتدين سراويل واسعةً، كان المشهد جديراً بمسلسل Big Little Lies أو Midsommar.
كان عازف الكمان الإلكتروني ساج رادر هو مُضيف الحدث المُسمى "40 عاماً في 4 ساعاتٍ، فصلٌ في تمارين التنفس مع دان برولي".
ومن الساعة الواحدة وبضع دقائق إلى ما بعد الخامسة مساءً استمع الضيوف إلى برولي الذي يعمل خبيراً في تمارين التنفس منذ عام 1970.
أطل وشمٌ بخطٍ قوطيٍ من تحت قميص رادر وهو يعتلي المسرح (ويأخذ نفساً عميقاً) قبل أن يقول: "لقد أنقذ التنفس حياتي".
ألا ينطبق ذلك على جميعنا؟ وفقاً لوكالة حماية البيئة الأمريكية فإن الشخص العادي يتنفس بين 17 ألفاً و20 ألف نفسٍ كل يومٍ دون أن يحتاج للتفكير في الأمر.
تماماً كما ينبض القلب وحده، فإن استنشاق الهواء هو أحد الأنشطة التي لا يحتاج البشر إلى تبديد وعيهم عليها.
مع ذلك يظل الاهتمام بالتنفس باعتباره مفتاحاً لتحسين الصحة يتزايد، وفق ما نشر موقع the daily beast في تقرير خاص.
جلسات التنفس الصحيح تنتشر بين المرضى
هذا الشهر فقط نشرت مجلتا Vogue البريطانية وNew York magazine مراجعاتٍ بارزةً عن الموضوع، تزعم أن جلسات التنفس مع معلمٍ قادرةٌ على شفاء كل شيءٍ من التوتر إلى حب الشباب.
التنفس كذلك هو قلب السافاسانا أو "وضعية الجثة" في اليوغا، والتي يُفترض أن تكون أكثر جزءٍ باعثٍ على الاسترخاء في الفصل، إلا إذا أخذت في اعتبارك أن اسمها جاء من أن وضعية جسدك تحاكي وضعية الجثة.
اليوغا موجودةٌ منذ 5000 عامٍ، لذا، فإن تمارين التنفس، كغيرها من العلاجات البديلة، ليست تقليعةً جديدةً.
لكنها تكسب جاذبيةً، ليس فقط وسط الشريحة الرمزية المتوترة من بين أبناء الألفية.
يحضر مرضى سرطان الأطفال بمستشفى باربارا بوش في بورتلاند بولاية مين الأمريكية جلسات تنفسٍ كل يوم جمعةٍ بجانب الرعاية الطبية التي يتلقونها.
ويُقدم مشروع اليوغا غير الربحي للمحاربين القدامى حصصاً مجانيةً للعسكريين وأسرهم في محاولةٍ لمجابهة أعراض اضطرابات ما بعد الصدمات.
وفي مدينة ماديسون بولاية ويسكنسون اشترى 3000 فردٍ بطاقات دخول إلى "تدريبٍ يغير الحياة" يضم حصصاً متنوعةً بين "التنفس من أجل الامتنان" و"التنفس من أجل العدالة الاجتماعية".
بعض المشاركين في ورشة برولي قالوا بيقينٍ كبيرٍ، إن تلك الفصول ساهمت في شفاء أورامهم السرطانية أو خلصتهم من اكتئابٍ مزمنٍ.
الدورات المنتظمة من التنفس البطني تقلل التوتر
وأثناء الجلسة المجمعة أطلق برولي بنفسه مزاعم مشابهةً، مثل "هذه الساعة ستغنيك عن سنةٍ من العلاج النفسي"، والأكثر إثارةً للريبة "لا أمراض يمكنها النجاة في مثل هذه البيئة".
بالطبع لا توجد أدلةٌ علميةٌ على أن التنفس الجيد يُحدث فوائد صحيةً مستمرةً، وإلا لعاش مدربو اللياقة البدنية للأبد دون أحزانٍ قط.
لكن وكما تقول دراسةٌ أُجريت عام 2017، فإن الدورات المنتظمة من التنفس البطني العميق يُمكنها خفض مستويات الكورتيزول في البالغين الأصحاء، وهو ما يقلل من التوتر.
تقول د. تانيا إليوت، مدربة الطب السريري بمستشفى Langone Health التابع لجامعة نيويورك: "أظهر التنفس العميق قدرته على المساعدة في مواجهة القلق بتحفيز العصب الحائر، والمعروف بتنشيطه الجهاز العصبي نظير السمبثاوي، أو بعبارةٍ أخرى الأعصاب التي تجعلنا نسترخي".
ووفقاً لكلامها، فإن التنفس العميق "أظهر قدرته على تحسين سعة الرئة في حالات الربو. كما أن آلام الظهر المزمنة عادةً ما ترتبط بالقلق أو الاكتئاب، لذا فإن ضبط الحالة الذهنية المسببة لآلام الظهر بالتنفس التأملي العميق يمكن أن يكون مفيداً كذلك".
لكنه ليس شفاءً لكل الأمراض. توضح د. تانيا أن "تمارين التنفس يمكن أن تكون عاملاً مساعداً، لكن لا يمكن أبداً أن تحل محل العلاج الدوائي لتلك الحالات".
الأكسجين الذي نستنشقه كان داخل "كل قائدٍ عظيمٍ"
بعد أن قدم ساج رادر "شقيقه في التنفس" اعتلى دان برولي البالغ من العمر 68 عاماً المسرح.
بدا برولي بشعره المجعد القصير وأنفه الكلاسيكي أشبه بتمثالٍ كلاسيكيٍ يرتدي قميص بولو أسود وبنطالاً رياضياً، كأي أبٍ نمطيٍ.
تحدث برولي كما لو كان يرى نفسه نجم روك، قائلاً: "أستيقظ في موسكو، وأنام في نيويورك"، وفي منتصف الجملة توقف وأغلق عينيه، وأخذ نفساً عميقاً.
وخلال مقدمته أشار برولي إلى كيفية أن الهواء يعاد استخدامه، وأن الأكسجين الذي نستنشقه كان داخل "كل قائدٍ عظيمٍ" عبر التاريخ.
يعني ذلك بالتبعية أننا نتشارك تلك الجزيئات مع كل قائدٍ فاسدٍ، وكل مستبدٍ، وكل نازيٍ جديدٍ، لكن برولي لم يقل ذلك.
وقال برولي خلال الساعات الأربع التي تلت ذلك إننا سنتعلم "إتقان مهارة الزفير".
التمرين الأول: الزفير التلقائي
كان التمرين أن يستنشق الحاضرون الهواء بعمقٍ وببطءٍ، وعلى مهلٍ، لكن دون تريث في زفيره، فقط يتم طرده خارج الأجساد كما لو كان الجميع نساءً في حصة تمارين ولادةٍ.
وقال: "لو كنا نتألم، فقد خرجنا من الألم الآن". هذا هو الزفير التلقائي.
التمرين الثاني: الزفير المضاعف
ثم طلب من الجميع أن يتخيلوا زفيرهم ينخفض إلى أن يتلاشى، كما لو أنك تغلق وراءك باباً سرياً.
لكن د.ناتالي تنصح، بعكس تعليمات برولي، أن يستغرق زفيرنا "ضعف ما يستغرقه شهيقنا تقريباً".
كانت الغرفة مليئةً بالأشخاص الذين ينصتون بإصغاءٍ ويُسجلون الملاحظات، كما هو جديرٌ بأي شخصٍ يُلقي محاضرةً.
لكن في كل مرةٍ يعم فيها الهدوء الغرفة كان برولي يُراجع الحاضرين لعدم تنفسهم بالقوة الكافية.
ثم تبدأ جوقةٌ من التنهيدات، وتتحول الغرفة إلى ما يشبه مشهد الحفلة في فيلم Eyes Wide Shut.
التمرين الثالث: التنفس المثلثي
رسم برولي على سبورةٍ بيضاء نماذج لما أسماه "التنفس المثلثي" والذي هو شهيقٌ وزفيرٌ وحبس أنفاسٍ، وهكذا دواليك.
وأسمى تلك الدورة "الرحلة السحرية الصوفية التي تقطعها في أرجاء الكون 20 ألف مرةً يومياً". وحثنا على عدم الاستعجال في أي خطوةٍ.
التمرينالرابع: صندوق التنفس
بعد ذلك انتقل الحاضرون إلى "صندوق التنفس" الأكثر تقدماً: الشهيق، كتم الأنفاس، الزفير، كتم الأنفاس.
قال برولي "إننا نجمع الطاقة بالاسترخاء"، ما أدى إلى "تحكمٍ" كاملٍ في الأجساد.
وبحساباته فقد علم تلك التقنية لنحو 150 ألف شخصٍ في 65 بلداً.
خلال الساعة الأخيرة من الحصة تقريباً، رقد الجميع على وسائد، وتنفس كلٌ على إيقاعه الشخصي، فيما كان برولي يغني أغاني تأملٍ، تضمنت جملاً خبريةً مثل: "أنا متحدٌ مع القوة العليا".
ومهما فعلت ستتنفس هواءً ملوثاً
وحث كلاً من الحاضرين على "الولوج إلى القوة عبر التنفس"، مُضيفاً "أننا كنا نحتاج إلى أن نرتاح مع القوة، وإلا سحقتنا".
وعما إذا كان التنفس العميق فكرةً جيدةً بالنظر إلى تحذير منظمة الصحة العالمية من أن 91% من سكان العالم يتنفسون هواءً ملوثاً.
كانت إجابة ميلر: "في الحقيقة أنت تحصل على الهواء الملوث سواءٌ تنفست عميقاً أم بسرعةٍ، لكن ربما لأن الناس يتنفسون أكثر، أو أعمق، فستجد من يبيع فلاتر الهواء. لعل هذه صناعةً ستصير رائجةً قريباً".
وتقول د. تانيا إيليوت إنها "لا تنصح" بممارسة تمارين التنفس في الهواء الطلق، بسبب تلوث الهواء.
وأضافت: "أحياناً أنصح مرضاي بممارسة تمارين التنفس في كهفٍ ملحيٍ؛ حتى ينتفعوا من فوائده المقاومة لالتهابات الجهاز التنفسي".