عندما نختبر تداعيات التعرّض للرفض أو الطلاق أو خسارة شخصٍ ما، نحتاج إلى بعض الوقت للشعور بالحزن وما من جدولٍ زمني مناسب للجميع بهدف التعافي من الطلاق.
يصبح رفض الشخص الآخر لنا أكثر صعوبةً عندما تكون تفاصيل حياتنا اليومية مرتبطة بوجود الشخص الآخر بها، وعندما نكون معتمدين على هذا الشخص لمنحنا الدعم المالي، والعاطفي، والعملي، وعندما نشعر بأن ثقتنا -بما في ذلك الثقة بقدرتنا على الحكم الصائب- قد انتهكت.
تروي هارييت ليرنر، الحاصلة على الدكتوراه ومؤلفة العديد من المقالات العلمية حول سيكولوجية المرأة والعلاقات الأسرية لموقع Psychology Today قصة طلاق سيدة تدعى ماري مع الغضب الذي تلى طلاقها.
قصة ماري يسهل فهمها والشعور بها حتى وإن كانت تفاصيلها لا تشبه تجربتك.
خلال زيجتها التي امتدت طوال 20 عاماً، تمتعت ماري بما كانت تعتقد أنه علاقةٌ "خاليةٌ من المشكلات" مع زوجها حتى تركها من أجل زميلةٍ له في العمل كان على علاقة بها طوال عقدٍ كامل.
الطلاق يؤدي لمشاعر سلبية مختلطة
كانت تداعيات الرفض هائلةً، إذ فقدت ماري ما هو أكثر من علاقتها المهمة بزوجها.
لقد فقدت هويتها واعتدادها بنفسها، فضلاً عن فقدانها الشعور بالماضي، والاتساق، والمعنى في حياتها.
دفع إعلان جيف بأنه لديه حبيبة أخرى منذ عشر سنوات ماري إلى مراجعة فهمها للماضي وتصورها للمستقبل.
كانت الخسارة التي تعرضت لها ماري أشبه بزلزالٍ حدث دون أي تحذيرٍ، إذ لم تتناقش وجيف في أي مشكلات تتعلق بزواجهما من قبل.
ومن المفهوم أن الخسارة المفاجأة هي أكثر تدميراً وإرباكاً للشخص من الخسارة التي يمكن رؤيتها عن بعد ونحاول فهمها والتخطيط لها قبل حدوثها.
ولا عجب أن ماري وجدت نفسها مسحوقة بموجة من مشاعر الغضب، والذل، والخزي، وقلة الحيلة، والاكتئاب.
التسامح مع المشاعر المؤلمة بداية طريق العلاج
كان إدراك ماري لهذه المشاعر المؤلمة والتسامح مع وجودها كجزءٍ من التجربة التي تمر بها، مؤشراً على قوتها. كانت أيضاً متجمدة من الخوف.
قالت ماري إن أكبر مخاوفها -أنها قد لا تثق في أي شخصٍ مجدداً أو أنها قد لا ترغب من النهوض من فراشها لمواصلة حياتها.
بدأت ماري تتعافى تدريجياً. وكان المضي قدماً يستوجب حشد شجاعتها في مواجهة القلق.
وأخيراً، تعاملت مع أكثر مهمةً مخيفةً وصعبة على الإطلاق -وهي تحرير نفسها من مشاعر الغضب القوية تجاه زوجها السابق.
اعترفت قائلةً: "لست أدري إن كنت قادرة على فعل هذا. لما ينبغي أن أسامحه وهو شخصٌ بهذه الوضاعة".
لهذه الأسباب يتمسك البعض بمشاعر الغضب
وحتى بعد مرور سنوات على تجربة الرفض المدمرة، ربما نقاوم المضي قدماً لأننا لسنا مستعدين بعد للانفصال شعورياً عن المعاناة التي اختبرناها.
ليس القصد أننا نجد متعةً مازوخية ما في الشعور بالمعاناة والعذاب النفسي باعتبارنا الشريك المُدَّمَر. لكن ربما نتعلم أن ندثر أنفسنا بالألم والمعاناة كغطاءٍ قديم مألوف.
قد تكون هذه طريقتنا للانتقام كي نُظهر للشخص الآخر إلى أي مدى ألحق بنا الأذى بسلوكه المشين.
وربما نشعر أن مضينا قدماً يعني أننا نغفر للمعتدي فعلته وكأننا نقول: "حسناً، أنا بخيرٍ الآن، لذا أعتقد أن سلوكك لم يؤذيني كثيراً".
ثم، هناك تصور خيالي بأننا إذا تمسكنا بغضبنا ومعاناتنا المبررة لوقتٍ كافٍ، سيبصر الشخص الآخر الحقيقة، وسيدرك إلى أي مدى ألحق بنا الأذى، وسيخالجه شعورٌ سيئ ربما أسوأ مما شعرنا به بسببه.
إنه تصورٌ خيالي قوي ومريح. لكنه مجرد خيال.
تقلصاتالمعدةتعكسالغضب
ربما يخشى البعض منا التخلي عن غضبه لأنه يربطنا، بطريقةٍ غريبة، بالشخص الآخر الذي ألحق بنا الضرر.
فالغضب نوعٌ من التعلق الشديد (لكنه تعلق سلبي) مثل الحب. فحدة المشاعر في كلا نوعي التعلق السالف ذكرهما يجعلوننا قريبين من الشخص الآخر، لهذا السبب قد يتطلق زوجان رسمياً دون أن يتطلقا شعورياً.
إذا كنت غير قادر على الحديث عبر الهاتف مع الشخص الآخر أو البقاء مع زوجك السابق في نفس الغرفة دون الشعور بتقلصات في المعدة، فأنت لا تزال متعلقاً شعورياً بهذا الشخص.
يمكن أن يثير الانفصال الشعوري عن الشخص الآخر الكثير من مشاعر القلق -وهو يحتاج إلى شجاعةٍ هائلة لتحقيقه.
عندما نتخلى عن غضبنا ومعاناتنا، فنحن نتخلى عن حلمنا أن يشعر الشخص الآخر الذي أذانا بالندم، وأن يرى الأمور مثلما نراها، وأن يعود إلينا جاثياً على ركبتيه، راجياً من أجل فرصةٍ أخرى.
لكنه يتضاءل مع الوقت لتبدأ مرحلة جديدة
قضت ماري وقتاً طويلاً قبل أن تتخلى عن أملها السري بأنها إذا ظلت غاضبة لوقتٍ طويل كافٍ، سيعود جيف إليها جاثياً على ركبتيه، بائساً، ومتوسلاً كي تسامحه.
عندما واجهت ماري حقيقة خسارتها لهذا الحلم، باغتتها موجة من المشاعر الحادة، بدءاً من القلق الذي يجفل القلب، إلى الحزن العميق والوحدة وأخيراً إلى شعورٍ وليد بالطاقة وأنها على قيد الحياة.
تدريجياً، بدأت ماري تدرك أنها عندما تفكر في جيف، لم تعد تشعر بنوبات غضب مفاجأة خارجة عن سيطرتها.
بدلاً من هذا، باتت تشعر بنوعٍ من الحزن الهادئ، وفي بعض الأيام كانت تشعر براحةٍ جليةٍ.
والغفران ليس شرط التعافي من الطلاق
ليس القصد في هذه الحالة أننا نتعلق بغضبنا لأننا نريد بشكلٍ واعٍ أن نُظهر للشخص الآخر كيف أنه دمر حياتنا تماماً، ولا أن هذه المشاعر خاضعة لسيطرتنا تماماً، ولا حتى أن الغضب أمرٌ "سيئ"، إذ إن الاعتراف بالغضب والتعبير عنه يتطلب شجاعة كبيرة.
لكن تحرير نفسك من الآثار المدمرة للعيش مع غضبٍ يستحوذ عليك لمدةٍ طويلة يتطلب قدراً مماثلاً من الشجاعة، وهو تحدٍّ قد يشمل الغفران لكنه لا يستوجبه بالتأكيد.
من الجلي أنك لن تستفيد من اجترار الأشياء السيئة التي فعلها شريكك السابق بك وتحويل نفسك إلى شخصٍ تعيس، بينما يقضي هو يوماً رائعاً على الشاطئ.