عالم آخر يوجد تحت البحر، وهذا ما يستمتع به هواة ومحترفو رياضة الغوص. مناظر طبيعية خلابة وشعاب مرجانية ملونة، وكأنها حياة على كوكب آخر.
لكن هذه المتعة والحياة المدهشة بالأسفل، لا تمنع ما قد يواجه الغواصين من أخطار، ليس فقط أسماك القرش، وقناديل البحر، ولكن مخاطر تتعلق بتحدي الإنسان المياه نفسها.
لنتعرف أولاً على أسطوانات الغاز
يستخدم معظم الغواصين أسطوانات الغوص المملوءة بالهواء المضغوط البسيط (المرشح والمزال رطوبته) ويعد آمناً ومعيارياً ضمن حدود الغوص الترفيهية.
عند تجاوز حدود العمق والوقت المسموحة، فيتطلب الأمر للتنفس استخدام أسطوانة من عدة غازات مخلوطة، إما نيتروكس أو تريمكس أو هليوكس.
أسطوانة النيتروكس تحتوي على 22% إلى 40% من الأكسجين، والباقي من النيتروجين. والغوص باستخدام هذه الأسطوانات يتطلب تدريباً خاصاً على السلامة.
أما أسطوانة التريمكس فهي مزيج من الغازات الثلاثة الأكسجين والنيتروجين والهيليوم، ويستخدم عادة للغوص التقني وليس الترفيهي.
وأسطوانة الهليوكس تحتوي على مزيج من غازي الأكسجين والهيليوم، وتستخدم تلك الأسطوانات للغوص العميق جداً الذي يستغرق مدة طويلة، ولا يستخدمه الغواصون الهواة.
والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن: لماذا تحتوي الأسطوانات على غازات أخرى مع الأكسجين؟
والسبب يتضح ببساطة في كون غاز الأكسجين النقي يصبح ساماً في الأعماق عند التعرض الطويل له، فحتى على عمق عدة أمتار قليلة قد يتسبب في القتل.
الأكسجين أيضاً شديد التفاعل، ويمكن أن يجعل المواد الأخرى قابلة للاشتعال. وقد يستخدم الغواصون الفنيون الأكسجين النقي في غطس الضغط المحسوب بعناية، ولكن لا ينبغي للهواة تجربته فهو يتطلب الكثير من التدريب على السلامة.
الأخطار الطبية التي تواجه الغواصين
تخدير النيتروجين
يطلق عليه أيضاً سُكر الأعماق أو نشوة العمق أو تأثير الغاز الخامل.
وكما وصفه الغواصون، فهي حالة تشبه السُكر، وتبدأ الأعراض بفقدان التحكم، يليه فقدان ذاكرة على المدى القصير، وصعوبة في التركيز، وشعور بالنشوة، والارتباك، وانخفاض وظيفة العصب والعضلات ثم الهلوسة.
تبدأ هذه الأعراض على عمق حوالي 100 قدم، وتكون أكثر خطورة عند 300 قدم، وتنشأ بسبب زيادة الضغط على الغازات الموجودة في الأسطوانة. عندما يستنشق الغواص تلك الغازات المضغوطة وتحت ضغط كبير من الماء، فإنه يزيد من ضغط الأكسجين والنيتروجين في الدم.
هذا الضغط المتزايد يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، ولكن لا أحد متأكد من الآليات المحددة التي تسبب ذلك.
تختفي الأعراض في غضون دقائق معدودة عند عودة الغواص على السطح، ولكن إن استمر الغواص على نفس العمق أو زاده، فسوف تسوء الأمور وتظهر أعراض أخرى أكثر خطورة.
بعض الغواصين الذين يصابون بتخدير النيتروجين يصبحون مشوشين للغاية بحيث لا يصعدون إلى المياه الضحلة، ويمكن للغواص في هذه الحالة أن يصاب بغيبوبة بينما لا يزال على عمق كبير تحت الماء.
كذلك، قد يؤدي صعود الغواص إلى الأعلى سريعاً إلى الإصابة بمرض تخفيف الضغط، ويحدث عندما ينخفض الضغط الجوي المحيط بالجسم بسرعة كبيرة.
مرض تخفيف الضغط
يشير مرض تخفيف الضغط إلى الإصابات الناجمة عن انخفاض سريع في الضغط المحيط بالإنسان سواء بالهواء أو الماء، ولأنه يحدث بشكل شائع لدى الغواصين أطلق عليه مرض الغواصين.
عندما يستخدم الغواص الهواء المضغوط، فإنه يستنشق الأكسجين والنيتروجين، ويذوب الأخير في الدم، ويبقى أثناء الغوص.
عندما يسبح الغواص باتجاه السطح بعض الغوص على عمق، فينخفض ضغط الماء المحيط به.
إذا حدث هذا بسرعة، فلن يكون أمام النيتروجين وقت لتنظيم خروجه من الجسم، وبدلاً من ذلك، يفصل الدم ويتسبب في تكوين فقاعات في الدم والأنسجة.
تتسبب فقاعات النيتروجين هذه في حدوث مرض تخفيف الضغط، وقد تتلف الأوعية الدموية، ويتعرقل التدفق الطبيعي للدم.
ويصاحب هذا بعض الأعراض منها، ألم المفاصل، والدوخة، والتعب، والوخز أو الخدر، وربما طفح جلدي، وقد تستمر الأعراض لعدة أيام أو أسابيع.
ولتقليل خطر الإصابة بمرض تخفيف الضغط، عليك بالغوص والارتفاع من الماء ببطء، ولا يحبذ الطيران بعد الغوص بحوالي 24 ساعة، وتجنب أحواض الاستحمام الساخنة بعد الغوص.
الرضح الجوي
أو بوترومة الأذن، وهي حالة تسبب إزعاج الأذن نتيجة تغير الضغط.
يوجد في كل أذن أنبوب يربط منتصف أذنك بحلقك وأنفك، كما أنه يساعد على تنظيم ضغط الأذن، ويسمى هذا الأنبوب قناة إستاكيوس. عندما يتم انسداد القناة، يحدث الرضح الجوي.
قد تشمل الأعراض الأولية دوخة، وانزعاجاً في الأذن، وضعفاً أو صعوبة السمع.
عادةً ما تتلاشى الأعراض من تلقاء نفسها، لكن قد يحتاج بعض الأشخاص إلى التحدث إلى الطبيب، وفي الحالات الشديدة للغاية، يجب إجراء عملية جراحية تصحيحية.
الأكثر شيوعاً أن تحدث هذه الحالة في الطائرات أثناء الارتفاع أو الهبوط، ولكنها تحدث ايضاً عند الغوص.
فالغوص يعني أن أذنيك تقعان تحت ضغط أكبر من الضغط الموجود على الأرض. من الضروري الغوص ببطء لمنع التغيرات السريعة في الضغط التي تؤدي إلى إصابة الأذن.
غالبًا ما يكون أول 14 قدماً من الغوص أكبر خطر لإصابة الأذن بالغواصين، وعادة ما تتطور الأعراض فوراً أو بعد وقت قصير من الغوص.
سُمية الأكسجين
تحدث على أعماق كبيرة، حينما يمتص الجسم المزيد من الأكسجين تحت ضغط مرتفع.
فسمية الأكسجين تحدث للغواصين الذين يحملون أسطوانات النيتروكس أو الأكسجين المضغوط فقط.
هناك نوعان رئيسيان من سمية الأكسجين، وهما سمية الأكسجين في الجهاز العصبي المركزي، وسمية الأكسجين الرئوي.
تنتج سمية الأكسجين في الجهاز العصبي المركزي عن التعرض لضغوط جزئية من الأكسجين أكبر من 1.6 ATA. يمكن أن يؤدي إلى التشنجات، وانسداد رئوي، وربما الموت.
سبب تسمم الأكسجين الرئوي هو التعرض لضغوط جزئية مرتفعة من الأكسجين لفترات طويلة من الزمن وهو في المقام الأول مصدر قلق للغواصين التقنيين الذين يخففون الضغط عن الأكسجين.
تسبب سمية الأكسجين الرئوي إحساساً حارقاً في القصبة الهوائية، والسعال، وضيق التنفس، وفشل الرئة في النهاية.
الانسداد الرئوي
يحدث الانسداد الرئوي عندما يحدث عائق في الأوعية الدموية بخاصة بالجهاز التنفسي سواء هواء أو جلطة دموية.
وفي حالة الغوص، يكون الانسداد ناجماً عن فقاعات الهواء، فإذا صعد الغواص لسطح الماء سريعاً، مع حبس أنفاسه، فإن هذا يوسع الهواء المحبوس في الرئتين، وقد يتبع هذا تمزق أنسجة الرئة، مما يتسبب في إطلاق فقاعات غاز في الشرايين.
إذا كانت فقاعة الغاز تسد شرياناً صغيراً، فيمكنها قطع إمدادات الدم عن منطقة معينة من الجسم.
وتعتمد خطورة الانسداد على أي جزء من الجسم يتأثر، وحجم فقاعة الغاز وكمية الغازات الخاملة داخل أنسجة الغواص.
تشمل الأعراض ألماً في الصدر وضيقاً في التنفس، وورماً في الساق، وانخفاض ضغط الدم، وعدم انتظام النبض، وحكة شديدة، وفقدان الوعي، وربما انتفاخ أوردة الرقبة.