مَن يقرأ ما كُتب عن نجاح مطعم كابريتشيو الإيطالي الواقع في منطقة غرونهفالد في برلين، وكيف بات منذ عقود ملتقى لقادة سياسيين ومشاهير الرياضة والفن، لن يتوقع أن يكون صاحبه رجلاً عراقي الأصل، وصل ألمانيا طالباً للعلم في الستينيات، قبل أن يستهويه الطبخ ويفتتح المطعم في العام 1980، ليستطيع عبره لقاء، وحتى عقد صداقة، مع واحد من أهم الساسة في تاريخ البلاد.
في حديث مع شبكة دويتشه فيله، في شهر مايو/أيار الماضي، قلّب العراقي قحطان داوود خياط ألبوم ذكرياته.
تحدَّث عن نجاح مطعم كابريتشيو المبهر، الذي تزين جدرانه صور عدد كبير من المشاهير الذين تناولوا طعامهم فيه، كشأن لاعب ومدرب المنتخب الألماني السابق يورغن كلينسمان، والقيصر فرانتز بيكنباور، والمستشار السابق غيرهارد شرودر، ووزير الخارجية السابق (الرئيس الحالي) فرانك فالتر-شتاينماير، والرئيس السابق كرستيان فولف.
الجودة والكتمان وامرأة مزاجية سر نجاح المطعم
واعتبر قحطان أن من بين أسباب نجاحه إلى جانب جودة الخدمة والطعام، الكتمان، أي عدم تسريب خبر حضور أي سياسي لمطعمه للصحافة، الأمر الذي يتم تقديره كثيراً من قبل الساسة والقادة، على حد تقديره.
ولم يفتتح الرجل العراقي مطعمه وقال عنه إنه إيطالي فحسب، بل ذهب إلى إيطاليا ودرس لغتها، وتعلَّم كيفية صناعة النبيذ والمواد الغذائية.
وأرجع قحطان تسمية مطعمه بكابريتشيو، إلى مشاهدته مطعماً بذات الاسم في الولايات المتحدة، التي كان يزورها حينها مع زوجته وبنتيه، لافتاً إلى أنه لم يكن يعلم معنى الكلمة في البداية، قبل أن يتضح أنها تعنى امرأة مزاجية.
وأقرَّ قحطان بأن الإيطاليين هم أصحاب الحق في الأكل الإيطالي فعلاً، لكن عراقياً جاء وأخذ أفضل اسم وقدَّم أفضل طعام، فقبلوا بذلك بعد مرور 40 عاماً.
وأشار إلى أن رئيس وزراء إيطاليا السابق رومان برودي ورئيساً إيطاليّاً تناولا الطعام عنده، ما اعتبره شهادة على جودة طعامه.
مطعم كابريتشيو الإيطالي خيار المستشار الألماني كول المفضل
واستضاف كابريتشيو الرئيسَ الأمريكي السابق جورج بوش الأب، والروسي ميخائيل غورباتشوف، والمستشار هيلموت كول الطعام، بمناسبة مرور 20 عاماً على سقوط جدار برلين.
وكانت صحيفة "بي تزت" البرلينية ذكرت في مقال عن المستشار كول بمناسبة وفاته في العام 2017، أن كابريتشيو كان المطعم الإيطالي المفضل لدى كول.
ويعرض المطعم أيضاً صورة للقاء عابر بين المستشارين شرودر وكول.
وتحدَّث قحطان (77 عاماً) عن الصداقة الذي جمعته بهيلموت كول، وأحاديثهما الطويلة عن أحداث تاريخية.
وأشار إلى أنه دُعي لحفل عيد ميلاده 5 مرات، عندما بلغ المستشار الراحل الـ (06، 65، 70، 75، 80) من العمر.
وقال إن أحد الحاضرين لعيد ميلاد كول الثمانين، الذي حضرته المستشارة أنجيلا ميركل ومستشار النمسا، سأله عن الصفة التي يحضر بها الحفل، فردَّ مازحاً أنه يصنع بيتزا جيدة جداً، لذلك قام بدعوته، فلم يصدق السائل ذلك، ولم تصله النكتة.
وتحدَّث عن وجود "بيتزا المستشار" لديهم، وهي بيتزا صُنعت بناء على طلبات معينة لكول حينها، وما زالت متوفرة لديهم حتى الآن رغم وفاة كول.
وبين أن كول كان يزوره 3 مرات في الأسبوع، عندما تمّت مقاطعته بشدة، بسبب فضيحة تلقّي التبرعات، التي رفض الكشف عن مانحيها، الأمر الذي كان يقدره للغاية، نظراً لأنه لم يكن يعاني من ملاحقة الصحفيين عنده.
وعمّا إذا كان يتحدث مع الساسة عن وطنه العراق، قال إنه فعل مرة واحدة وحسب، عندما أراد بعد دخول الجيش الأمريكي العراق بـ8 أشهر، السفر إلى هناك.
فأخبر المستشار الراحل هيلموت كول بذلك، وسجل كول ذلك في دفتر ملاحظاته، وقال إنه سيخبره بالأمر في زيارته التالية، ثم طلب منه بعد ذلك عدم الذهاب إلى العراق في تلك الفترة، لسوء الأوضاع العسكرية والسياسية.
ويعتبر قحطان نفسه عراقياً، رغم أنه لم يعد لبلاده منذ خروجه منها في العام 1962، معتبراً أن ما يربطه كثيراً بالعراق هو الطبخ العراقي والأغاني وتشجيع منتخبه، مبدياً عدم رغبته في التحدث في السياسة، متوقعاً أن يعود لزيارة العراق يوماً ما.
ما الفارق بين زيارة القادة العرب والغربيين للمطعم؟
وبيّن قحطان أنه ليست هناك ترتيبات أمنية خاصة عندما يحضر القادة والمسؤولون الألمان للمطعم، فلا يُطلب من أحد المغادرة مثلاً، مذكراً بأنّه عند قدوم جورج بوش الأب، تمّت الاستعانة بالكلاب لتفحص المكان.
وأكد أنه يرحب بالجميع على طريقته، ويتعامل بأريحية مع زواره، لكن مع تعامله مع شخصيات عامة كهذه، يعرف حدوده أيضاً.
يعمل على مراعاة عدم جلوس شخصين معروفين لا يطيقان بعضهما البعض قرب بعضهما.
وقال إن من بين المسؤولين العرب الذين زاروا مطعمه معروف البخيت، رئيس وزراء الأردن السابق، والشيخ حمدان آل نهيان، اللذين كانا بسيطين في تعاملهما، وأصرّا على جلوسه معهما، كل على حدة، بالإضافة لوزراء من العراق وليبيا.
أما عن الفارق بين حضور الزعيم العربي والأوروبي للمطعم، فقال إن زيارة الزعيم العربي، دون أن يذكر أسماء، تكون معقَّدة، فيأتي مع "جوقة موسيقية وعسكرية".
يسبق وصوله موظف يطلب الطعام الذي سيأكُله، ويجلب المياه المعدنية الخاصة به معه، ويقف بعض مرافقيه أمام المطعم، والبعض الآخر يجلس داخل المطعم.
ما هو طبق ميركل المفضل؟
قال قحطان إن ميركل زارت مطعمه 200 إلى 300 مرة، أحياناً مع زوجها.
وأضاف أن ميركل، وسابقاً كول، كانا يأتيان بعد حجز موعد، ويكونان في المطعم قبل موعدِهما بدقائق، مشبهاً التزامهما بعمل الساعة، مستدركاً أنهما كانا يأتيان أحياناً دون موعد.
وتحدَّث قحطان عن حضور ميركل لمطعمه من دون موعد مرتين أو ثلاث مرات، كشأن إحدى المرات التي جاءت فيها فجأة في يوم كان يشاهد مباراة هامة بالنسبة له في الدوري الألماني، بين ناديي هيرثا برلين (الذي هو عضو فيه) وشتوتغارت، وجلست في المكان الذي يوجد فيه التلفزيون.
وعندما بدا مضطرباً لعدم قدرته على مشاهدة المباراة على التلفزيون، سأله رئيس فريق أمن المستشارة عمّا ألمَّ به، فأخبره بالأمر، فطلب منه الموظف أن يلحق به، فذهبا وحضر شوطاً من المباراة على شاشة ضخمة موجودة في سيارة أودي كبيرة تعود للمستشارة، وهما يجلسان على المقاعد الخلفية.
وقال قحطان إن طبق المستشارة المحبب هو المعكرونة مع صلصة البولونيز، وهي أكلة شعبية يتناولها العامة عادة.