طفل يجلس في غرفته، يحاول تجميع تركيزه بالكامل وكتم أنفاسه لكنه يبدو حزيناً أثناء قيامه بواجبه في الرياضيات، بينما طفل آخر يغني ويُظهر السعادة أثناء قيامه بنفس المهمة، في خلال ساعة واحدة كان الاثنان قد انتهيا من أداء واجباتهما الدراسية، وذهب الطفل الأول للعب الكرة بالخارج، بينما بقي الثاني لقراءة كتاب في غرفته.
لقد كان الطفلان يفعلان نفس الشيء وهو "أداء واجب الرياضيات" لكن كلاً منهما كان بحالة نفسية وذهنية مختلفة عن الآخر، وهذا يعود إلى كون الأسباب والدوافع التي تُحركهما مختلفة من الأساس، فما هو "الدافع" إذاً؟ وما هي الطرق المختلفة التي يمكنِك بها تحفيز الأطفال على القيام بشيء ما أو عدم القيام به؟ هذا ما سنتعرف عليه هنا.
دافع تحفيز الأطفال: خارجي أم جوهري؟
دعنا نعُد إلى حالة الطفلين السابقين، الطفل الثاني الذي كان سعيداً أثناء أداء واجباته في الرياضيات، أخبرته والدته أنه بحاجة إلى أن يكون جيداً جداً في الرياضيات ليصبح عالماً، وهو الهدف الذي يتمناه ويحلم به، لذلك كان سعيداً ومتحمساً أثناء تأديته واجباته المدرسية لمادة الرياضيات، أما الطفل الأول فقد كان يتمنى أن يصبح لاعب كرة سلة وكان يكره الرياضيات، وكل ما أراد القيام به هو إنهاء الرياضيات والخروج للعب.
الدافع هو ما يدفع الشخص إلى القيام بشيء ما، أو التصرف بطريقة معينة، أو تكرار سلوك معين، يمكن أن يكون الدافع جوهرياً بحيث يُصبح الشخص مدفوعاً ذاتياً، ويمكن أن يصبح الدافع خارجياً بحيث يكون ظرف معين أو كلام تحفيزي مُعين هو الذي يُحرك الشخص.
الدافع الجوهري هو الرغبة الذاتية في تحقيق هدف نهائي، والذي يمكن أن يتمثل في النجاح في المهنة المختارة، أو تأسيس علاقة سعيدة ومستقرة، أو ببساطة اختبار مشاعر مثل الفرح أو السلام.
يهدف الأشخاص الذين لديهم دوافع جوهرية، إلى التطوير الذاتي المستمر ويبحثون عن طرق جديدة لتحسين أنفسهم، ولا يلزم إخبار الطفل الذي لديه دوافع ذاتية (يُمثل هذه الحالة الطفل الذي يرغب أن يصبح عالماً) بما يجب عمله أو كيفية التصرف لتحقيق الهدف النهائي، فهو يستطيع أن يتلمس خطاه جيداً ويسأل ويستكشف عندما يحتاج إلى ذلك.
ولكن إذا لم يكن الطفل مدفوعاً ذاتياً، فهو يحتاج إلى تذكيرات دائمة ودوافع خارجية لإنجاز المهمة، كما في حالة الطفل الذي يرغب أن يصبح لاعب كرة سلة، والدافع الخارجي يأتي من التأثيرات التي هي خارج الفرد، ومن الأمثلة على ذلك المال أو السلطة أو الشهرة، ويمكن أن تكون الدوافع الخارجية للأطفال هي وقت التلفاز أو الآيس كريم أو الحلويات أو الألعاب أو الإجازات.
أيهما أفضل الدوافع الداخلية أم الخارجية؟
للبدء في تحفيز طفلِك ودفعه للأمام، فقط تعرفي جيداً على أطفالِك واكتشفي أي نوع من الدوافع هو الذي يُحركهم، وستكونين على بُعد خطوة واحدة من دفعهم إلى الإنجاز.
صحيح أنه يمكن استخدام الدوافع الخارجية لتشجيع الأطفال على التصرف بالطريقة المرغوبة، ولكن الدافع الجوهري هو الذي يساعدهم على النجاح في الحياة، وإنشاء علاقات صحية وأن يصبحوا أشخاصاً أفضل، بينما المحفزات الخارجية تجعل الطفل مُعتمداً عليها، ومُتحركاً على أساسها، لذلك عندما تنتهي المكافأة أو يتوقف الدافع، فإن السلوك سوف يتوقف أيضاً، فكيف إذاً يُمكنك أن تدفع طفلك لفعل شيء إيجابي دون دوافع خارجية أو مكافآت؟ هذا ما ستجد الإجابة عنه في السطور القادمة.
كيف تقوم بتحفيز طفلك؟
في البدء، كما سبق الذكر يجب أن تتعرف على طفلك وتفهم من هو كفرد، انظر إلى طفلك كشخص لديه اعتبارات و أذواق وتفضيلات، تعرّف على ما يهتم به الطفل إذا كان هناك أي مجال أو موضوع يُفضله أو يميل إليه بشكل خاص.
ببساطة لأنه عندما تحب شيئاً ما، فأنت تريده، وعندما تريد هذا الشيء، فمن المرجح أن تبذل جهداً للحصول عليه، الأمر نفسه ينطبق على طفلك، فعندما تتعرف على طفلك وما الذي يريده، ستعرف كيف تحفزه.
تذكر أن تقديم المكافآت يجب ألا يصبح رشوة، يُمكنك أن تقدم لهم الآيس كريم أو الشوكولاته، يُمكنك أيضاً أن تهدد بسلب امتيازاتهم ومُكافآتهم لكن قبل أن تفعل أي شيء، إليك بعض الأسئلة التي يجب أن تطرحها على نفسك، وهي:
- هل ستنجح هذه الطرق؟
- كم من الوقت سوف تكون قادراً على تحفيز طفلك باستخدام المكافآت الخارجية؟
- ماذا يمكن أن يحدث عندما تتوقف عن توفير الدافع للطفل؟
الدافع الخارجي يعتمد على عوامل خارجنا وسوف يتلاشى في النهاية عندما تتوقف المكافآت أو تصبح اعتيادية، وما عليك القيام به هو التركيز على تطوير الدافع الجوهري للطفل، وهذا يمكن تعلمه وتطبيقه من خلال بعض الخطوات والطرق البسيطة، ومنها:
1- تحديد الأهداف:
إن أبسط طريقة لتحفيز الطفل على القيام بشيء ما هي تحديد الأهداف له، الأهداف تعطي الطفل غرضاً وتوجيهاً مُحدداً، مما يجعل إكمال المهمة أمراً سهلاً، يمكن أن تكون الأهداف بسيطة مثل النوم في الوقت المحدد للاستيقاظ مبكراً، أو إكمال الواجبات المنزلية للذهاب واللعب، يمكن أن تكون الأهداف أيضاً طويلة المدى حول المهنة أو العلاقات، والتي ستكون مثالية عند التعامل مع الأطفال والشباب الأكبر سناً.
لكن يجب تذكّر أنه لا يوجد هدف في حد ذاته، فيمكن أن يكون مجرد خطوة تخطوها لتُصبح شخصاً أفضل.
2- التخطيط:
عندما تعرف إلى أين تذهب وماذا تفعل وكيف تفعل ذلك ومتى تفعل ذلك فهذا يعني أن لديك خطة، وعندما يكون لديك خطة، يكون من السهل تحقيق هدفك، يمكن أن يحفز التخطيط طفلك على التحرك نحو الهدف، لأن التخطيط يمنحه التوجيه والإرشاد في كل خطوة على الطريق، لذلك يُمكنك دوماً مساعدة طفلك على التخطيط للأشياء الصغيرة التي يريدها.
3- المكافآت:
ربما تكون المكافآت هي الطريقة الأكثر شيوعاً لتحفيز شخص ما، بالنسبة للطفل، قد يكون شيء بسيط مثل وقت التلفاز أو الآيس كريم أو الكيك أو اللعب كمكافأة، ولكن كما ذُكر سابقاً فهذه مكافآت ملموسة وتُشبه الرشاوى، لذلك عندما تتوقف هذه المكافآت، قد يتوقف السلوك المطلوب أيضاً، قد تعمل هذه المكافآت في بعض الحالات، لكنها لن تساعد في بناء الشخصية أو غرس القيم.
يمكن أن تكون هناك مكافآت أخرى ذات مغزى مثل قضاء وقت أطول مع الأجداد في يوم مع العائلة، وفي بعض الأحيان، يمكن أن يكون الشعور الإيجابي والسعادة أو الرضا عن فعل شيء جيد مكافأة في حد ذاته، فيُعدّ سؤال الطفل عن شعوره بعد إتمام المهمة أو إنجاز شيء ما طريقة جيدة لجعله يفهم أن المكافآت لا يجب أن تكون دائماً ملموسة.
على سبيل المثال، عندما يتعلم الطفل ركوب الدراجة، سوف يرغب في ركوب المزيد من أجل الحصول على الإثارة، كذلك فإن الشعور بإتقان مهارة جديدة هو مكافأة بحد ذاتها، وهو أمر يجب تعليمه للأطفال في وقت مبكر.
4- اشرح السبب:
يتضمن جزء مهم من المحادثات الهادفة التي تجريها مع طفلك الحديث عن السبب المنطقي في القيام ببعض الأشياء وعدم القيام بأشياء أخرى، الأطفال فضوليون كقطط وحريصون للغاية على أن يكونوا جزءاً من محادثة تجيب على أسئلتهم، وكل ما تحتاجه هو إجابات واضحة لأسئلتهم.
على سبيل المثال، عندما يسأل الطفل لماذا يحتاج إلى تنظيف غرفته، قل فقط لكي تبدو نظيفة ونظيفة. ولكي تتمكن من استضافة أصدقائك للعب معك هنا، في بعض الأحيان، قد يكون من الضروري تقديم تفسير أكثر تفصيلاً، مع مراعاة وجهة نظرهم، لجعلهم يفهمون أهمية القيام بشيء ما.
لذا إذا اشتكى ابنك المراهق من أنه متعب من تنظيف الغرفة، فيمكنك أن تقول "حسناً، لماذا لا ترتاح لفترة من الوقت ثم تنظف غرفتك؟" وبهذه الطريقة، تكون متفهم لما يشعر به وفي نفس الوقت تكون مازلت تُعزز أهمية الغرفة النظيفة.
5- كن بفعلك مصدراً للإلهام:
بغض النظر عن مقدار ما تقوله أو تشرحه، سوف يلاحظ الأطفال ما تفعله كمصدر إلهام لفعل شيء ما أو عدم القيام بشيء ما، فعلك هو ما يُقدم القدوة، وهو الذي يُمكنه أن يكون مصدر إلهام لتحفيز طفلك على القيام بشيء ما.
المنطق بسيط: إذا كنت تريد أن يكون أطفالك جيدين، أو أن يُحسنوا من أدائهم في المدرسة، أو يتحملوا المسؤولية، أو يبقوا إيجابيين، أو يحترموا الآخرين، فعليك أن توضح لهم بفعلك كيف يمكنهم تحقيق هذا.
وإذا أردت أن تخبر طفلك بأهمية أن يكون مسؤولاً أو صادقاً، فعليك أن تتحلى بهذه الصفات، وإذا كنت تريد أن يكونوا مهذبين، يجب عليك دائماً أن تقول لهم من فضلك وشكراً عند قيامهم بشيء جيد.
6- التشجيع:
قد لا يكون طفلك دائماً ناجحاً في ما يفعله، وقد يؤدي الفشل إلى إحباطه وتوقفه عن المحاولة أو العمل، يمكن للتشجيع أن يساعد الطفل على المثابرة، ويجعله يواصل بذل قصارى جهده على الرغم من الفشل مرة أو أكثر.
التشجيع هو شكل من أشكال التعزيز الإيجابي وهو اعتراف بجهود الطفل وتقدمه، ويجب أن تكون العبارات المُشجعة وصفية وليست غامضة، لا تشجع الطفل على فعل شيء يجيده بالفعل، فالتشجيع يجب أن يكون لتجربة شيء فشلوا فيه خلال وقت سابق، عندما تفعل ذلك، فأخبرهم بأنك تؤمن بهم، وهذا هو الدافع الكافي لهم لإعادة المحاولة.
7- تقدير جهودهم:
ينبغي تقدير الجهد الذي يصنعه ابنك في المهمة، سواء أكان ينهي واجبه المدرسي قبل الخروج للعب أو مساعدتك في تناول العشاء أو حتى ارتداء ملابسه للمدرسة، قد لا يهم أن يكون التقدير يومياً، لكنه ينبغي على الأقل أن يكون بين الحين والآخر، فيكون صحياً ويمكنه تحفيز الطفل على مواصلة السلوك المطلوب.
8- اجعلها تنافسية:
عندما تتنافس، فإن غريزتك الطبيعية تكون هي الفوز، هذا وحده هو الدافع الكافي للشخص للقيام بأفضل ما لديه، فمن الطرق المثالية لتشجيع الطفل على القيام بشيء ما هي جعله يدخل في منافسة. على سبيل المثال، إن قول "من يأكل كل ما في الطبق أولاً يلعب لعبة رائعة"، يمكن أن يشجع الطفل على الانتهاء من الوجبة.
9- الخيارات والعواقب:
إحدى طرق تحفيز الطفل هي منحهم بعض السيطرة على ما يفعلونه، من خلال منحهم بعض الخيارات، على سبيل المثال، اسأل الطفل عما إذا كانت ترغب في ارتداء اللباس "أ" أو اللباس "ب" أثناء الذهاب إلى التمرين، في حين أنه لا يستطيع أن يختار بين ما إذا كان سيذهب إلى التمرين من الأساس أم لا، كذلك يمكنك دوماً إعطاء خيارات للأطفال حيثما كان ذلك ممكناً، مما يجعل الأمر يبدو أنه اختيارهم.
من المرجح أن يفعل الأطفال ما يختارون القيام به بدلاً مما نريدهم أن يفعلوه، مما يعني أن وجود خيارات يمكن أن يكون حافزاً.
10- ساعدهم على اكتساب مهارات جديدة:
مثلما يتوقون إلى تجربة ألعابهم الجديدة، سيكون الأطفال أيضاً حريصين على تجربة أي مهارات جديدة يتعلمونها، حفز طفلك على تحسين أدائه في المدرسة أو في الخارج من خلال مساعدته على اكتساب المهارات المناسبة ومنحه إمكانية الوصول إلى الأدوات المناسبة.
11- ساعدهم في تقبل عيوبهم:
كل شخص لديه عيوب، ولكن يجب ألا تتحكم عيوبك في نجاحك في الحياة من عدمه، علّم أطفالك هذا الأمر، وأنه يُمكنهم تقبل عيوبهم، على سبيل المثال، قد يكون طفلك قصيراً وغير مؤهل لفريق كرة السلة، فشجعه على تجربة لعبة البيسبول أو لعبة الكريكيت أو السباحة بدلاً من ذلك! ساعدهم في العثور على طرق لاستخدام أوجه القصور لديهم لصالحهم، وحفزهم.