حين تسأل شخصاً ما عن حاله، سيجيب في الغالب بأنَّه "مشغول"، أو "بخير لكنَّه مشغول"، أو "مشغولٍ إلى حدِّ الجنون". وكأنَّ كلمة "مشغول" أصبحت علامة الشرف، ودليلاً على النجاح، وتفاخراً متواضعاً يعني أننا مُهمُّون ومطلوبون.
لكن إذا كنتَ "مشغولاً للغاية" بالفعل، فأغلب الظنِّ أنَّك لا ترفضُ قدراً كافياً من الطلبات التي تُطلَب منك.
الكثيرون منَّا يواجهون صعوبةً شديدة في قول "لا"، خوفاً من التعرُّض للنبذ أو الغضب من الشخص الطالب، أو لأننا غير متيقنين من ردة فعله عند الرفض.
وغالباً ما يُغرَس فينا السعي إلى إرضاء الآخرين منذ الطفولة.
ربما تربَّى بعضُنا على أن نكون فتية وفتيات جيِّدين، وكنا نتلقَّى إشاداتٍ على مساعدة أمهاتنا، وربما لم يحصل البعض الآخر على اهتمامٍ كافٍ، لذا سعينا إلى الحصول عليه بإرضاء الآخرين، حتى ولو على حساب أنفسنا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أننا يُمكن أن نعتاد قول "نعم" وإرضاء الآخرين، حتى نصبح غير مدركين لرغباتنا واحتياجاتنا.
ولكن إذا كانت حياتك مكتظة للغاية بطلبات الآخرين، لدرجة أنَّك لا تمتلك وقتاً لممارسة ما يهمك حقاً -أو أنَّ صحتك العقلية أصبحت في خطر- فقد حان الوقت لإجراء تغيير.
في تقرير نشرته كلوي برازريدغ: متخصصة في العلاج بالتنويم الإيحائي على صحيفة The Guardian، أوضحت بعض السبل والحيل للتعامل مع هذه المواقف المحيرة، نستعرض أهمها فيما يلي.
تحسين حياتك يبدأ بقول "لا"
الخطوة الأولى نحو امتلاك القدرة على الرفض هي أن تشعر بالغضب قليلاً تجاه كل ما بذلته من وقتٍ وجهد ومال في الموافقة على طلباتٍ كان بإمكانك رفضها.
فعلى سبيل المثال، كم عدد المرات التي تناولت فيها القهوة مع أشخاصٍ لم تكن ترغب في تناولها معهم؟ وكم عدد حفلات الزفاف التي حضرتها ولم تكن تريد حضورها؟ وكم ساعة قضيتها في اجتماعاتٍ مملة لم يكن لديك سبب حقيقي لحضورها؟
ربما تسأل نفسك: "ما الخطأ في قول نعم وإبقاء الناس سعداء؟".
قد يكون من الصعب تقبُّل ذلك، ولكن فكِّر في أنَّ إرضاء الناس القهري يمكن أن يكون شكلاً من أشكال التلاعب.
وهذا ما لخَّصته المعلِّمة والمؤلفة بايرون كاتي ببراعة، حين قالت: "هذه هي المغالطة الأكبر التي "يمكنني بها أن أتلاعب بك وأقنعك بأنك تحبني".
ونحن نوهم أنفسنا بأننا أشخاص محترمون فقط لأننا نقبل طلبات الآخرين، لكن الأمور يمكن أن تسوء بدرجةٍ غير متوقعة حين لا تُلبَّى احتياجاتنا الخاصة.
قوة الرفض ضرورية لصحتك النفسية
ففي كتابه الذي يحمل اسم The Power of No أو "قوة الرفض"، قال رائد الأعمال والمؤلف جيمس ألتوتشر: "حين تقبل شيئاً لا تريد فعله، ستكره ما تفعله، وتستاء من الشخص الذي طلبه منك، وتؤذي نفسك".
لذا حين تكون موافقتك على شيء تريد رفضه قائمةً على تلاعبٍ خفي أو استياء، هل يُمكنك على الإطلاق أن تصفها بأنَّها شيء جيد؟
ولبدء استعادة وقتك ورفاهيتك العقلية بمزيدٍ من الرفض، انتبه لما تريده حقاً.
وبدلاً من أن توافق فوراً بلا تفكير، اعتدْ أن تسأل نفسَك: "هل أنا موافق على ذلك من أجلي؟".
ولتبدأ بأشياء صغيرة، مثل الموافقة على تناول مشروبٍ قُدِّم إليك، أو إسداء معروفٍ صغير.
الموافقة تُشعِرك بالارتياح، بينما الرفض بالضيق
وينبغي أن تعرف تأثير الموافقة والرفض في جسدك، فالموافقة قد تُشعِرك بالارتياح، بينما قد يُشعرك الرفض بالضيق، لذا تعلَّم أن تنتبه لذلك.
ولكن هل لديك رهبةٌ من رفض طلب شخصٍ ما وجهاً لوجه؟ إذا وُضِعتَ في موقفٍ مُحرِج وطُلِبت منك المساعدة في فعل شيء ليس لديك الوقت والجهد لفعله، لكنَّك لا تستطيع تحمُّل رفض طلب شخصٍ ما، فاحصل لنفسك على بعض الوقت.
إذ تقول فانيسا فان إدواردز، مؤسِّسة مختبر Science of People لأبحاث السلوك البشري: "اطلب من الأشخاص الذين يريدون منك شيئاً إرسال رسالة نصية أو رسالةٍ بريدية إلكترونية بطلبهم إليك، حتى تتمكن من الردِّ عليهم لاحقاً. فمن المنطقي تماماً أن تقول إنَّك بحاجةٍ إلى التحقق من جدولك قبل الرد".
وهذا يتيح لك التحقق في قرارة نفسك مما تريده حقاً، والعثور على الكلمات المناسبة (أو الشجاعة) التي يمكنك رفض الطلب بها.
الناس الناجحون يقولون "لا" بشكلٍ شبه دائم
وإذا ظللت تواجه صعوبةً في الرفض، ضع في اعتبارك ما ذكره رجل الأعمال الملياردير وارن بافيت، حين قال: "الناس الناجحون يقولون لا بشكلٍ شبه دائم".
فرفض بعض الطلبات يسمح لك بفعل ما هو مهم بالنسبة لك، ويجعلك شخصاً أفضل، لأنَّ موافقتك حينئذٍ تكون نابعةً عن طيب خاطر، وليست مصحوبةً باستياء أو خوف.
وهذا يتيح فرصةً لفعل الأشياء الأهم بالنسبة لك، بدلاً من الغرق في الانشغال، مثل معظمنا.
وفكِّر في الأشياء التي ستحظى بوقتٍ أكبر لفعلها إذا رفضت المزيد من الطلبات: مثل الحصول على المزيد من الرعاية الذاتية، وتحسين الصحة العقلية، وقضاء المزيد من الوقت مع أطفالك، والعمل على مشروع شغفك. اجعل هذه الاحتمالات تُلهمك وتشجعك على الرفض.