كيف أصبح سعيداً؟ أو كيف أصبح شخصاً قليل الانزعاج؟ سؤالان محيران يجولان ببال كثير من الأشخاص وأنا أحدهم، خاصة عندما نتعرض إلى موقف يجعلنا نفقد السيطرة على نفسنا.
لا تسأل بعد الآن كيف أصبح سعيداً دون تغيير بعض المعتقدات الخاطئة!
"إن الناس لا ينزعجون من الأشياء، وإنما من آرائهم عن تلك الأشياء".
مقولة قالها الفيلسوف الرواقي الروماني أبكتيتوس قبل نحو 1900 عام!، موضحاً لنا كيف أنّ الأشياء المزعجة مثل حركة المرور أو الأشخاص أو العمل لا يزعجونا بل أنّ الذي يزعجنا هو اعتقادنا الخاطئ عنها.
مثال بسيط ويحصل دائماً في حياتنا
بحسب صحيفة The Ladder الأمريكية، دعنا نفترض أنك ذهبت إلى السوق وتوقعت أن يكون سعر شيء ما 90 دولاراً أمريكيّاً، واتضح أن سعره 80 دولاراً فقط، فإن هذا سيجعلك سعيداً جدّاً.
وبالمثل، إن كنت تتوقع أن يكون سعره 30 دولاراً واتضح إنه 80 دولاراً فلربما تود أن تقتل شخصاً ما.
سعر الشيء لم يتغير في الحالتين، وإنما تغير ما كنت تعتقده بشأنه، وهذا هو ما حدد ردة فعلك.
معتقداتك هي المسؤول الأول عن معظم حزنك
إن معتقداتك هي المسؤولة عن خلق معظم الأحاسيس بالحزن، والغضب، والقلق التي تشعر بها. والمشكلة هي أن بعض هذه المعتقدات تكون مستترة.
فأنت لا تدرك حتى إنها موجودة. وإن أخبرتك أنك تؤمن بها، فإنك ستنكر ذلك. إلا إنها كثيراً ما تتحكم في ردود أفعالك، وتجعلك بائساً أثناء ذلك.
دعونا نتطرق إذاً إلى أكثر المُعتقدات المثيرة للمشكلات شيوعاً وكيفية التغلب عليها.
رقم 1: "لا ينبغي أن يحدث هذا!"
هذا المعتقد غير العقلاني هو المشكلة الكبرى لأننا نتمسك به في معظم الأحيان.
ينبغي أن يكون الأشخاص والأشياء دائماً كما أريدهم أن يكونوا، وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن هذا سيكون مريعاً، وفظيعاً، وغير عادل.
يبدو هذا الكلام سخيفاً. لن تقول مثل هذا الكلام، أليس كذلك؟ المشكلة هي أنك تعتقد فيه في كثير من الأحيان دون أن تدرك ذلك.
لنفترض مثلاً أنني أخبرتك أن هذه المحمصة الكهربائية لا تعمل نهائيّاً تقريباً.
فتحاول أنت استعمالها ولكنها لا تعمل. هل يستشيط غضبك وتلقيها في وجهي؟
لا، لأن الواقع تطابق مع التوقعات. لا مفاجأة في هذا، وليس هناك انفعال عاطفيّ. والآن دعنا نطبق المنطق نفسه على سيناريو آخر.
أنت تعلم أن العالم ليس مكاناً عادلاً دائماً، أليس كذلك؟ ولكن، بعد ذلك يحدث شيء غير منصف وتثور ثورتك. هل هذا أمر منطقي؟ لا.
إن كنت فعلاً تعتقد أن العالم ليس عادلاً دائماً ثم أصابك بعضٌ من ظلمه، فمن المتوقع ألا تصدر رد فعل مثل هذا لأن الواقع تطابق مع التوقعات.
ولكن، ما تعتقد فيه حقّاً هو أن العالم ينبغي ألا يكون ظالماً لك، وهذا يا صديقي كلام لا يُعقل.
رقم 2: "لا بدَّ من أن أكون كاملاً".
يقول بعض الأشخاص، يتحتم عليَّ ألا أفشل في المهام المُهمَّة، وإن فشلت فإن الأمر سيكون مريعاً ولا أطيق الأمر.
مرة أخرى، إنك لا تدرك دائماً أن هذا مُعتقد كامن لديك. فإن سألتك، "هل أنت إنسان وعرضة لاقتراف الأخطاء؟" فستقول نعم. ولكنك تقترف خطأً بعد ذلك ويجن جنونك. هذا لا يُعقل.
فإن كنت تعتقد فعلاً أنك عرضة لاقتراف الأخطاء، فقد تكون حزيناً قليلاً، كنت تفضل الحصول على امتياز، ولكنك لن تتفاجأ وتكون منفعلاً بشكل مبالغ فيه.
تذكر، أنك لا تغضب عندما لا تعمل المحمصة الكهربائية المعطلة، ولكنك تغضب عندما تتوقع منها أن تفعل ذلك.
هذا، ولا يعني التخلص من معتقدات الكمال أنك ستصبح فجأة شخصاً متهرباً لا يعطي الأمور حقها.
فتستطيع أن تظل مثابراً، ولكن ليس عليك التمسك بمعتقدات سخيفة تقودك إلى الجنون.
رقم 3: "ينبغي عليَّ أن أقلق بشأن هذا"
إن كنت أقلق بشكل مبالغ فيه بشأن حدث ما قادم أو بشأن كيف يشعر شخص ما تجاهي في الحقيقة، فإن الأمور ستتحسن بالنسبة لي.
هذا سخيف، أليس كذلك؟ ولكن، في بعض الأحيان يكون هذا المُعتقد هو ما نؤمن به في واقع الأمر.
فإننا نقلق ونقلق كثيراً، وإن توقفنا عن القلق فإننا نعاقب أنفسنا على ذلك.
يبدو الأمر وكأننا نعتقد أن القلق هو تعويذة سحرية إذا ألقيناها بشكل مستمر فإنها ستمنع الأشياء التي نخشاها من الحدوث.
للعلم، إن القلق لن يفعل ذلك، وأنت كنت تعلم هذا بالفعل. ولكنك إن آمنت بذلك في قرارة نفسك، فإنك ستعضُّ أصابعك قلقاً.
ما هو الشعور بالقلق؟ إنه قيام عقلك بتذكيرك بأن شيئاً ما يمثل تهديداً عليك التعامل معه.
فماذا تفعل إذاً إذا لم تجدِ طريقة "تفكَّر واستبدل" نفعاً بعد وقت قصير؟ اجعل عقلك يعلم أنك تأخذ تذكيره على محمل الجد.
نظِّم قلقك. حقّاً، قم "بتحديد موعد للقلق". إن ذلك الأمر يجدي نفعاً.
رقم 4: "إنه بسبب ماضيَّ"
هل شعرت يوماً أنّ ما تشعر به الآن وتتصرف بطريقة ما بسبب ماض سيئ أو أشياء مريعة حصلت معك وأنت طفل؟ أو بسبب علاقتك العاطفية الأخيرة أو وظيفتك؟
إننا نقترف الأخطاء، عادة الأخطاء نفسها مرة تلو المرة، ونقول إن الأمر بسبب التربية الخاطئة، أو لأننا تعرضنا للتنمر في المدرسة، أو واعدنا الأشخاص الخاطئين.
ليس هناك شك في أن خبراتنا السابقة قد تؤثر كثيراً في سلوكنا الحالي، ذلك إن سمحنا لها بذلك، إن الأحداث الماضية لن تصبح أقل واقعية أو صحة؛ فنحن لا نستطيع تغييرها. إلا أننا نستطيع تغيير كيفية تفكيرنا فيها.
في أغلب الحالات، لا يكون الأمر أن الحدث الماضي قد تسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه، ولكن في أنك حاليّاً تؤمن بمُعتقد غير عقلاني حول نفسك استوحيته من ذلك الحدث.
لنفترض أنك عانيت من التنمر في المدرسة لأنك كنت أضعف من الأطفال الآخرين وبعد مرور عقود ما زلت تردد الاعتقاد القديم، نعم، قد تكون مررت بلحظات ضعف في الصف الرابع، ولكن هل يعني هذا أنك شخص ضعيف وأنت في الثلاثين من عمرك؟