الشعور بعدم الارتياح في مواقف مثل أول موعدٍ غرامي، أو مقابلةٍ شخصية للحصول على وظيفة، هو أمرٌ طبيعي، ويحدث للجميع.
لكن عندما يزداد هذا التوتر إلى الشعور الشديد بعدم الارتياح، أو الرهبة، أو الخوف من التفاعلات الاجتماعية العادية، فقد يودي بنا هذا إلى استنتاج إصابة الشخص باضطراب القلق الاجتماعي.
وفقاً لموقع Live Science الأمريكي. تُعَرِّف الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) اضطراب القلق الاجتماعي، المعروف أيضاً باسم الرهاب الاجتماعي، بأنَّه شعور غامر بالقلق وعدم الارتياح خشية التعرض للإحراج، أو النظرات الدونية في المواقف الاجتماعية أو الأداءات.
وتقول الجمعية الأمريكية للقلق والاكتئاب (ADAA) إنَّ القلق الاجتماعي مرض ينهك صاحبه، ويتعارض مع قدرة الفرد على أداء نشاطاته اليومية، وحضور التجمعات الاجتماعية أو حتى الذهاب إلى العمل.
عادة ما يخلط الناس بينه وبين الخجل، لكن ليس كل من يعانون من الخجل لديهم رهاب اجتماعي. فطبقاً لاستطلاع رأي أجراه المعهد الوطني للصحة العقلية في عام 2011 ونشره في مجلة Pediatrics العلمية على أكثر من 10 آلاف مراهق، تبيَّن أنَّ 50% منهم يتسمون بالخجل، ولم توجد علامات اضطراب القلق الاجتماعي سوى لدى 12% فقط منهم.
الأعراض
يقول المعهد الوطني للصحة العقلية إنَّ الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي يشعرون برهبةٍ عارمة في المواقف الاجتماعية، أكثر من مجرد حالات التوتر التي تصيبنا بين الحين والآخر في المواقف اليومية.
ويقول المعهد الوطني إنَّ من يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي عامة يقلقون من التعرض لأحكامٍ قاسية من الآخرين، حتى لو لم يكن هذا حقيقياً.
فحينما يدخلون إلى غرفةٍ ما، يتملكهم شعور بأنَّ الجميع يراقبونهم. إنهم خائفون من الظهور بمظهر الحمقى أو يتملكهم الرعب من إحراج أنفسهم.
قد تكون الأعراض عضوية، مثل التعرق، والرعشة، والاضطراب، والشد العضلي، وتسارع ضربات القلب، طبقاً لموقع Mayo Clinic الأمريكي.
واحمرار الوجه أيضاً هو أحد الأعراض العضوية للاضطراب. وقد يشعر من يعانون من الاضطراب بالدوار، أو بالتوعك الشديد في المعدة.
وتقول الجمعية الأمريكية للطب النفسي إنَّ بعض الأعراض قد تحدث قبل أسابيع أو أشهر من حدثٍ ما، وتظهر بمجرد التفكير في موقفٍ اجتماعي قادم.
يقلل الرهاب الاجتماعي من قدرة الفرد على تكوين الصداقات أو الحفاظ عليها كثيراً. وقد يلجأ الكثيرون إلى تجنب المواقف الاجتماعية تماماً أو الحد من نشاطاتهم الاجتماعية كثيراً من أجل التعايش مع الاضطراب.
وإذا حضروا تجمعاً اجتماعياً فإنَّهم يتراجعون إلى خلفية الحدث. وقلما يحضرون المناسبات بمفردهم، ويحتاجون وجود شخصٍ يعرفونه للشعور بالأمان.
الأسباب
على عكس اضطرابات القلق الأخرى، لا نعرف الكثير عن أسباب اضطراب القلق الاجتماعي. وتقول شيريل كارمن، الطبيبة النفسية ومديرة برنامج تدريب الطب النفسي السريري في مركز ويكسنر الطبي بجامعة ولاية أوهايو: "يُعتقد أنَّ أسباب الاضطراب لها جذور حيوية أو بيئية".
وتضيف كارمن أنَّه ربما يوجد عدم انتظام في الناقلات العصبية، مثل السيروتونين، المرتبط باضطراب القلق الاجتماعي. وأضافت: "لكنَّ مستويات السيروتونين تقل في العديد من اضطرابات القلق الأخرى، لذا فهي ليست خاصة فقط باضطراب القلق الاجتماعي".
من بين 15 مليون أمريكي يعانون من الاضطراب، بدأ معظمهم في إظهار الأعراض منذ الطفولة أو المراهقة المبكرة، طبقاً للجمعية الأمريكية للقلق والاكتئاب. وينتظر أكثر من ثلث من يعانون من الرهاب الاجتماعي 10 سنوات أو أكثر قبل السعي لطلب المساعدة.
وفي حين أنَّه من الممكن أن يكون هناك عاملٌ جيني يتسبب في الرهاب الاجتماعي، يعتقد بعض الخبراء أنَّ الأسباب المتعلقة بالبيئة المحيطة لها دور جزئي على الأقل.
فمثلاً الأطفال الذين يشاهدون أحد والديهم أو أي بالغ آخر لا يشعر بالارتياح في المواقف الاجتماعية، قد يعتقدون أنَّ هذا هو السلوك المعتاد في مثل هذه المواقف.
وقالت كارمن لموقع Live Science الأمريكي: "قد يمثل أحد الوالدين أو أي شخصية بالغة بارزة في حياة الطفل مثالاً يقول للطفل إنَّه من المناسب الشعور بالقلق في المواقف التي يقيم فيها الناس أداءك.
فمثلاً، الوالد الذي يذكر أنَّه قلق حيال تقييم أداءٍ ما، أو الذي يقول لطفله إنَّه لا يجب أن يقلق قبل أول حديث له أمام زملائه، فإنَّه في الحقيقة يشعل الفتيل لدى طفله ليكون قلقاً في هذا الموقف. ومن الممكن أيضاً أن تكون هذه العوامل تتفاعل مع بعضها".
تتضمن محفزات اضطراب القلق الاجتماعي عادةً مواقف يرى فيها الشخص أنَّه قد يتعرض لأحكام، أو لفعل شيءٍ من المحتمل أن يتسبب في إحراجه.
خوف مواقف بعينها
لا يحب هذا الشخص أن يكون في محور الاهتمام، ولذا تتسبب له مناسبات مثل أعياد الميلاد، والتخرج، والمناسبات الحياتية الأخرى في زيادة مستويات التوتر، طبقاً للجمعية الأمريكية للقلق والاكتئاب.
وتشير الجمعية الأمريكية للقلق والاكتئاب إلى أنَّ بعض من يعانون من الاضطراب قد يتمكنون من التفاعل مع الكثير من المواقف بسهولة، لكنَّهم يخافون مواقف بعينها مثل إلقاء خطبة أو التعامل مع رجال المبيعات.
ويتجنب الكثير منهم قدر الإمكان بعض النشاطات، مثل التحدث عبر الهاتف أو التحدث في مجموعة. وعادةً ما يكون حضور الحفلات، أو الذهاب إلى مواعيد غرامية، أو أي أنشطة أخرى تتطلب اختلاطهم بالآخرين غير مطروحة بالنسبة لهم.
وطبقاً لما نُشر في دراسة القلق الاجتماعي والكحوليات التي نشرها المعهد الوطني لتعاطي الكحول وإدمانه، فإنَّ 20% ممن يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي يتعاطون المخدرات أو الكحول أو كليهما.
ولأنَّ الكثيرين منهم يعاني عند الجلوس في مجموعات، ينتهي الأمر ببعضهم يتناولون الكحول أو المخدرات وحيدين. وفي حالاتٍ أخرى، قد يستهلك البعض الكحول أو المخدرات لمجاراة الحياة الاجتماعية، مثلما ورد في الدراسة المنشورة.
خيارات العلاج
عادةً ما يكون العلاج النفسي والطبي، أحدهما أو كلاهما، علاجاً فعالاً للرهاب الاجتماعي والقلق الاجتماعي، طبقاً للمعهد الوطني للصحة العقلية.
وتقول كارمن إنَّ معظم الأدوية الموصوفة تكون علاجات مضادة للاكتئاب والقلق تُدعى المثبطات الاختيارية لاسترداد السيروتونين SSRIs. وأضافت:
"وتُستخدم أيضاً مثبطات أوكسيداز أحادي الأمين، لكن هناك محاذير غذائية لدى استخدام هذه العلاجات يجب اتباعها بصرامة. وأخيراً أظهر بعض الأفراد الذين يعانون من قلق الأداء، مثل الموسيقيين، نتائج جيدة مع مثبطات بيتا".
وأيضاً العلاج السلوكي الإدراكي، الذي يركز على تغيير كيفية تفكير المرء وسلوكه وتفاعله مع المواقف، يمكنه تقليل الخوف والقلق. وتقول كارمن:
"يساعد هذا النوع من العلاج الناس على فهم كيفية تأثير أفكارهم على خوفهم وكيفية تجنبه. وعن طريق فهمهم لكيفية تأثير أفكارهم ومعتقداتهم في استمرار خوفهم، يمكنهم البدء في تحدي مفاهيمهم المغلوطة".