العلاج المناعي للسرطان، الذي يحفّز جهاز المناعة بالجسم على مهاجمة الأورام، يحمل آمالاً واعدة، لكنه لا يزال يفشل مع عديد من المرضى.
هناك بحث جديد قد يساعد في معرفة سبب قدرة بعض السرطانات على تفادي هذه العلاجات الجديدة، وتقديم بعض التلميحات والمقترحات، للتوصل إلى حل لتلك المشكلة.
جزيء "PD-L1"
بحسب صحيفة New York Times الأمريكية؛ الدراسة التي نُشرت الخميس 4 أبريل/نيسان 2019، في صحيفة Cell، تركّز على سرطان القولون والبروستاتا. وهما من بين السرطانات التي تبدو منيعة إلى حد كبير أمام آلية عمل أدوية العلاج المناعي.
تعمل الأدوية على اعتراض الإشارات التي ترسلها الأورام لتثبيط الجهاز المناعي. وترسَل هذه الإشارات من جزيء معين وُجدت على سطح بعض خلايا الأورام.
المشكلة أن هذه الجزيء، المعروف بـ "PD-L1″، لا يظهر على سطح كل الأورام. وفي هذه الحالات، تجد الأدوية مشكلة في التداخل مع الإشارات التي يرسلها السرطان لتثبيط جهاز المناعة.
الدراسة الجديدة جزء من بحث أكبر يقترح أنه حتى لو لم تمتلك الأورام هذا الجزيء المعروف بـPD-L1 على سطح الخلايا، فإنها تظل قادرة على استخدام الجزيء لخداع جهاز المناعة.
وبدلاً من ظهوره على السطح، يُفرَز الجزيء من الورم إلى الجسم، حيث ينتقل إلى مراكز جهاز المناعة، والغدد الليمفاوية، ويخدع الخلايا المتجمعة في تلك الأماكن.
قال د. روبرت بليلوخ، الرئيس المساعد لقسم المسالك البولية بجامعة كاليفورنيا، في سان فرانسيسكو، وكاتب رئيسي للورقة البحثية الجديدة: "إنها تثبّط نشاط خلايا المناعة عن بُعد".
النجاح الأولي
واكتشف علماء جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو قدرتهم على علاج فأر من سرطان البروستاتا عند إزالة الجزيء PD-L1 الذي انتقل من الورم إلى الغدد الليمفاوية لخداع جهاز المناعة. وعندما حدث ذلك، تمكّن جهاز المناعة من مهاجمة خلايا السرطان بفاعلية.
وعلاوة على ذلك، أظهر جهاز المناعة للفأر نفسه قدرة على مهاجمة خلايا الورم لاحقاً بعد إعادة إدخال الجزيء PD-L1. وهذا دفع د. بليلوخ إلى اعتقاد إمكانية تدريب جهاز
المناعة على التعرف على الورم بطريقة تشبه المصل، الذي يجعل نظام المناعة يتعرف على الفيروسات.
لا يزال العمل في المراحل التجريبية بالمختبرات وعلى الفئران، ولم يبدأ تجربته على البشر بعد، ومن غير الواضح ما إذا كانت النتائج قابلة للتحقق على البشر. ويقول د. إيرا ملمان، نائب رئيس قسم علم المناعة السرطاني في شركة Genentech، عن هذه النتائج، إنها مثيرة جداً للاهتمام.
واستدرك قائلاً: "ولكن كما هو الحال مع كل التجارب على الفئران، يمكنك التعرف من خلالها على الآليات الأساسية، وتظل كيفية ترجمتها إلى علاجات بشرية غير واضحة". وقال إنه متشكك، ولكنه يخطط للاجتماع بالدكتور بليلوخ، لمناقشة تطورات هذا البحث وتداعياته.
يتوافق البحث الجديد مع دراسات حديثة أخرى، من بينها ورقة بحثية نُشرت في مجلة Nature العام الماضي (2018)، أظهرت أن جزيئات PD-L1 التي تفرزها أورام سرطان الجلد يمكنها تثبيط وظائف مناعة الجسم.
الحرب الخفية
عندما تنتقل جزيئات PD-L1 إلى خارج الخلية، تُعرف بـ "الحويصلات الخارجية"، ويعتبر اكتشاف دورها أحد التطورات العديدة والسريعة التي تهدف إلى تحسين مجال الطب، الذي أصبح من بين أكثر المجالات الواعدة على مدار العقود الأخيرة.
وخلال العام الماضي، مُنحت جائزة نوبل لعالِمين: جيمس أليسون من مركز إم دي أندرسون لأمراض السرطان في هيوستن، وتاسوكو هونجو من جامعة كيوتو باليابان، لعملهما الرائد في مجال العلاج المناعي.
هذا البحث الإضافي لا يهدف فقط إلى تحسين العلاجات، الذي قد ينطوي على آثار جانبية قوية، بل يبحث كذلك عن جزيئات أخرى مسؤولة عن هذه الحرب الخفية بين خلايا السرطان وجهاز المناعة.
لا نزال نحتاج مزيداً من الدراسات. ولكن دكتور بليلوخ قال إن النتائج دفعته إلى البحث عن طرق لاتخاذ خطوات تالية نحو تحويل هذا الاكتشاف إلى علاج ملموس.
وتوصلت الورقة البحثية إلى أن "اعتراض عملية انتقال جزيئات PD-L1 إلى الغدد الليمفاوية قد يؤدي إلى مناعة نظامية طويلة الأمد ضد الأورام".