تعاني الحيوانات من الأمراض النفسية مثل البشر. من الاكتئاب إلى الوسواس القهري وحتى الإدمان، تظهر العديد من العوارض النفسية على الكلاب والقطط والخيول وحتى الدببة القطبية والطيور.
ولعل المسبب الأكبر لهذه الاعتلالات الموت، كما حصل مع الشمبانزي فلينت في حديقة غومبي الوطنية في تنزانيا.
إذ أصبح فلينت فجأة منطوياً بعد وفاة والدته، كما توقف عن الأكل. استراح بعد ذلك بالقرب من جيفة أمه، ومات.
روت قصته جين غودال (بريطانية متخصصة في الرئيسيات وعلم السلوك والأنثروبولوجيا) في كتابها عام 2010، وهي تزعم أنه كان يعاني من الاكتئاب.
يتخذ المرض النفسي عند الحيوانات أشكالاً عديدة، بعض الطيور الأليفة تنتف ريشها، وبعض الكلاب تلمس بقلق شديد ذيولها أو مخالبها، وبعض الحيوانات معروفة أيضاً بإيذاء النفس!
في ما يلي أكثر الأمراض النفسية التي تصيب الحيوانات، والتي تعرف عليها العلماء حتى الآن:
الإدمان.. إنسان الغاب قد يدمن التدخين لو توفر له
تشبه بيولوجيا الرئيسيات مثل إنسان الغاب بيولوجيا البشر، لدرجة أنهم غالباً ما يعانون من نفس الاضطرابات النفسية، كالإدمان.
في إحدى الحالات، حصلت توري، وهي إنسان غاب في حديقة حيوانات، على علبة سجائر بعد تقليد تصرفات حراسها. أصبحت توري مدمنة على التدخين واضطرت إلى إعادة التأهيل.
القلق.. الخيول المنعزلة تمضغ الخشب والكلاب لا تنام
يعاني العديد من القطط والكلاب من اضطراب القلق العام، الذي تظهر أعراضه في اللهاث والارتجاف.
قد تشمل ردات الكلاب القلقة الهرب أو الاختفاء أو الحفر أو الحك أو الخدش وضرب الكفوف.
ويعد لعق الشفتين أو التثاؤب أو دس الأذنين للخلف أو اتساع حدقتي العينين أعراضاً أخرى محتملة للإصابة بالقلق.
يمكن أن تعاني الكلاب أيضاً من اضطرابات النوم نتيجة القلق، مثلها مثل البشر.
لنأخذ مثالاً آخر، وهو الخيول تلك التي تقضي الكثير من الوقت في الحصول على حصص في الأكشاك أو المراعي الصغيرة، ولذلك فهي تظهر في كثير من الأحيان سلوكيات غريبة ناجمة عن الملل والقلق.
تشمل هذه السلوكيات مضغ الخشب وركل جدران كشكها، والعض.
للمساعدة في تجنب هذه العادات السيئة والخطيرة، من المهم أن تحصل الخيول على الكثير من التمارين الرياضية، وأن يكون هناك وقت تقضيه مع الخيول الأخرى.
القطيع يعطي الحصان فرصة التفاعل الاجتماعي والتحفيز الذهني ويعطيه شعوراً بالأمان (الخيول لديها غريزة قوية جداً للوجود فى قطيع).
أما الحصان الذي يقضي معظم يومه فى هذه البيئة لن يكون أسعد فحسب، بل تقل احتمالية اكتسابه عادات سيئة مثل عض المعلف بسبب الإجهاد أو الملل.
إيذاء النفس.. الطيور تنتف ريشها والقرود تعض نفسها
تقوم الطيور الأسيرة المصابة بالملل والاكتئاب أحياناً بنتف ريشها، مما يتسبب في نزول الدم وزيادة القابلية للإصابة بالأمراض.
إن توفير ألعاب مختلفة للطيور كل أسبوع هو إحدى الطرق لتثبيط هذه العادة، كما يضمن حصول الطيور الصغيرة على الكثير من الاهتمام.
كما أنها تستفيد من التغذية والنوم. وفي بعض الحالات، من الأدوية التي تعزز السيروتونين والمضادة للوسواس والاكتئاب من نوع البروزاك أو الفلوكستين.
كما عُرفت قرود الريس أيضاً بإيذاء الذات، سواءً في العض أو ضرب أجسادها إلى حد إلحاق الجروح.
وتم ربط الأذى الذاتي في قرود الريس بضغوط الأسرة. وبالتالي فإن توفير الرعاية والاهتمام الكافيين هي حلول أفضل بكثير، تماماً كما هي للبشر.
اضطراب ما بعد الصدمة.. الحروب والإجهاد والعزل يصيبها بالاكتئاب
قال باحثون أميركيون إن الكلاب التي يستخدمها الجنود في الحروب لشمّ الألغام والمتفجرات، تعاني مثلهم من اضطراب ما بعد الصدمة عند انتهاء القتال.
ويقول الأطباء البيطريون إن حوالي 5% من الكلاب التي خدمت في أفغانستان والعراق تعاني من "اضطراب ما بعد الصدمة"، الذي يمكن أن يجعل بعض الكلاب عدوانية أو خجولة أو غير قادرة على القيام بعملها.
وتشمل عوارض الإصابة بالاضطرابات السهر لفترات طويلة وتغير المزاج والعدائية الزائدة.
تقول ستيسي لوبريستي غودمان، وهي أستاذة مشاركة في علم النفس بجامعة ماريماونت في أرلينغتون بولاية فرجينيا: "نظراً لوجود أوجه تشابه في هياكل الدماغ المسؤولة عن استجابات الإجهاد، تظهر الحيوانات أعراضاً تشبه أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة لدى البشر" أو PTSD.
ونصح الخبراء بمعالجة الكلاب من خلال إبعادها عن القطاع العسكري وممارسة الكثير من التمارين واللعب والتدريب.
وفي دراسة أجريت عام 2011، وُجدت علامات للاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة على الشمبانزي، التي تم استخدامها في الأبحاث المختبرية، أو نصب لها فخاً، أو استخدمت كجزء من تجارة غير قانونية.
يبدو أن الحرمان الاجتماعي مرهق للحيوانات، تماماً كما هو الحال بالنسبة للبشر.
ويمكن للأحداث المجهدة ترك علامات حتى على جينات الحيوانات.
ففي عام 2014، وجد الباحثون أن الببغاوات الرمادية الإفريقية التي تم إيواؤها وحيدة، عانت من تغيرات وراثية ضارة أكثر من الببغاوات التي كانت موضوعة في أزواج!
الوسواس القهري.. الحيتان تتقيأ بعد الأكل والقطط تشوه ذاتها
تظهر الحيتان القاتلة بعض السلوكيات الغريبة في الأسر. في شركة Sea World(التي تشتهر باستخدام الدلافين والحيتان القاتلة في عروض ترفيهية) تشعر الحيتان بالملل لدرجة أنهم تلعب بطعامها وتتناوله ثم تتقيأ!
بالتأكيد هو ليس سلوكاً طبيعياً، بل خطير جداً على صحتها، ويؤدي إلى تآكل الأسنان، وإلحاق الضرر بالمريء، كما يؤدي إلى فقدان الوزن وسوء التغذية.
كما تصدم الحيتان رؤوسها مراراً وتكراراً في جدران الخزان المتواجدة بداخله، مما يسبب لها كدمات خطيرة.
حيوانات أخرى تظهر أيضاً علامات الوسواس القهري OCD، كالقط الذي يلعق أو يمضغ فراءه لدرجة أن فقدان الشعر يصبح واضحاً.
وهناك أيضاً مطاردة الذيل وتشويه الذات، ولذلك ينصح الباحثون بضرورة منح القطط المزيد من الوقت في الخارج وتوفير الغذاء المناسب والمعاملة الجيدة.
الاكتئاب.. وفاة الوليف تكسر قلبها
يعتقد العديد من العلماء أن الحيوانات تعاني من الاكتئاب أيضاً، ولكن نظراً لعدم قدرة الحيوانات على الكلام، غالباً ما يصعب تشخيص الاكتئاب.
ولذلك يعتمد العلماء على ملاحظات السلوك والمزاج الواضح، لذلك لا يحب الباحثون استخدام كلمة (الاكتئاب)، بل (السلوك الشبيه بالاكتئاب).
لنأخذ على سبيل المثال الدب أورتور، الذي توقفت عنده الحياة منذ وفاة حبيبته (بسبب السرطان) عام 2012.
رفض التواصل مع سائر الحيوانات، مكتفياً بإحناء رأسه تماماً كأنه يبكي على الأطلال.
قضى سنواته الأخيرة في التقدم صعوداً وهبوطاً. كما شوهد وهو يهرول من جانب إلى آخر ويعرض أسنانه كعلامة على عدم الارتياح.
فقد رغبته في تناول الطعام وخسر الكثير من وزنه.
لقب أرتورو بالدب القطبي الأكثر حزناً في العالم، وكان آخر دب قطبي أسير في الأرجنتين وتوفي في الثلاثين من عمره عام 2016.
كان مقيماً في حديقة حيوان مندوزا منذ سن الثامنة، وتحركت حملة عالمية لتحريره من حديقة الحيوانات الأرجنتينية بعد اكتئابه.
أراد القائمون على الحملة نقله إلى كندا إلى "حديقة حيوانات أكثر ملاءمة بعيداً عن درجات الحرارة المرتفعة بالأرجنتين".
وتم جمع أكثر من نصف مليون توقيع تطالب بنقله، لكن مدير حديقة الحيوان في ذلك الوقت ارتأى أن أرتورو أكبر من أن يتم نقله بأمان.
التوحد.. تعاني الحيوانات من الأمراض النفسية وتُصاب بالتخلف
وجدت دراسة أجريت عام 2015 من قبل الكلية الأميركية للسلوك البيطري أن هناك سلوكيات شبيهة بأعراض مرض التوحد تظهر على الحيوانات.
من عوارضها مطاردة الذيل والانسحاب الاجتماعي والرهاب والتحديق بهدوء في الفضاء.
ووجد الباحثون أن مطاردة الذيل منتشرة بين الكلاب الذكور، وغالباً ما يتم ذلك أثناء حالة توحي وكأن الكلب مغيب.
ووجدوا أن الكلاب التي وصفت بأنها مصابة بالتوحد أظهرت مؤشرات حيوية رئيسية تشابه الأطفال المصابين بالتوحد، أي المستويات الأعلى من الهرمون الذي يفرز النيوروتنسين والكورتيكوتروبين.
وتبين أن هذا السلوك المتكرر يحدث في الكلاب ذات متلازمة الكرومسوم إكس الهشة، وهي نتاج خلل جيني وراثي، وتعتبر أحد أسباب للتوحد، وأنواع متعددة من التخلف العقلي.