بعد "تسونامي" ألعاب الفيديو والحواسب اللوحية، تعود ألعاب اللوحات التقليدية شيئاً فشيئاً من بابٍ أقفلته وسائل التكنولوجيا الحديثة؛ التواصل مع الآخرين.
دعك من لعبة Candy Crush وFifa وCall of Duty، فجيل الألفية بدأ يتخلى تدريجياً عن وَلَعه بأجهزة تحكُّم X-Box والهواتف الذكية، للاستمتاع بألعاب استهوت آباءهم وأجدادهم في الماضي.
Monopoly وRisk وScrabble مجرد عينات من خيارات متنوعة كانت تسلية جيل الثمانينيات والتسعينيات. واليوم يبحث أولاد هذا الجيل عن تلك الألعاب ليتشاركوا المرح مع ذويهم ويبتعدوا -ولو لفترة قصيرة- عن الشاشات.
تخيَّل المشهد؛ طاولة غرفة المعيشة عليها اللعبة جاهزة، يجتمع حولها الأبوان والأولاد وبعض الوجبات الخفيفة اللذيذة. سهرة عائلية بامتياز، تعطي الأهل فرصة ظريفة للتقرب من أولادهم، وتسمح لهم بتقديم بديل عن كل ما هو إلكتروني.
هذه الرغبة في إعادة التواصل، انتقلت من غرف المعيشة إلى بعض المقاهي ببريطانيا. وعلى رفوف هذه المقاهي، تنتشر مئات الألعاب – كالكتب المرصوصة – لمن يودُّ قضاء بعض الوقت مع أصدقائه حول لعبة، ينظر فيها إلى عيني المنافس مباشرة ويخاطبه وجهاً لوجه.
من هذه المقاهي، Thirsty Meeples في أكسفورد وDraughts بلندن، تضم كل منهما ما لا يقل عن 800 لعبة.
الولع العائد من الماضي بهذه الألعاب لم يكتفِ بأن يكون مجرد هدايا عيد ميلاد أو "لمّة الأصدقاء" في مقهى؛ بل تطور إلى معرض سنوي بمدينة برمنغهام البريطانية، والذي يعتبر ثالث أكبر مؤتمر للهوايات والألعاب في العالم.
40 ألف شخص في 3 أيام لممارسة هذه الهواية
في مطلع يونيو/حزيران 2018، سيتوجه عشرات الآلاف من الأشخاص إلى مركز المعارض الوطني في برمنغهام؛ لحضور معرض الألعاب Games Expo، في نسخته الـ 12، ليجتمعوا حول مختلف أنواع الألعاب اللوحية؛ بدءاً من الكلاسيكية، على غرار لعبة Monopoly، وScrabble، وCluedo، وصولاً إلى لعبة Warhammer، وألعاب البطاقات المتبادلة.
معادلة النجاح: تكلفة قليلة ولعبة جماعية
من جهته، أفاد مدير المعرض، طوني هايمز، لصحيفة The Guardian، بأن "هذا الحدث انطلق سنة 2007، في خضم الأزمة المالية. لذلك، توقعنا مواجهة العديد من الصعوبات، كما تقبَّلنا احتمال أن تكون مجرد فعالية محلية متواضعة. استقبلنا بالسنة الأولى 1200 مشارك في غضون يومين فقط، أما هذه السنة فنتوقع حضور ما يقارب 40 ألف شخص على مدى 3 أيام".
وأضاف هايمز، "كنا ندرك جيداً طبيعة الأوضاع المالية وأن المشاركين ليس بحوزتهم مبالغ كبيرة من المال، وأردنا أن نمنحهم عطلة نهاية أسبوع رائعة. لذلك، أبقينا الأسعار متدنية إلى حد ما، ووفرنا لهم أكبر قدر ممكن من الفقرات الممتعة. ومن ثم، أوجدنا معادلة خدمت جميع الأطراف. في الواقع، لاحظنا نمواً واضحاً في معدلات الإقبال على الألعاب اللوحية في السنوات العشر الماضية".
وبيَّن هايمز أنه "في حين أن الإنترنت يعد تكنولوجيا رائعة، إلا أن التمتع برفقة العائلة والأصدقاء واللعب معاً أصبح أمراً في غاية الأهمية. فقضاء بعض الوقت بعيداً عن شاشات الهواتف وأجهزة الكمبيوتر، بهدف الحديث واللعب والاستمتاع بشكل جماعي، بات أمراً ممكناً من خلال الألعاب اللوحية".
الألعاب القديمة لا تتطلب الشراء المتواصل مثل الإلكترونية
من جانب آخر، أشار هايمز إلى أن شراء الألعاب اللوحية "يندرج تحت مظلة التوفير من الناحية المالية". ففي الغالب، لم تعد ألعاب الفيديو الموجودة على أجهزة الألعاب الإلكترونية أو حتى على الهواتف المحمولة، تقتصر على الدفع مرة واحدة لمواصلة اللعب. وعند مقارنة الألعاب اللوحية، التي لا تتطلب أي عملية شراء أو دفعٍ إضافية، بالألعاب والتطبيقات التي تتضمن عمليات شراء متواصلة، تبدو هذه الألعاب الكلاسيكية أكثر جاذبية وأوفر.
تجدر الإشارة إلى أن صانعي الألعاب الإلكترونية واجهوا موجة غضب من قِبل المستخدمين. ويُعزى ذلك إلى تضمينهم عمليات شراء إضافية في كل من لعبة "فيفا 2018″، "وستار وورز باتلفرونت 2″، تكون تكلفتها في بعض الأحيان مرتفعة للغاية، وقد تصل إلى أسعار خيالية. ويعد هذا الأمر أحد الأسباب التي دفعت إلى محاولة جعل عدد كبير من الألعاب الإلكترونية يتحول إلى ألعاب لوحية.
حققت كل من لعبة الحرب العالمية الثانية "أتومبانك" وسلسلة ألعاب Fall Out 4 نحو 450 مليون دولار في الساعات الـ 24 الأولى من إطلاقها. وحالياً توجد رغبة في تحويل هذه الألعاب الإلكترونية إلى ألعاب لوحية، على غرار لعبة Doom.
تعتبر هذه الألعاب جزءاً من الاتجاه السائد للاهتمام بـ "النسخ الملموسة" من الأشياء عوضاً عن النسخ الرقمية، على غرار العودة إلى الكتب والأسطوانات الموسيقية. كما تعد هذه الألعاب مناسبة لكل الأجيال والفئات العمرية.
منصات ألعاب الفيديو مثل بلاي ستيشن وإكس بوكس وWII، غالباً ما تضم جهازي تحكُّم فقط، ما يعني استبعاد سائر أفراد العائلة، فضلاً عن جهل الأهل بالتحكُّم في الريموت. أما الألعاب اللوحية، فتسمح للجميع بقضاء وقت ممتع دون استبعاد أي أحد.
فكرة مقهى ممتازة، أليس كذلك؟