إنها الواحدة صباحاً، وطابورٌ طويلٌ لنحو 300 من المراهقين يرتدون ملابس رياضيةً متشابهةً للغاية بحي سوهو في لندن. نَشَبَ شجارٌ معتاد، ولكن رغم ذلك فالجو العام هادئٌ ومُثقلٌ بالترقُّب.
وخلافاً لما قد تُفكِّر فيه، فهذا ليس طابور دخول نادٍ أو ملهى ليلي، فقد جاء هؤلاء من كل حدبٍ وصوب للتخييم عند متجر Supreme بلندن؛ للحصول على فرصتهم في التخفيضات التي يقيمها كل أسبوع.
ولمن لا يعرف،فمتجر Supreme هو علامةٌ تجاريةٌ لأدوات التزلُّج، تأُسِّس في تسعينيات القرن العشرين بنيويورك، ثم تتابعت فروعه بعد ذلك.
هذا الهوس بموضة الشارع ازداد في السنتين الأخيرتين، لتحصده قناة أسسها 4 شبان انطلقت من موقع يوتيوب إلى العالمية وليس العكس.
اسمها PAQ، وهي متخصصة في موضة الشباب فقط. يقول أحد مؤسسيها، إلياس رياضي، لصحيفة The Guardian البريطانية "إنه ضربٌ من الجنون، فالناس يصطفُّون ويقيمون في خيامٍ. بنيويورك أغلقت الشرطة الطُرُق؛ لأن متجر Supreme لديه تشكيلةٌ جديدةٌ؛ فالأطفال سيتدفَّقون بغزارةٍ على المتجر للحصول على التيشرت الجديد".
وتحتكر العلامات التجارية لما يُعرف باسم "ملابس الشارع" موضة ملابس الذكور منذ سنتين، ولكن هذا النمط من الملابس ذا الجذور الثقافية المرتبطة بموسيقى الهيب-هوب وبدوائر التزلُّج هو الآن الزي العصري المعتمَد لصغار الشباب في أنحاء العالم.
قناة شبابية انطلقت من يوتيوب
ومع الطلب المتزايد على موضة "ملابس الشارع"، استوحى "رياضي" إطلاق قناة PAQ مع 3 من أصدقائه؛ هم: داني لوماس، وشاكويل كيث، وديكستر بلاك؛ إذ انطلقت في فبراير/شباط 2017، مع الحلقة الافتتاحية التي خُصِّصت لبيع زيِّ "النار" بميزانيةٍ بلغت 50 جنيهاً إسترلينياً (ما يقرب من 70 دولاراً). واليوم حقَّقوا أكثر من مليون مشاهَدةً، ولديهم أكثر من 170 ألف مشترك في قناتهم على يوتيوب.
وقال إلياس موضحاً، "إن قناة PAQ تشبه برنامج Top Gear، الشهير والمُتخصِّص في السيارات، ولكن بمجال الملابس". وكان إلياس عارضاً في مدينة واتفورد، ثم توصل لفكرة إنشاء علامةٍ تجاريةٍ لهذا النوع من الملابس بعدما لاحظ الحاجة لوجود منصةٍ خاصةٍ بصغار الشباب يتحدثون فيها عن الملابس دون رقيب. "فدائماً ما تكون صيحات الموضة شديدة الجدية.
ويضطر الناس دائماً إلى ارتدائها، خاصةً الشباب منهم، إننا نرغب في نمط ملابس أكثر عصريةً"، على حد قوله.
أبطالها 4 شبان بأذواق وشخصيات مختلفة
ولا يبدو أن إلياس لم يخضع قطّ في حياته لصيحات الموضة، فعندما قابلناه كان يرتدي – كأنه متسابقٌ في سباقات فورمولا للسيارات – جاكيت فيراري أحمر اللون وقبعة من اللون نفسه وملابس رياضية من أحدث ما أنتجته علامة Christopher Bailey.
ولا يمكن وصف أحد هؤلاء الأربعة بأنه منصهرٌ تماماً في الآخرين، فكلٌّ منهم لديه طابعه الخاص في نمط "ملابس الشارع"، مع نكهتها الخاصة من الموسيقى والتفضيلات الفنية.
فداني، وهو ممارِسٌ لرياضة التزلج، يمكن أن يكون ترتيبه في الستينيات بمعطفه من نوع هارينغتون، وهو جاكيت يصل طوله إلى الخصر وتحدُّه تعريجاتٌ بُنية اللون.
أما شاك، وهو طالب فنونٍ وشاعرٌ موهوب، فنمطه في "ملابس الشارع" أكثر غرابةً. فهو يرتدي قبعةً سوداءَ مُوَقَّعةً، وقرطاً ذهبياً سميكاً في أذنيه، ما يجعله يبدو مغني الراب المحب للأطفال توباك شاكور.
وأما دكس، فربما يكون الأقل بهرجةً؛ فهو يرتدي ملابس رياضيةً وقبعةً من اللون نفسه. ويعرض سبب اختياره النمط الداكن، قائلاً: "حاولت ارتداء ألوانٍ، ولكنها لا تتفق مع شخصيتي".
وتعتمد المرح والمغامرات لاختبار الملابس
وعلى الرغم من أن قناة PAQ متخصصة في عرض الأزياء بالأساس، فإن حضور الشباب وسرعة بديهتهم جزءٌ من الترفيه. فكل حلقةٍ تعرض الشباب الأربعة وهم يتعرضون لتحدٍّ يتصل بالموضة، مع مواقف طريفة في أغلب الأحيان.
وبإحدى الحلقات كان الشباب في مهمة تجربة منتجات علامات تجارية؛ ليتمكنوا من تحديد مدى تحمُّلها الظروف المناخية الصعبة. ولفعل ذلك بدأوا باللهو في منطقة "ليك ديستريكت" الجبلية بإنكلترا؛ إذ بدأوا بالتراشق بالطين، وانتهوا بتسلق جبلٍ صغير.
وتحاول إبعاد صبغة الابتذال والتمرد عن الملابس الرياضية
ويمثِّل الأصدقاء الأربعة، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و22، حركةً أكبر، رأت أن الشباب أصبحوا محلَّ تجربةٍ لصيحات الموضة. كانت الملابس الرياضية حتى السنوات القليلة الماضية هي الزي الذي يرتديه المحرومون، وكان القميص ذو غطاء الرأس علامةً على السلوك المعادي للمجتمع. لكن في العامين الأخيرين تصالحت الثقافة الشبابية مع الملابس الرياضية وأعادت تعريفها كملابس موافِقة للموضة.
منح ازدياد شعبية علامات المستلزمات الرياضية كعلامات مثل Supreme وStussy وPalace، وغنيٌ عن الذكر بالتأكيد العلامات التجارية الكبيرة مثل Adidas وNike وReebok، الشبابَ تنوعاً كبيراً ليختاروا منه ومساحةً كبيرةً للتجريب.
تستخدم الموسيقى والإنترنت أدوات للتأثير
ويشرح داني قائلاً، "غيَّرت ثقافةُ الإنترنت الموضة. فحساباتٌ مثل Poundland Bandit على إنستغرام تُلقي الضوء على التصورات النمطية التقليدية، ولا أحد يرغب في أن يُصنف باعتباره واحداً من هذه المجموعات. فسيُغرِّد شخصٌ ما بصورةٍ له بمظهرٍ ما، وستجد نفسك تقول (يا إلهي! إنني أرتدي مثل هذا تماماً). فلن يرغب طفلٌ في أن يبدو تقليدياً".
وتعد الموسيقى إحدى القوى المحرِّكة لهذه الصرعة الجديدة من ملابس الرياضة، تماماً كما هو حالها في معظم الحركات الشبابية. ولعب فنانو موسيقى الغريم والهيب-هوب دوراً محورياً في تغيير الثقافة المحيطة بملابس الشارع، ولم يقتصر هذا الدور على مجرد منح هذه الموسيقى منصة من خلال شعبيتهم المتزايدة؛ بل أيضاً من خلال إعادة تشكيل الصورة الذهنية عما يمكن للشباب ارتداؤه.
وتحت هذه الأزياء الزاهية، تنبض قلوبهم جميعاً بالطموح. وحظيت إحدى حلقاتهم بما يربو على مليون مشاهدة، وينظرون جميعاً إلى الموضة باعتبارها أداء لتسليط الضوء على قضايا أكبر.
"نحن الفرسان الأربعة"
ويمتلك هؤلاء الشباب، وهم في سن العشرين، وعياً بموقعهم في دائرة التأثير ويريدون استخدامه لصنع تغيير جديد. ويقول إلياس "نحن الفرسان الأربعة"، ليوافقه شاك "نحن الحراس". أما ديكس، فيقول "أما أنا، فأميل إلى قول إننا من الجيداي. ولكنني أرتدي الأسود اليوم؛ لذا فيمكن أن أكون من السيث".