بيوت مدمَّرة ومدارس مهجورة، لا صوت فيها يمزق الصمت إلا وقع خطوات متلاحقة، ولهاث بعض الراكضين. حينما تمعن النظر فيهم تجدهم ينتقلون من مكان لآخر بسرعة كبيرة، مستخدمين حركات خطرة لا تخلو من القفز في الهواء أو الهبوط من أعلى جدار ما إلى أرض ممتلئة بالأتربة.
هم مجموعة من الشباب الحلبيين، يعشقون رياضة الباركور "الخطرة". قرروا ممارستها في مكان زاد من خطورتها، إذ اختاروا أحياء مدينتهم الشرقية، التي طالتها يد الحرب بشدة وأفقدتها سكينتها ومعالمها، وحوَّلتها لكومة من الأحجار والأطلال.
والباركو هي رياضة تخطي حواجز وموانع، تشمل حركات قفز وحركات بهلوانية دورانية، أمامية أو خلفية أو دورانية معكوسة من الخلف إلى الأمام، كما تضم بعض حركات الجمباز لكن بقوانين أخرى.
هؤلاء الشباب كوَّنوا فريقاً لهم من 4 سنوات، وتتراوح أعمار أعضائه بين 16-19 سنة، يدرس غالبيتهم في التعليم الثانوي. يرأسهم المدرب عمر كوشة وهو مصور وصحفي من مدينة حلب.
الباركور رياضة عالمية، تأسست في فرنسا عام 2005، وبالنسبة لكوشة (30 عاماً)، فقد تعرَّف عليها في البداية عن طريق الأفلام السينمائية، ثم بدأت تنتشر فيديوهات لها عبر اليوتيوب، وبدأ يظهر لاعبوها عبر البرامج التلفزيونية المخصصة للهواة.
وصلت هذه الرياضة إلى سوريا منذ عام 2010 تقريباً، وبات لها جمهور، لكن كوشة يقول إن الإمكانات ضعيفة جداً ومحدودة "نتدرب عليها بطريقة مختلفة كلياً عن الطريقة التي تمارس في بقية دول العالم، إذ لا توجد عندنا صالات، أو نواد مؤهلة".
ورغم أنه تمكن من ضمها للاتحاد الرياضي، إلا أنهم لم يحصلوا على أي دعم أو مساعدة. جل ما نالوه هو منحهم نادياً مخصصاً لألعاب القوى لفترة من الزمن، قام خلالها كوشة بتدريب مجموعة من الشباب.
وأوضح كوشة أنه بالإضافة لمن درّبهم، يوجد شباب آخرون في حلب تدربوا بشكل منفصل، لكنهم قرروا لاحقاً الانضمام لتجمعهم الحالي "باركور حلب"، الذي يضم صفحة على الفيسبوك وقناة على اليوتيوب.
وأمام الإقبال الحلبي على هذه الرياضة، تلقى الفريق دعوات عديدة للمشاركة في فعاليات مختلفة، تنظمها جهات رسمية. يقول كوشة إنهم شاركوا ضمن فعالية "كفى عنف"، فقاموا بتقديم عرض مدته 5 دقائق، كما شاركوا بعروض على خشبات المسرح ومدتها أكثر من 5 دقائق، و"شاركنا في فعاليات تنظمها جهات رسمية ضمن الأعياد مثل عيد الطالب، وعيد المسرح الجامعي في اللاذقية ومهرجان العرب المسرحي في اللاذقية، وغيرها".
انتشار عالمي
لكن الشهرة الكبرى التي حقَّقها الفريق جاءت بعد تصوير إحدى الوكالات العالمية لهم وهم يمارسون تدريباتهم في أحياء مدينة حلب الشرقية المدمرة.
من يومها تداول الآلاف صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم، وعرف الكثير من السوريين بوجود هذه الرياضة في بلادهم وهذا الفريق، كما عرف الكثيرون حول العالم بوجود شيء مختلف في سورية ولافت، بعيداً عن أخبار الحرب والموت.
AFP News Agency ?VIDEO: The rubble of war-torn Aleppo provides challenging new terrain for parkour enthusiasts Omar Kosha and his friends ?
Gepostet von Aleppo Parkour am Dienstag, 10. April 2018
يشرح كوشة سبب اختيار هذه الأماكن، فيقول إنهم يمارسون الرياضة في هذه الأحياء المدمرة كبديل عن فقدان الأماكن المخصصة لهم، وكي يتصرفوا بحرية دون إزعاج من أحد.
وأضاف أن "المكان يساعدنا كثيراً، فأكوام الرمل والأتربة تقدم لنا الحماية من الإصابات، وهي أفضل مِن تدريبنا في مكان يحتوي على بلاط أو رخام، إذ قد يسبب لنا الأذى في حال سقوط أي لاعب".
ويوضح كوشة الذي تواجد بشكل دائم مع فريقه في هذه المنطقة، أنهم يريدون نقل رسالة للجميع بأن سوريا ما زالت تملك الكثير، وفيها شباب ينبضون بالحياة، كما أن هذه الأحياء ليست مجرد أنقاض ودمار، بل يمكن أن تعود لها الحيوية، "هذا ما نتمناه ونسعى له".
هم يحلمون أن يعاد إعمار المكان، وأن يرجع له سكانه الأصليون حتى لو خسروا هم كفريق ساحة لعبهم.
يختم كوشة حديثه بأنهم يملكون مشاريع كثيرة، أهمها تأسيس تجمع كبير لهذه الرياضة، قد يكون في العاصمة أو أي محافظة أخرى، كما يحلمون بإقامة بطولة للباركور.
أما على الصعيد الشخصي فهم يحضرون لإقامة فيديو احترافي سيصور داخل مدينة حلب.