في عدد هذا الأسبوع من المجلة الأمريكية للطب النفسي (The American Journal of Psychiatry)، يجد القارئ مفاجأة نادرة: بشرى سارة لضحايا الاكتئاب الحاد المقاوم للعلاج، وتحذيراً لمجلس إدارة المجلة من مخاطر استخدام هذا "العقار سيء السمعة".
إنه عقار الإسكيتامين (Esketamine)، وهو رذاذٌ أنفي مُستَخلَص من العقار المُخدِّر كيتامين (Ketamine)، والبشرى التي يزفها أحد تقارير المجلة، هي أن بعض الأطباء النفسيين يرون أن هذا العقار قد يشكل تقدُّماً كبيراً في علاج الاكتئاب الانتحاري، وفقا لتجارب سريرية.
التحسن يبدأ بعد 4 ساعات فقط
قال الباحثون، في دراسةٍ نُشِرَت هذا الأسبوع بالمجلة الأميركية للطب النفسي، إنَّ اختبار الإسكيتامين نتج عنه "تحسُّنٌ سريع في الأعراض" لدى الأشخاص الذين يعانون اكتئاباً حاداً مقاوِماً للعلاج.
وقد أكمل 49 مريضاً تجربة العلاج التي استمرت 4 أسابيع. وتم أخذ الجرعات مرتين يومياً، وسرعان ما أظهر الإسكيتامين أثراً ايجابياً؛ إذ شَهَدَ من تلقوا العلاج نقصاً كبيراً في أعراض الاكتئاب، بعد 4 ساعات فحسب من الجرعة الأولية. ووَصَفَتها كارلا كانوسو، الباحثة الرئيسية في الدراسة والتي تعمل مع شركة جانسن للأدوية، بأنها "قويةٌ بشكلٍ كبير".
لكن الدواء من عائلة المسكنات الأفيونية
لكنَّ مقالاً افتتاحياً نادراً، وقَّعته أغلبية مجلس إدارة المجلة الأميركية للطب النفسي، في العدد ذاته الذي ظهر فيه البحث، عبَّروا فيه عن قلقهم العميق من مخاطر استخدام عقار ذي تاريخ من سوء الاستخدام.
رئيس تحرير المجلة روبرت فريدمان قال، "لقد شعرنا بأنَّ ثمة مشكلة بحاجةٍ إلى اهتمامٍ خاص؛ لأنها، على الأقل، تشتمل على احتمالية التسبُّب في مشكلاتٍ مشابهة لمشكلة المُسكِّنات الأفيونية. هذا هو شاغلنا الأساسي".
وعقار الكيتامين مُخدِّرٌ سريع المفعول، وكان جزءاً مهماً من الأدوات التي يستخدمها المُمَرِّضون في أرض المعارك خلال حرب فيتنام. وصار العقار معروفاً، خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات، من القرن الماضي باسم Special-K لخصائصه التخديرية.
والأعراض تعود مرة أخرى بعد 4 أسابيع
وكانت إدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة (FDA) قد مَنَحَت عقار الإسكيتامين تصنيف "عقار واعد" في العام 2016، وتُسرِع الإدارة حالياً من عملية الاعتماد. وقد تحقَّقت المرحلة الثانية من التجربة السريرية للعقار، والتي جرت الأسبوع الجاري، من فاعلية وأمان العقار، وكانت أول تجربة عشوائية، استُخدِمَ فيها عقار وهمي، ويعالج فيها أشخاصٌ يعانون بالفعل أفكاراً انتحارية. وتجري حالياً المرحلة الثالثة من الاختبار.
وقد استمر التناقص السريع للأعراض في التجربة الجديدة فترة وجيزة فحسب؛ إذ تباطأ التحسُّن الكبير الأولي في اليوم الثالث، مقارنةً بالمرضى الذين تناولوا الرذاذ الوهمي. وبنهاية التجربة، بعد 4 أسابيع، لم يكن ثمة فارق بين المجموعة التي تناولت الإسكيتامين، والأخرى التي تناولت العقار الوهمي.
ومع ذلك، فقد كان التحسُّن السريع للأعراض الانتحارية في الساعات الأولى مُشجِّعاً للمرضى والباحثين والأطباء النفسيين المستقلين، لا سيما أنَّ فاعلية مضادات الاكتئاب التقليدية تستغرق من 4 إلى 6 أسابيع لتبدأ في العمل.
وقالت كارلا كانوسو، "أعتقد أنَّ ثمة جيلاً جديداً من العقارات المضادة للاكتئاب قيد التطوير". وأضافت أنه على الأقل "قد أعطانا هذا العقار الفرصة للنظر في المسارات البيوكيميائية التي قد تكون مهمة في الاكتئاب".
وحذَّرَ بعض خبراء الصحة العقلية من أنَّ الكيتامين قد بولغ في أهميته، بالنظر إلى أنَّ تأثيره يتناقص خلال أيام، وأحياناً ساعات، حيث قال ألان شاتزبرغ، الرئيس السابق للجمعية النفسية الأميركية، "هل سيعطي هذا العقار أملاً زائفاً للناس؟ ما الذي تفعله بعد ذلك؟ لأنَّ أولئك الناس عادةً ما يكونون انتحاريين بشكلٍ مزمن".
ولا يستطيع الباحثون أيضاً التأكد من أمان العقار؛ إذ قد يتسبَّب الاستخدام غير القانوني للكيتامين في آثارٍ جانبية خطيرة، مثل قرح المثانة، ومشكلات الكلية وضعف الذاكرة.