يسلّم الكثيرون للاعتقاد الخاطئ بأن حُب الناس شخصاً معيناً أمر يرجع لمجموعة من السمات الطبيعية غير القابلة للتعلّم، والتي لا يملكها سوى حسني المظهر، والاجتماعيين ومن يتمتعون بمواهب عظيمة.
فيما يرى الطبيب ترافيس براد بيري مؤلف كتاب Emotional Intelligence أنه من السهل أن يقع الإنسان فريسة لهذا الافتراض الخاطئ، بينما في الواقع، إشكالية أن يصبح الشخص محبوباً تخضع لسيطرة المرء على ذلك، علاوةً على كونها مسألة ذكاء عاطفي.
يستند براد بيري في تقرير نشره في النسخة الأميركية من موقع "هاف بوست" بدراسة أُجريت بجامعة كاليفورنيا، قيّم الباحثون أوصاف أكثر من 500 شخص استناداً إلى ملاحظتهم عن أسباب الإعجاب، ولم تكن للصفات العشر الأعلى تقييماً أي علاقة بكون المرء اجتماعياً أو ذكياً أو جذاباً.
وفي المقابل، كانت صفات الإخلاص، والشفافية، والقدرة على الفهم هي الأهم. هذه الصفات الثلاث ومثيلاتها، هي سمة الذين يتمتعون بالمهارات الاجتماعية التي ينطوي عليها الذكاء العاطفي.
وأظهرت بيانات بحث Talent Smart، التي تعتمد على بيانات أكثر من مليون شخص، أنَّ الناس الذين يمتلكون هذه الصفات لا يحظون بمحبة كبيرة فحسب؛ بل يتفوقون بفارق كبير على نظرائهم المفتقرين إليها.
بيري يرى أن حقيقة رغبتك بأن تصبح شخصاً محبوباً هي مسألة متعلقة بتجنب السلوكيات التي تنتقص من إعجاب الآخرين بك، بقدر ما هي مسألة اكتساب الصفات التي تزيد من حبهم لك.
ويكشف بيري السلوكيات المحورية التي تعرقل المرء إذا ما تعلق الأمر بحب الآخرين له، فاحذر أن تلتصق بك تلك السلوكيات على حين غرة.
1- إسقاط الأسماء
من الجيد أن تكتسب معرفة أشخاص ذوي مكانة ومثيرين للاهتمام، ولكن أن تستغل كل محادثة تخوضها كي تأتي على ذكرهم عمداً، هو محض ادعاء وسخف.
تماماً مثلما يحدث عند التواضع المقصود من ورائه تباهٍ، يستطيع الناس دوماً القراءة بين السطور.
فبدلاً من أن تبدو مثيراً للاهتمام، فإن تعمُّد ذكر أسماء لأشخاص ذوي مكانة في منتصف حديثك مع آخرين سيشعرهم كما لو أنك غير مطمئن لحالك ومبالغ في الاهتمام بحملهم على الإعجاب بك، علاوةً على تقليله من قيمتك الحقيقية كإنسان.
فعندما تربط كل كبيرة وصغيرة تعرفها، بمن تعرفهم من المشاهير، بدلاً من ربطها بما تعرفه أنت عن العالم أو بمعتقداتك الخاصة، فستتخذ محادثاتك إيقاعاً ضحلاً.
يكره الناس عبيد الاهتمام. أن تصبح ودوداً ببساطة ومراعياً، هو كل ما تحتاجه كي تكسب الآخرين، عندما تتحدث بنبرة صادقة وواثقة وبأسلوب موجز، يصبح الناس أكثر اهتماماً بما تقوله وقابلين للاقتناع به عما إذا حاولت إظهار أهميتك. الناس ينجذبون بشكل أسرع مما تتخيل إلى السلوك المثالي.
2- الابتزاز العاطفي
تطبق الشركة التي أعمل بها نظام تقييم دورياً للموظفين. لذا كثيراً ما نصادف ردود فعل انفعالية للعاملين، تتدرج من إلقاء الأشياء والصراخ إلى حمل الآخرين على البكاء وغيرها من مؤشرات ودلائل الابتزاز العاطفي.
يعد الأخير علامة على الذكاء العاطفي المتدني، فما إن تُظهر هذا القدر من انعدام الاستقرار، سيبدأ المديرون في التساؤل حول ما إذا كنت جديراً بالثقة وقادراً على الإلمام بزمامك عندما يستلزم الأمر، أم لا.
من جانب آخر، فإن الانفعال في وجه أي واحد، بغض النظر عن مدى استحقاقه هذا الانفعال، قد يتسبب في استرعاء انتباهٍ سلبي تجاهك؛ إذ يتم تصنيفك باعتبارك إنساناً غير مستقر، ولا يمكن إخضاعه ومهوّلاً للأمور، في حين أن التحكم في عواطفك يضمن لك مكانة آمنة دوماً.
عندما تكون قادراً على التحكم في انفعالاتك أمام شخص يسيء إليك، سيبدو هو في موقع الشخص السيئ بنهاية المطاف بدلاً منك.
3- مطالعة هاتفك
لا يوجد ما هو أكثر تنفيراً من رسالة نصية تجريها في منتصف محادثة، أو حتى اقتناص لمحة سريعة لهاتفك.
فإذا ما التزمت بمحادثة، فاحرص على تركيز طاقتك بها، ستلاحظ أن المحادثات شائقة بصورة أكبر وفاعلة إذا ما غمرت ذاتك بداخلها.
4- التواضع الذي ينمّ عن تَباهٍ
نعرف جميعاً ذلك الشخص المعتاد المفاخرة بنفسه من وراء قناع الإحساس بالنقص الذاتي.
على سبيل المثال، تلك الفتاة التي تعتاد السخرية من نفسها لمعاملتها كمعتلّة بينما هي في الحقيقة تحاول بسخريتها استرعاء الانتباه لحقيقة كونها ذكية. أو ذلك الفتى الذي يتعمد السخرية من حاله لاتباعه حِمية غذائية صارمة، بينما هو فقط يفعل ذلك للتباهي أمامك باهتمامه بصحته.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أن انتقاص الذات يحجّم نزعاتهم المتبجّحة، يرى الآخرون الأمر على حقيقته، وهو ما يجعل التفاخر أكثر إحباطاً؛ لأنه ليس مجرد تفاخر؛ بل محاولة للخداع.
5- أن يكون لديك عقل منغلق
إذا أردت أن تصبح محبوباً، فعليك أن تكون منفتحاً تجاه الآخرين، وهو ما سيجعل منك شخصاً مثيراً للاهتمام ويمكن تبادل الحديث معه.
لا أحد يريد إجراء محادثة مع شخص قد كوّن رأيه تجاه الآخرين بالفعل ولا نية لديه للاستماع. على جانب آخر، فإن امتلاك عقل منفتح يعد أمراً حيوياً في أماكن العمل؛ إذ يعني بالضرورة إمكانية الوصول لأفكار جديدة وتقديم العون.
ولنزع الآراء والتصورات المسبقة والأحكام، عليك أن ترى العالم من خلال أعين الآخرين، الأمر لا يتطلب أن تؤمن بما يعتقدونه أو أن تتبنى سلوكياتهم، لكنه يعني ببساطة أن تقلع عن تمرير الأحكام مدة طويلة بما يكفي؛ لتتمكن من فهم وجهات نظرهم المختلفة.
6- عدم طرح أسئلة بما يكفي
الغلطة الكبرى التي يقع بها الناس أثناء إجراء المحادثات المختلفة، هي تركيزهم على ما سيقْدمون على قوله في اللحظة التالية أو كيف سيؤثر فيهم ما سيقوله الطرف الآخر للدرجة التي يعجزون بها عن الإنصات حقاً إلى مُحدثهم.
عادةً ما تخرج الكلمات واضحة ومسموعة، أما المعنى فهو غالباً ما يضيع، ولتجنُّب ذلك عليك أن تسأل كثيراً.
فالناس عادةً ما يحبون عندما يستمع لهم الآخر، وأمر في بساطة سؤال للاستيضاح تبادر به، من شأنه أن يبين لهم أنك تقوم بأكثر من مجرد الاستماع وتهتم بما يقولونه. ستفاجأ بمقدار الاحترام والتقدير الذي سيعود عليك بمجرد طرح الأسئلة.
7- أن تكون شديد الجدية
ينجذب الناس إلى من يفلحون في إظهار الشغف. ومن هذا المنطلق، فمن المفهوم أن يبدو الأشخاص الشغوفون كما لو أنهم شديدو الجدية أو غير مهتمين؛ نظراً لميلهم إلى التركيز فيما يفعلون دوماً.
أما الأشخاص المحبوبون، فينجحون في الموازنة بين شغفهم بأعمالهم وقدرتهم على الإمتاع والتسلية. هم جادون في وظائفهم، لكن ودودون في الوقت ذاته، يفلحون في إنجاز الأمور لطبيعتهم التي تنشط اجتماعياً في فترات زمنية قصيرة، بالإضافة إلى نجاحها في اقتناص لحظات اجتماعية ذات قيمة.
كما يصبون تركيزهم على خلق تفاعلات ذات مغزى مع زملائهم في العمل، وتذكُّر ما قد قيل لهم بالأمس أو في الأسبوع الماضي، ما يدل على أن الأشخاص بالنسبة لهم، مكافئون للعمل في الأهمية.
8- النميمة
غالباً ما ينجح الناس في تصدير صورة بشعة عن أنفسهم من خلال النميمة.
فالتهاون بالحديث عن آثام الآخرين ومصائبهم قد يجرح شعورهم إذا ما وجدت تلك الثرثرة طريقها إليهم. وبشكلٍ عام، تعد النميمة وسيلة مضمونة لإظهارك في صورة سلبية وحاقدة.
9- مشاركة الكثير للغاية في وقت مبكر للغاية
في الوقت الذي تتطلب فيه معرفة الناس قدراً صحياً من المشاركة، قد تؤدي مشاركة الكثير عن نفسك في فترة مبكرة لنتائج عكسية.
لذا، كن حذراً من مشاركة مشاكلك الشخصية واعترافاتك بمعدل سريع، فعادةً ما يترك الأشخاص المحبوبون الدفة للطرف الآخر ليحدد هو التوقيت المناسب للانفتاح والمشاركة.
بالمثل، فإن الإفراط في المشاركة ينمّ عن الهوس بالذات ويشكل معياراً غير حساس لموازنة المحادثة.
فكِّر في الأمر على هذا النحو: إذا تطرَّقت إلى أدق تفاصيل حياتك دون السؤال عن الطرف الآخر، فإن ذلك يوصل له رسالة بأنَّك لا تعتبره سوى أذن تستمع إلى مشاكلك.
10- مشاركة الكثير على الشبكات الاجتماعية
أظهرت الدراسات أن المفرطين في المشاركة من خلال الشبكات الاجتماعية، يقومون بهذا نتيجة عوزهم للقبول. إلا أن مركز بيو البحثي (Pew Research Center) كشف أن المشاركة المفرطة هذه تنقلب ضدهم بحثّ الآخرين على النفور منهم.
صحيح أن المشاركة على الشبكات الاجتماعية يمكن لها أن تصبح وسيلة تعبير هامة، إلا أن ذلك يجب أن يتم بعناية وبكثير من مراقبة الذات.
فيما يتعلق بإعجاب الآخرين، فإن إطلاع الجميع على ما قد تناولته على الإفطار، والغداء والعشاء، جنباً إلى جنب مع معرفتهم بعدد المرات التي اصطحبت فيها كلبك للتمشية، كل هذا من شأنه الإضرار بك أكثر من عودته عليك بأية منفعة.
الخلاصة:
عندما تصبح أكثر وعياً بكيفية تلقي الآخرين لأفعالك، فأنت بذلك تمهد الطريق لحثّهم على الإعجاب بك.