بعد عدة أيام من وصول رياض محمد إلى أميركا العام 2011، أخذه أحد معارِفه جانباً وقال له: "قد يزعجك ما أقول، ولكنَّي أقدم لك هذه النصيحة لمساعدتك".
وكانت النصيحة: لا تستخدم "محمد" كاسمك القانوني في الولايات المتحدة.
ومحمد هو صحفي استقصائي عراقي أميركي، جاء إلى الولايات المتحدة كلاجئ، وكان يستخدم اسم "رياض محمد" في الكتابة للصحف منذ العام 2008، وكان متردداً بشأن تغيير ذلك، وفقاً لما جاء بالنسخة الأميركية لموقع "هاف بوست".
ولكن إن عدنا إلى الوراء بعد سنواتٍ من ذلك، يقول محمد إنًّه يتمنى لو أنَّه عمل بنصيحة صديقه.
وأضاف: "إذا كانًّ الأمر بيدي، ما كنتُ لأحتفظ بهذا الاسم بسبب كل التعقيدات التي واجهتُها، فقد أضر بحياتي العاطفية، وإمكانياتي في العثور على شقة، وعملي، وكل شيء."
ويُعَد اسم محمد اسماً شهيراً لدى العائلات المسلمة، ولكن نظراً لصعود المشاعر المعادية للمسلمين في الدول الغربية، لا يُعَدُّ اسم محمد دائماً اسماً من السهل التعايش معه.
وفي محاولةٍ لتبديد بعض التعليقات التي وُصِم بها الاسم، شارك رياض و14 شخصاً آخرين من مختلف مناحي الحياة في مشروعٍ مُصوَّر باسم "أنا محمد"، يهدف إلى نشر قصصٍ لأنًّاسٍ من مختلفِ الأعمار والأجناس والقوميات يحملون الاسم ذاته.
ويقوم على المعرض ثلاث أشخاص؛ هم أنجلي كولور، وهي ناشِطةٌ سريلانكية كندية في مجال الصحة العالمية وحقوق الأنسان، وجيفري إنغولد، وهو بريطاني كندي يعمل في مجال العلاقات العامة للشركات، ونرمين حيدر، وهي مسلمة باكستانية أميركية تعمل حالياً في مجال الصحة والتنمية العالمية، وجميعهم مهتمون بمعالجة قضية معاداة المهاجرين والمشاعر المعادية للمسلمين في الغرب.
وقالت نرمين حيدر لهاف بوست: "مثل الكثير من المسلمين في أميركا، شعرتُ بحزنٍ بعد الانتخابات الرئاسية، وتسبَّب الأمر في معاودة كل ذلك القلق الذي كان ينتابني حيال سلامة وأمن عائلتي، فبعد ما يقرب من عقدين من خطاب كراهية الإسلام في أميركا، يستحضر الناس تلقائياً صورة الإرهاب عندما يرون شخصاً مسلماً".
وكجزءٍ من التجربة، التي جرت في وقتٍ سابق من هذا العام، تقدَّمت هيئة الإذاعة البريطانية BBC بالسيرة الذاتية لمُرشَّحين وهميين، يُدعى أحدهما آدم هينتون، والآخر محمد علام، من أجل شغل 100 فرصة عمل متوفِّرة.
ومع أنًّ مستويات المرشحين متماثلة في المهارات والخبرات، حصل آدم على 12 مقابلة، في حين حصل محمد على أربعة.
فرصة الأسماء المسلمة أقل 3 مرات
وتشير النتائج إلى أنّ الشخص الذي يحمل اسماً مسلماً في سيرته الذاتية تكون فرصة دعوته لإجراء مقابلة تتعلَّق بالوظيفة أقل بثلاث مرات من الأشخاص الآخرين.
ووجد تقريرٌ صدر العام 2015 عن معهد ديموس، وهو مركز أبحاث بالمملكة المتحدة، أنًّ المسلمين البريطانيين أقل تمثيلاً في الوظائف الإدارية والمهنية من أي مجموعةٍ دينية أخرى، وأيضاً عاطلون عن العمل وغير نشطين اقتصادياً بشكلٍ غير متناسب.
وعزا الباحثون هذا إلى الاختلافات في الخصائص الديموغرافية، والتحصيل العلمي، والخصائص الاجتماعية والاقتصادية، وعوامل أخرى.
لكن رغم ذلك كان جزء من ذلك يعود إلى "التمييز في عمليات التوظيف"، وأوصى مركز الأبحاث أرباب العمل الأكبر بالتحرك تجاه قبول السير الذاتية المجهولة (وهي السير الذاتية التي تُحجَب فيها البيانات الشخصية عن أرباب العمل والمسؤولين عن التوظيف من أجل تقليل احتمالات التمييز).
وفي الولايات المتحدة، وجد الباحثون أنًّ تحديد المسلمين لهُويتهم في السير الذاتية قد يؤدي إلى الحصول على فرص عملٍ أقل.
وفي دراساتٍ نُشرت عامي 2013 و2014، أرسل باحثون في جامعة كونيتيكت سيراً ذاتية مزيفة لوظائف للمبتدئين نُشرت على موقع التوظيف "كارير بيلدر"، تضمن بعضها إشاراتٍ دينية، ووجد الباحثون أنًّ السير الذاتية التي حددت هُوية مقدم الطلب على أنَّه مسلمٌ بطريقةٍ ما، على سبيل المثال بالإشارة إلى أنَّ الشخص الباحث عن العمل كان عضواً في ناد إسلامي بالحرم الجامعي، كانت احتمالات حصولها على ردٍ من جانب أرباب العمل المحتملين أقل بكثير مقارنةً بالجماعات الدينية الأخرى.
وبالنسبة لرياض، فإنّ الصور النمطية عن الأشخاص الذين يحملون اسم محمد تعكس الافتقار إلى الفهم والتعليم.
وأضاف أن هناك حوالي 3 ملايين مسلم أميركي، وربما يحمل الكثير منهم اسم محمد، ولا يمكن أن يكونوا جميعاً إرهابيين أو يُشتبه بأنَّهم إرهابيون، ويجب أن تكون هناك حملة توعية في النظام التعليمي، وفي وسائل الإعلام، لتوضيح ذلك للناس.
ويأمل القائمون على المعرض في أنًّ يوفر نشر قصص هؤلاء الذين يحملون اسم محمد سرديةً مضادة لظاهرة الإسلاموفوبيا السائدة في الولايات المتحدة.
وقالت نرمين "آمل أن نتمكن من خلال هذا المعرض من إظهار أنًّ المسلمين مثلهم مثل غيرهم من الناس، لديهم حيوات معقَّدة وأعمال مثيرة وتحديات يومية".
وإليك بعض الصور والقصص من معرض "أنا محمد"، الذي افتُتِح في مدينة نيويورك السبت الماضي، 22 أبريل/نيسان:
محمد العواودة
وُلد العواودة وترعرع في الأردن لأبٍ فلسطيني وأمٍ أردنية، ويتحدث محمد عمَّا كان عليه الأمر خلال الانتقال من الأردن إلى شيكاغو في سن المراهقة، ويشارك محمد في المعرض معاناته مع هُويتة الذاتية كفلسطيني أردني أميركي.
ويقول العواودة: "لقد كانت هُويتي هي التحدي الأكبر في حياتي.. وهناك الكثير من الأوقات التي أشعر فيها بأنِّي تائهٌ بين كوني أردنياً وفلسطينياً، ولا أتمكن من تحديد إلى أيِّهما أنتمي، أو بين أي المجموعتين يمكن قبولي".
عبد الرحمن محمد السيد
يناقش السيد كيف تغيرت تجربته في الحياة كمصري أميركي بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001، وهو حالياً مرشح للانتخابات القادمة لمنصب حاكم ولاية ميشيغان، وقد يصبح أول مسلمٍ يتولى هذا المنصب في الولايات المتحدة.
ويقول: "قال لي مدربي، استمع: سيظل اسمك عبد الرحمن محمد السيد لبقية حياتك، يمكنك استخدامه إما كعذرٍ أو كدافع لكن بالنسبة لي، كان اسمي دافعاً طيلة حياتي".
أنيسة محمد
أنيسة هي كندية وُلدَت لأبوين مهاجرين أحدهما من ترينيداد والآخر من كينيا، وتناقش في قصتها كيف بدأت في تقبُّل اسمها الأخير، تدريجياً، وتعلُّم كيفية تخطّي الأضرار الناجمة عن العنصرية اليومية.
وتقول "بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، كانت هناك أوقاتٌ أردتُ فيها أن أرى ما سيحدث لو أنّي غيرتُ اسم محمد، ولا يعرف الكثير من الناس من أنا حقاً.
محمد الخضيري
وُلد الخضيري في بغداد بالعراق، وتركت عائلته البلاد وانتقلت إلى هيوستن في ولاية تكساس مع بداية الحرب بين إيران والعراق، على أمل أن يحظى هو وأشقاؤه بحياةٍ أفضل.
والخضيري هو المؤسس المشارك والشريك الإداري لمجموعة الخضيري، وهي شركة تدعم حكومة الولايات المتحدة في جهود إعادة الإعمار في العراق.
ويقول: "لقد استمتعتُ بتنشئةٍ حقيقة في الضواحي الأميركية، وكنتُ في فريق كرة القدم في المدرسة الثانوية، ودرستُ في نهاية المطاف بجامعة تكساس في مدينة أوستن، وكنتُ أول رئيسٍ لنادي كابا ألفا الجامعي".
محمد عبد القادر
وُلد عبد القادر وترعرع في ألمانيا بعد فرار عائلته من الصومال خلال الحرب الأهلية.
ويتابعه أكثر من 800 ألف شخص على موقع فيسبوك، وتشتهر نكاته الرائعة بسرعة انتشارها، ويُناقش موضوع شهرته على الشبكات الاجتماعية وردود الأفعال التي يتلقَّاها بخصوص اسمه.
ويقول: "كانت المشكلة في أنًّ معظم الرسائل التى أتلقاها تكون من أشخاصٍ يهاجمونني لأنَّ اسمي محمد، ويقولون لي أنَّني إرهابي، ويخبرونني كم أنَّني شخصٌ سيئ فقط لأنِّي أحمل هذا الاسم، وأعتنق هذا الدين".
محمد هاشر
هاشر هو عارض أزياء، وممثل، ولاعب ألعاب قوى، وهو يُنهي حالياً سنته الأخيرة في مدرسة بورتاج نورثرن الثانوية في ميشيغان.
واشتهر قبل بضعة أشهر عندما رقص مع شقيقته في حفلٍ راقص للآباء وبناتهم، وحصل على لقب أفضل والدٍ في الفعالية.
وأضاف "يُنظر إلينا بازدراءٍ في جوانب عدّة مختلفة، غير أنَّه لا يُوجَد الكثير مما يستحق ذلك الازدراء.. أعتقد أنّه من المهم إظهار أنَّ المسلمين جميعهم ليسوا كما يعتقد الناس".