الحياة ليست مسألة سهلة بالتأكيد لدى أهل تسيمان، وهم مجموعة من السكان الأصليين تنتشر في أنحاء بوليفيا، بين غابات الأمازون المطيرة.
فالأيام كُلّها تُقضى في صيد الحيوانات، وجمع الثمار، وصيد الأسماك، والزراعة على طول نهر مانيكي من أجل إعالة أنفسهم؛ كما أنه لا توجد طريقة للوصول إلى مياه نظيفة بشكل موثوق، كما يفتقرون إلى وجود نظام صرف صحي، أو كهرباء في قريتهم الصغيرة؛ والطفيليات المعوية والأمراض المعدية الأخرى مُشكلةٌ دائمة.
ولكن، وبحسب ما نقل موقع Vocativ؛ هناك مُشكلة واحدة لم يواجهها تقريباً عضوٌ من قبيلة تسيمان، وهي أمراض القلب. بل أنه في الحقيقة؛ يتمتع أهل قبيلة تسيمان بالقلوب والشرايين الأكثر صحّة في العالم بأسره، بحسب دراسة جديدة نُشرت الجمعة 17 مارس/آذار، بمجلّة The Lancet.
وعلى أمل تأكيد ذلك الشك الذي جرى الاعتقاد فيه لفترة طويلة؛ قام علماء أنثروبولوجيا بقياس صحة القلب والأوعية الدموية لعدد 705 أشخاص من أهل القرية، جرى اختيارهم بشكل عشوائي (من بين إجمالي 16000 نسمة يُعرفون بأهل تسيمان) وتزيد أعمارهم عن 40 عاماً.
وتوصلوا إلى أن 3% فقط من أهل القرية (أو 20 شخصاً) مُعرّضون لخطر مُتوسط أو مُرتفع لأمراض القلب، بحسب قياس مستوى تصلّب الشرايين التاجية أو انسداد شرايين القلب؛ في حين لم تتضح أي علامات على ذلك تماماً لدى 85% منهم. وحتى بالنظر بدقّة إلى أولئك الذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً؛ تبين أن 4 فقط من 48 قروياً كانوا عرضة لخطر تتراوح نسبته من المتوسط إلى المُرتفع.
في المقابل، وبحسب ما تبيّن من خلال دراسة سابقة؛ فإن 14% فقط من الأميركيين بأعمار مماثلة ليسوا عرضة لخطر أمراض القلب القائم. والفارق كان صارخاً للغاية؛ حيث قدّر الباحثون أن أهل قرية تسيمان في متوسط عمر 80 عاماً يتمتعون بصحة القلب والأوعية الدموية المماثلة لمتوسط الأميركيين في منتصف الخمسينات. وفي الوقت نفسه؛ توصّلت دراسة أخرى بشأنهم إلى أن حالة واحدة من أصل 50 حالة وفاة لبالغين سُجِلت في السنوات الخمس الأخيرة بين أهل قرية تسيمان، الذين يعيشون في المتوسط 70 عاماً، ربما كانت بسبب أزمة قلبية.
"تشير دراستنا إلى أن السكان الأصليين لأميركا الجنوبية من قبيلة تسيمان لديهم أدنى نسبة انتشار لتصلّب الشرايين التاجية بين كافة قطاعات السكان التي تمت دراستها حتى الآن". هكذا قال كبير مُعدّي الدراسة وعالم الأنثروبولوجيا بجامعة نيو ميكسيكو، البروفيسور هيلارد كابلان، في بيان.
ولا يبدو أهل تسيمان مُحصّنين على نحو فريد ضد أمراض القلب بسبب سماتهم الوراثية، بل يبدو أن السر في ذلك هو جمع متآلف من اتباع نظام غذائي يقلل من الدهون المشبّعة ويزيد من الكربوهيدرات الغنية بالألياف، والبقاء في نشاط بشكل مُستمر، وتجنّب التدخين في المقام الأول.
قد يبدو ذلك واضحاً بدرجة كبيرة لأي شخص يتلقى نصيحة بشأن كيفية الحفاظ على صحة القلب؛ ولكن فريق كابلان توصّل أيضاً إلى شيءٍ مُحيرٍ قليلاً؛ فمتوسط الإصابة بالالتهاب لدى قبيلة تسيمان لا يزال مُرتفعاً نسبياً- بسبب الأمراض والطفيليات المستمرة التي يتعاملون معها، كما أن مستوى الكوليسترول الحميد لديهم مُنخفضٌ إلى حد ما. ومع ذلك؛ لم يؤثر عاملٌ -من العاملين المعروفين كليهما بكونهما يشكلان خطَرَيْن للإصابة بأمراض القلب- على المقياس بدرجة كبيرة.
ويُرجِّح ذلك إلى أن هناك حداً معيناً من الضرر الصامت قد تخضع له قلوبنا قبل أن يبدأ خطر الضرر الجسيم في التراكم والصعود على نحو ملحوظ، ويُرجّح أيضاً أن النظام الغذائي الصحي ونمط الحياة النشيط الخالي من التدخين بإمكانهما أن يخففا من التضرر الطبيعي الذي يحدث بفعل التقدّم في السن. وبسبب طبيعة الدراسة؛ لا يوجد قولٌ بشأن أثر اختيار نمط الحياة الفردي على صحة قلب قبيلة تسيمان، بحسب ما قال كاتبو الدراسة.
وأضافوا أنه من المُرجّح أن تلك العوامل مُجتمعة تحقق أكثر مما يحقق أي منها على حدة لحماية القلب.
وبينما يعترف مؤلفو الدراسة أن الأميركيين لن يربطوا أحذيتهم من ماركة Nike للذهاب للصيد قريباً، هم يعتقدون أن هناك دروساً عملية بإمكاننا أن نأخذها من قبيلة تسيمان.
"ترجّح هذه الدراسة أنه يمكن تجنّب تصلب الشرايين التاجية إذا تبنّى الناس بعضاً من عناصر نمط حياة قبيلة تسيمان، مثل الإبقاء على مستويات الكوليسترول الضار وضغط الدم والسكر في الدم مُنخفضة للغاية، وعدم التدخين، وممارسة النشاط البدني"، هكذا قال الكاتب المشارك في الدراسة ودكتور أمراض القلب، غريغوري س توماس، وإذا لم يكن هناك شيءٌ آخر؛ فإن هذا يثبت أن أمراض القلب قد لا تكون أمراً لا مفر منه بعد كل شيء.
-هذا الموضوع مترجم عن موقع Vocativ. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.