باتت الأزمة الاقتصادية واقعاً يحتاج إلى المكاشفة والوقوف على وأسباب الأزمة وانعكاساتها على مستقبل الاستثمار في الشرق الأوسط، إلى جانب ضرورة مناقشة كيفية مواجهة ظاهرة هجرة رجال الأعمال من المنطقة مع تفاقم أزمة السيولة بسبب تهاوي أسعار النفط عالمياً، وما يمثله من حجم في الدخل المحلي لدول الخليج.
وفي إطار البحث عن أبعاد تلك الأزمة وطرق الخروج منها، كان حوار "عربي بوست" مع رائد الأعمال السوري المقيم في الإمارات سليم عقيل – أحد ممؤسسي موقع Search in MENA -، الذي يعرفه صاحبه بأنه أول موقع متخصص للتجارة الإلكترونية للشركات الجماعي بالمنطقة العربية.
عقيل تحدث عن الأزمة من خلال خبرة شركته في التعامل مع أكثر من 25 ألف شركة من القطاع الخاص بدول المنطقة العربية، والتي سمحت له برؤية آثار الأزمة الاقتصادية وكيفية تفاعل شركات القطاع الخاص مع تطورات السوق.
وتعد شركة Search in MENA التي تأسست في العام 2010، إحدى الشركات الرائدة في التسويق الالكتروني للشركات، حيث حصدت العديد من الجوائز ضمن الشركات الرائدة بالمنطقة العربية، والتي كان آخرها حصوله على جائزة أفضل مشروع ناشئ واعد في الإمارات العربية المتحدة، بحسب مجلة Frobes الأميركية.
في البداية، كيف ترى تأثير انخفاض أسعار النفط على اقتصاد دول الخليج؟
كما يعلم الجميع، فإن معظم دول الخليج تعتمد على النفط في دخلها بنسب تتراوح ما بين 70 إلى 80%. ومع انخفاض أسعار النفط، تولدت أزمةٌ كبيرةٌ في السيولة المالية، وذلك مع انخفاض دخل الحكومات بشكل كبير مع تهاوي أسعار النفط عالمياً.
بحسب خبرتي، فإن أكثر دول الخليج تأثراً بتلك الأزمة هي السعودية التي يعتمد دخلها الأساسي على عوائد بيع النفط، في حين كانت الأزمة أخف وطأة على دولة مثل الإمارات التي سعت منذ فترة إلى خلق آفاق اقتصادية مختلفة والتوسع في الاستثمار الغير نفطي، وإن كان النفط مازال يمثل العصب الأساسي للاستثمار هناك.
أزمة السيولة وتأثيرها على الشركات
تأثير الأزمة طال استثمارات رجال الأعمال والقطاع الخاص بتلك الدول.. كيف ذلك؟
تتمثل أكبر تداعيات تهاوي أسعار البترول في "قلة السيولة"، ما خلق أزمةً في تدفق الأموال إلى الشركات والاستثمارات الخاصة، حيث أن هناك تشابكاً كبيراً جداً بين تلك الاستثمارات والحكومات الخليجية، حيث أن معظم الشركات الكبيرة تعمل في المشاريع العملاقة التي تشرف عليها الحكومة، وهذا يمثل قمة الهرم في الاستثمار بدول الخليج.
ومع تأثر تلك الشركات الكبيرة بأي أزمة، تنتقل التداعيات بشكل مباشر في الشريحة الأوسع بقاعدة الهرم من الشركات المتوسطة والصغيرة.
ومع تفاقم مشكلة السيولة الحكومية، حدث تأخر كبير في سداد المستحقات المالية، بدايةً من تأخر الحكومة في سداد المستحقات المترتبة عليها وفقاً للعقود التي أبرمتها مع الشركات الخاصة، مروراً بحدوث تأخر مماثل في تسديد للمستحقات المالية بين الشركات وبعضها البعض – خصوصاً بين الشركات الكبرى إلى الشركات المتوسطة والناشئة -، ووصولاً إلى أزمة كبيرة في تسديد مستحقات موظفي الشركات وكافة العاملين والمتعاونين معها من أفراد.
التصفية وتقليل العمالة وتأجيل التوسعات
وما هي تداعيات تلك الأزمة على الشركات؟
في البداية، يجب أن نوضح أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي الأكثر تضرراً من أزمة السيولة بدول الخليج. فعلى سبيل المثال، تمثل تلك الشركات 90% من الشركات المسجلة في السعودية، وتمثل تلك الشركات 60% من فرص العمل بالمملكة، وهي نسب قريبة مع معظم دول الخليج، وهو ما يشير إلى أن تأثير أزمة السيولة يوقع أضرار جسيمة على 90% من شركات المملكة السعودية كمثال لدول الخليج.
كيف للشركات المتأثرة بما جرى أن تتصرف؟
مع وجود أزمة السيولة والتأخر في المستحقات، اضطرت الكثير من الشركات الناشئة إلى الغلق وتصفية العمالة، فيما كانت نسب الغلق في الشركات المتوسطة أقل. لكن كانت هناك تصفية جزئية للعمالة في إطار خطط تخفيض المصروفات مع العجز عن سداد المستحقات المالية.
ورغم أن الشركات الكبرى هي الأقل تحملاً للأزمة، فإنها قامت أيضاً بخفض مرتبات العاملين لديها، وبعضها اضطر إلى تصفية جزء من تلك العمالة مع تزايد أزمة في تدفقات الأموال لديها من قبل حكومات الخليج.
وللأسف، تركت الأزمة تأثيراً كبيراً في قطاع الاستثمار بدول الخليج، وأستطيع أن أقول أن 20% من الشركات الناشئة أغلقت في الإمارات وهذا بخلاف الصغيرة التي أغلقت العديد منها.
التسويق الالكتروني قاطرة نمو الشركات في العالم
من خبرتك الشخصية، ما هي أهم خطوات نجاح نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في دول الخليج؟
علينا هنا أن ننظر إلى تجارب الدول الرائدة في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لمعرفة عوامل نجاح تلك التجربة، وتأثيرها بقوة في الدخل المحلي لها، وأبرز العوامل التي أحدثت نقلة نوعية غير مسبوقة في نمو تلك الشركات هو التوسع في التسويق عبر الانترنت "التسويق الالكتروني".
عالمياً، تذكر التقارير الاقتصادية أن الانترنت يشكل 24% من دخل الشركات في العالم وذلك من خلال عدة منافذ الكترونية، منها موقع الشركة أو عن طريق الشبكات الاجتماعية أو محركات البحث، ثم التسويق عبر مواقع الأسواق التجارية.
من خلال تجربتك مع Search in MENA، هل لمست أن الشركات العاملة بالسوق العربي تدرك أهمية هذا الأمر؟
على سوء الواقع الحالي لتلك الشركات وحجم استخدامها لطرق التسويق الالتكروني، يظهر حجم الفرص الواعدة في هذا السوق في دولنا. فوفقاً للتقديرات الاقتصادية فإن الشركات في المنطقة العربية التي تتواجد على الانترنت لا تخخطى نسبة 15% من إجمالي شركات المنطقة.
وفي الوقت التي تمثل تلك النسبة واقع سلبي للتأخر في تلك الطرق المثمرة للتسويق، نجد أنها في نفس الوقت تمثل طمأنة في المستقبل إذا ما بدأت تلك الشركات بالتوسع في استخدام طرق التسويق الالكترونية، وأن هناك فرصاً كبيرةً لجلب هذه الشركات لترويج لمنتجاتهم عبر الانترنت، ورغم إدراك الحكومات العربية لأهمية هذا الأمر، إلا أنه لا توجد خطط واضحة، أو رؤية تنفيذية لمعالجة هذا الخلل.
وهنا على الدولة والشركات أن تدرك أننا مازال لدينا سوق واعد يصل نسبته 85% من الشركات مازالت لم تنضم لعالم التسويق عبر الانترنت، وأنه على الجميع العمل لنقل هذا السوق إلى عالم التسويق الالكتروني.
شركات التسويق الالكتروني وAli Baba
كيف تساهم شركات التسويق الالكتروني – التي تعد شركتك رائدة في العمل به -، في مساندة الشركات الصغيرة للدخول في التسويق عبر الانترنت؟
كما ذكرت من قبل، فإن التسويق عبر الانترنت في العالم يكون عبر موقع الشركة أو عن طريق الشبكات الاجتماعية أو محركات البحث ثم التسويق عبر مواقع الأسواق التجارية.
حتى ندرك تأثير شركات التسويق الالكتروني في تلك المنظومة، لا بد أن ننظر إلى تأثيرها في بلدان العالم، فنجد أن تلك الشركات تحظى بالشريحة الأهم في الترويج عبر الانترنت، وتصل نسبة مساهمتها إلى 70% من دخل الشركات عبر الانترنت، وهي نسبة تمثل 15% من أجمالي الدخل لدى الشركات.
وبالنظر إلى نموذج السوق التركي مثلاً، نجده متقدم بشكل كبير في مجال التجارة الالكترونية للشركات حيث لديها 4 مواقع تسويق الكترونية ضخمة على غرار موقع Ali Baba الصيني الشهير، وهنا بالطبع لا نقصد شركات التسويق الالكترونية التي تسوق للأفراد، بل المقصود هنا المواقع الكبيرة التي تعمل على التسويق للمنتجات بين الشركات وبعضها البعض.
ما هو واقع السوق العربي في هذا الأمر؟
طبعا هناك قصور كبير بتلك الشركات في السوق التجاري العربي، وهذا منطقي مع حجم تواجد الشركات الخاصة عبر الانترنت، وفي المنطقة العربية لا يوجد سوى موقع Search in MENA الذي قمنا بتأسيسه، وهو المتخصص للبيع إلى شركات فقط، وتعاملنا بين شركات وشركات وبيع المنتجات المكملة لبعضها البعض.
ونحن مازلنا في البدايات ولم نكتمل بعد رغم النجاحات الكبيرة التي حققتها الشركة وأبرزتها كأحد أهم الشركات الرائدة في الأعمال، وخلال عام واحد فقط من التأسيس تم وضعنا ضمن قائمة أفضل 30 مشروعاً رائداً بالمنطقة.
نظام متكامل ينطلق بشركات المنطقة إلى آفق العالمية
إذاً أصبح على عاتق شركتك مسؤولية كبيرة في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة. كيف تخططون لذلك؟
في البداية، يجب أن نعترف أننا تأثرنا بتداعيات أزمة السيولة في الخليج مثلنا مثل باقي الشركات، خصوصاً أن أعمالنا مرتبطة بالشركات، وتأثر السيولة لديهم بنعكس علينا بشكلٍ مباشر، وتسبب النقص في السيولة بخسارة موظفين مهمين للشركة وتأخر في تحقيق الأهداف المتفق عليها بين الشركاء وأحدث تأخر في التطور والاستثمار.
وكيف تخططون للخروج من تلك الأزمة ومساعدة الشركات الأخرى؟
بالفعل وضعنا خطة لتطوير العمل بالشركة حتى تقوم بالدور المنوط بها في دعم اقتصاد دول المنقطة، والمساهمة في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم سوقٍ تجاريٍ بين الشركات قوي ومتسق عبر الانترنت، ونعمل على إنشاء نظام بيئي متكامل B2B في المنطقة وتواصله مع بقية العالم، والسماح للشركات الأجنبية الوصول إلى الموزعين المحليين بطريقة أسهل للبيع وفتح قنوات التوزيع في المنطقة لمساعدتهم على توسيع وقت لاحق.
وتضمنت خطط التطور لدينا رؤية تعتمد على إنطلاقة جديدة مع العام 2017، واتخذ مجلس الإدارة عدة إجرءات لمواجهة الأزمة والإنطلاق من جديد، ومنها البحث عن شراكات مع غرف الصناعة والتجارة في الدول العربية، لكننا لم نحقق النجاح المأمول في هذا الأمر لأسباب عدة أهمها عدم وجود استراتيجية دعم الشركات للتوسيق عبر الانترنت رغم إدراكهم لأهمية ذلك، ورغم أن عرضنا كان يساهم في هذا الأمر.
ووفقاً لخطط Search in MENA، فإننا بصدد عمل دمج مع شركة ناشئة أخرى، من المنتظر أن يتم التوقيع في أكتوبر/تشرين الأول 2016 يعمل على زيادة السيولة وزيادة الاستثمار بشكل أكبر، كذلك استطاعت الشركة جلب شراكة أوربية كبرى بـ "نظام الشراكة المؤقتة"، تلك الشركة لديها نفس الاستراتيجية التي نطمح إليها بالمنطقة العربية ومساعدة السوق الاقتصادي على تخطى الأزمة ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتلك الشراكة سوف تعمل على جلب شركات من أوروبا وأمريكا لتتعامل مع شركات المنطقة العربية من حيث الشراء أو التصدير، وهي الشراكة المنتظر توقيعها خلال هذا الشهر، وهذا الاتفاق سوف يكون تمهيدي لإمكانية الاندماج معهم في المستقبل.
ماذا عن تطوير أداء التعامل بين الشركات عبر موقع شركتك؟
بالفعل تلك النقطة من الأمور التي تعمل عليها الشركة بشكل كبير، ومن المنتظر أن تعمل الشركة على تقديم خدمة التبادل التجاري بين الشركات بكافة مراحلها، من خطواتها الأولى حتى النهاية، وذلك من خلال تقديم "عينات المنتجات" للزبائن المحتلمين قبل عقد الصفقات وهو ما يساعد على إتمام الصفقات التجارية بشكل أسرع، ويزيد من مساحة الثقة في التعامل عبر الموقع.
وكذلك يسعى الموقع لتقديم طرق دفع آمنة ومضمونة بين البائع والمشتري، مع توفير خدمة فحص جودة المنتجات، وكذلك التعامل مع الخدمات اللوجستية والتخليص الجمركى من جانبنا، وهو ما يساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على النمو.
أخيراً، ما هو دور الحكومات في هذا الشأن؟
نشر التوعية يعد أحد أهم الأدوار التي على الحكومات العمل عليها، وحث الشركات على التسجيل عبر الانترنت، وإيصال مفاهيم عن كيفية مساهمة فيسبوك وواتساب في مساعدة التجار كثيراً بأعمالهم، وكيف ساهمت بالوصول إلى شريحة أكبر من العملاء.