في الوقت الذي تزين فيه الأضواء شوارع المدن وتملأ الأهازيج الجو استعداداً لاستقبال الأعياد والمناسبات، تتجدد مشاعر الحماس والتوق لدى الكثيرين للتجمع حول موائد العيد، وقد تكون مصاحبة بالقليل من القلق العادي بالإضافة إلى مشاركة الضحكات وتبادل القصص، في لحظات تعد بالتخفيف من وطأة الروتين اليومي وضغوط الحياة المعاصرة.
هذه الأوقات تعد بمثابة ملاذ ينشده الأفراد، متطلعين إلى تجديد الروابط وتوطيد العلاقات مع الأهل والأصدقاء في جو يسوده الود والتقارب.
لكن، وبينما يغمر الفرح قلوب الكثيرين، يواجه آخرون مشاعر مغايرة تماماً، حيث تصبح التجمعات العائلية والاجتماعية مصدراً للتوتر والقلق. هذه الديناميكيات المعقدة، التي قد تختبئ خلف الابتسامات الواسعة والأحاديث المتبادلة، تكشف عن جانب آخر للقاءات العائلية قد لا يكون مرئياً للجميع. الأسباب وراء هذا التوتر متنوعة ومتعددة، لكنها تجمع بين طياتها خيطاً مشتركاً يتمثل في الحاجة إلى التنقيب عن فهم أعمق للعلاقات الأسرية والاجتماعية، وكيف يمكن أن تؤثر على الصحة النفسية للفرد.
تتعدد الأسباب المؤدية لهذا التوتر خلال الأعياد والمناسبات، لعل من أبرزها:
التوتر المصاحب للقاء العائلة
عندما يتحول الشوق للأعياد والمناسبات إلى كابوس يسبقه القلق والتوتر، قد يشير ذلك إلى معاناة الشخص من القلق الاجتماعي، وهو اضطراب يعيق الفرد عن الانخراط بشكل طبيعي في التجمعات الاجتماعية بسبب الخوف المفرط من الحكم أو الإحراج. هذا القلق لا يقتصر على مواقف معينة، بل يمتد ليشمل اللقاءات العائلية التي من المفترض أن تكون مصدر سعادة ولم الشمل.
المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية يحدد القلق الاجتماعي على أنه خوف مفرط من التعرض للحكم السلبي من قبل الآخرين في المواقف الاجتماعية، مما يؤدي إلى تجنب هذه المواقف بأي ثمن. الأعراض المرتبطة بالقلق الاجتماعي، مثل زيادة معدل ضربات القلب، التعرق الزائد، صعوبة في التنفس، الشعور بالغثيان، وفي حالات أشد يمكن أن يصل إلى فقدان الوعي، تجعل من الصعب على المصابين بهذا الاضطراب مجاراة التوقعات الاجتماعية والمشاركة في المناسبات العائلية بشكل طبيعي.
أما في بحث نشرته جامعة كامبريدج، فتم التأكيد على أن القلق الاجتماعي لا ينبع فقط من الخوف من الحكم الخارجي، ولكن أيضاً من الضغط النفسي الذي ينشأ من التوقعات الذاتية والخوف من عدم القدرة على الوفاء بها. هذا الضغط يمكن أن يتفاقم في اللقاءات العائلية؛ حيث يكون هناك تاريخ عميق من العلاقات والتفاعلات.
بالإضافة إلى ذلك، يشير خبراء الصحة النفسية إلى أهمية الاعتراف بوجود مثل هذه المشاعر والتعامل معها بشكل صحي. من الأساليب المقترحة للتعامل مع القلق الاجتماعي تطوير مهارات التواصل، ممارسة تقنيات الاسترخاء، وفي بعض الحالات، اللجوء إلى العلاج النفسي أو الدعم الطبي. الهدف هو تحسين جودة الحياة الاجتماعية للمصابين بالقلق الاجتماعي وتمكينهم من الاستمتاع بالتجمعات العائلية والاجتماعية دون خوف أو قلق مفرط.
من المهم التأكيد على أن القلق الاجتماعي هو اضطراب قابل للعلاج، وأن المساعدة متاحة. من خلال فهم أعمق للقلق الاجتماعي وتطبيق استراتيجيات فعالة للتعامل معه، يمكن للأفراد التغلب على الخوف والتوتر والاستمتاع بلحظات العائلة والأصدقاء بكل سرور وراحة بال.
وصايا الخبراء للتعامل مع القلق
في عصرنا هذا، حيث تعتبر اللقاءات العائلية جزءاً لا يتجزأ من الاحتفالات والمناسبات، يواجه البعض معضلة عاطفية مركبة؛ الرغبة في الانغماس في دفء الأهل والأقارب تصطدم بجدار من التوتر والقلق الاجتماعي. علماء النفس والمتخصصون في مجال العلاقات الإنسانية يضعون هذه المعضلة تحت المجهر، مؤكدين أن التوتر الناتج عن التفكير في المشاركة بالتجمعات العائلية يعد شعوراً طبيعياً ومألوفاً، ولا يشير بالضرورة إلى وجود خلل في العلاقات الأسرية أو في الحالة النفسية للفرد.
تشير "Psychology Today" إلى أن مصادر التوتر هذه تنبع من عوامل متعددة، بما في ذلك الخصائص الشخصية كالانطوائية، والتي قد تجعل الشخص يفضل الابتعاد عن الأحاديث السطحية أو النقاشات حول مواضيع لا تلقى اهتمامه. هذه المواقف تقود إلى تناقض عاطفي يحتاج إلى نهج استراتيجي للتعامل معه وتحسين تجربة الأحداث العائلية.
وحسب نفس المصدر، فإن وضع خطة مسبقة للتجمعات العائلية يعد إحدى أفضل الاستراتيجيات للتعامل مع القلق الاجتماعي. تشمل هذه الخطة إعداد قائمة بالموضوعات التي يشعر الشخص بالراحة عند مناقشتها وتحديد الأشخاص أو المواقف التي قد يفضل تجنبها للحفاظ على سلامته العقلية. يُقترح أيضاً تحديد مكان يمكن الانسحاب إليه لأخذ قسط من الراحة وإعادة شحن الطاقة خلال هذه الفعاليات.
من المهم التعامل مع التعليقات السلبية بشكل إيجابي، والتوقف عن التفكير المفرط في السيناريوهات السلبية المحتملة، لمنع تفاقم القلق الاجتماعي. تعتبر الأحاديث الصغيرة، على الرغم من إمكانية شعورها بالإحراج، طريقة فعالة لتحسين المهارات الاجتماعية وإعادة بناء الروابط الأسرية بشكل تدريجي. كما يشجع الخبراء على التحدث عن الاهتمامات الشخصية وضرورة تحديد الحدود بوضوح للحفاظ على الراحة الشخصية خلال هذه الفعاليات.
كما يعتبر الاعتراف بالمشاعر الذاتية واتخاذ خطوات واعية نحو تطوير آليات تكيف إيجابية جزءاً لا يتجزأ من القدرة على الاستمتاع بالتجمعات العائلية. من خلال فهم أعمق لأسباب القلق الاجتماعي وتطبيق استراتيجيات فعالة لمواجهته، يمكن للأفراد التغلب على الخوف والتوتر والشعور بالراحة والسرور في قلب اللقاءات العائلية.