بالنسبة للكثير من الناس قد يكون مجرد التفكير في إمكانية تشخيصهم بحالة صحية نفسية أو عقلية أمراً مثيراً للذعر والمخاوف. وقد يبدأ الشخص في التفكير في مستقبل حياته العاطفية والمهنية والأسرية، معتقداً أنها ستكون بمثابة نهاية العالم الذي يعرفه.
ولكن ماذا لو كان التشخيص سيؤدي فقط لتعقيد الأمور؟
أهمية التشخيص بالمرض النفسي والعقلي
هناك بالطبع تداعيات خطيرة على تشخيص حالات الصحة العقلية.
فقد أبلغ العديد من الأشخاص عن شعورهم بأن أعراضهم ساءت بعد معرفتهم بما يعانون منه فعلاً، على سبيل المثال قد يجد البعض صعوبةً أكبر في التركيز، بعد اكتشاف أنهم يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD).
أو حتى قد يشعر البعض بمزيد من الاكتئاب بعد تشخيصهم باضطراب اكتئابي. بمعنى آخر، قد يراقبون سلوكهم حتى يعدّلوا منه بشكل يتوافق مع تشخيصهم الجديد، واعتقادهم المسبق عن أعراضه.
ومع ذلك، يقول الخبراء، بحسب مجلة Vice الكندية الأمريكية للمعرفة والمنوعات، إن هذا لا يعني أنه لا ينبغي عليك محاولة اكتشاف المشكلة.
وبالرغم من أن الأمر علمياً ليس مرتبطاً أبداً، وأنه من المحتمل أن يكون هذا هو الحال لبعض الأشخاص، ولكن من المرجح في المقابل أن يصبح الناس أكثر وعياً بأعراضهم، فيبدأون في نسبتها إلى تشخيصهم، عوضاً عن شعورهم بالتقصير والدونية ولوم الذات.
على سبيل المثال، قد يلاحظ شخص تم تشخيصه مؤخراً باضطراب القلق عندما يصبح سريع الانفعال، وكيف يؤثر قلقه على نومه في الليل، أو الأعراض الجسدية التي يعانيها عند القلق مثل خفقان القلب والغثيان.
صحيح أنه من المحتمل أن هذه الأشياء لم تزدَد سوءاً بعد أن علم الشخص أنه يعاني من اضطراب القلق، ولكن الأمر يتعلق فقط الآن بأن الشخص قد يولي مزيداً من الاهتمام للأعراض والحالة والمحفّزات، كما أنه أصبح لديه سبب واقعي ومنطقي لكل ما يعاني منه، ما سيُشعره بالهدوء، عوضاً عن الاعتقاد بأن هناك خطباً ما به، وأنه "غير طبيعي".
متى يمكن أن يسبب التشخيص أضراراً نفسية؟
يقول إيفان ليبرمان، معالج الصحة العقلية والإدمان الأمريكي للمجلة: "إذا لم يتم شرح التشخيص بشكل كافٍ من قِبل مقدم الخدمة للمصاب، فيمكن للعميل أن يشعر بقلق كبير حيال الأمر"، مضيفاً أن الإجهاد الناتج قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض.
وينطبق الشيء نفسه عندما لا يتلقى شخص ما العلاج المناسب، أو يفهم الأعراض والخطوات اللازمة للوقاية والتعافي والسيطرة على الحالة، أو عندما لا يتّبع التغييرات والتدخلات اللازمة في حياته، ما يمكن أن يتركه أكثر تشوُّشاً وإرهاقاً بعد تشخيصه.
فبعد معرفة الشخص أنه يعاني من الاضطراب النفسي والعقلي، قد لا يفهم الأمر تماماً، أو قد تكون لديه أفكار خاطئة بسبب وسائل الإعلام المضللة، كما قد لا يعرف كيفية إدارة الحالة بنفسه.
لذلك يعد التثقيف بالحالة وخطوات التعامل معها هو الفارق المحوري بين التشخيص الذي يثير نتائج إيجابية لدى المريض، وبين التشخيص الذي يسبب المزيد من الاضطرابات النفسية والعقلية، بسبب الخوف وسوء الفهم، وعدم تلقي التوعية الكافية.
التشخيص قد يجعل المصاب يتقمّس المزيد من الأعراض
من الممكن أيضاً أن يتصرف الأشخاص المصابون بالاضطرابات النفسية والعقلية، مثل القلق المزمن والاكتئاب، أو حتى اضطرابات ما بعد الصدمة، بأن يبدأوا المعاناة من المزيد من الأعراض بعد التشخيص.
وذلك لأنهم يعتقدون أنه من المفترض أن تظهر عليهم، ويحدث هذا بشكل خاص بين المراهقين الذين يقرأون عن اضطرابات الصحة العقلية والاضطرابات النفسية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب مجلة The New York Times الأمريكية، هذا التعرض للمحتوى غير الدقيق أو المهني في التشخيص قد يجعل المراهقين يشرعون في التشخيص الذاتي، ما يجعلهم معرضين بشكل خاص لخطر ظهور أعراض اضطراب لا يعانون منه في الواقع.
يشبه الأمر إلى حد ما قراءة المقالات الصحفية التي تتحدث عن أعراض مرض عضوي معين، ثم الشروع فجأة في الإحساس بأنك تعاني من الأعراض ذاتها، وتبدأ في الاعتقاد أن كل ألم يصيبك هو أحد أعراض المرض الخطير الذي قرأتَ عنه.
كيف يمكن الحصول على تشخيص دون تدهور الحالة؟
وبحسب مجلة Vice، فإن الأشخاص الذين يتم تشخيصهم غالباً ما يجدون الراحة عندما يعرفون أن ما يمرون به يمكن أن يُعزا إلى اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، أو الاكتئاب أو حالات أخرى.
وذلك بدلاً من خوض صراعات مدى الحياة مع التعلم، والتنظيم العاطفي والسلوكي، والوفاء بالمسؤوليات، لأن هذه الأعراض يمكن أن تجعلهم يشعرون بأنهم غير أذكياء، أو مقصرون، أو حتى فاشلون.
ولكن بالتشخيص الصحيح والدقيق من خبراء الصحة النفسية والعقلية، وبالتثقيف حول طرق التعامل وإدارة الأعراض، فإن العملية برمتها تزيل الكثير من مشاعر العار واللوم، وحتى بدء الشعور بالأمل في وجود علاجات فعالة، وتقنيات تجعل الحياة أسهل بكثير مما كانت عليه من قبل.