دائماً ما كنا نسمع سابقاً عن فوائد عدة منتجات غذائية، مما يجعلنا نستهلكها بشكل كبير ومستمر، لكن الأمر اختلف خلال السنوات القليلة الماضية، مع تطور الأبحاث العلمية، التي أثبتت أضرار العديد من هذه المأكولات عند استهلاكها بشكل مستمر، أبرزها نجد كلاً من اللحوم والألبان.
ورغم أن البشر يستهلكون اللحوم بشكل كبير، لأنها مصدر غني للعناصر الغذائية الأساسية والبروتينات والدهون، مما يعني أن لها فوائد عديدة، إلا أن الطريقة التي تصلنا فيها بدورها غير صحية، بعد معالجتها، وبيعها في لفائف السيلوفان.
وحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب الأمريكية للتحليلات والاستشارات في عام 2018، وجدت أن 5% من الأمريكيين يتبعون النظام الغذائي النباتي، إذ إن نسبة مهمة منهم يعتمدون هذا الاختيار دعماً لحقوق الحيوانات، وكذا للحفاظ على البيئة، إلا أن هناك فئة منهم تتراجع عن تناول اللحوم من أجل صحتهم.
حقيقة أضرار تناول اللحوم بشكل مستمر
حسب ما نشرته مجلة "newsweek"، فإن منظمة الصحة العالمية تصنف اللحوم الحمراء على أنها مادة مسرطنة للإنسان، وذلك استناداً إلى تقرير صدر عام 2015 عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان.
استندت هذه الاستنتاجات في الغالب إلى الارتباطات بسرطان القولون والمستقيم، إذ وجدت الدراسة حسب الخبراء، أن كل 50 غراماً من اللحوم المصنعة المستهلكة يومياً تزيد من خطر إصابة الفرد بسرطان القولون والمستقيم بنسبة 18%.
وحسب تصريح لنفس المصدر، من طرف كريس موراي، مدير معهد القياسات الصحية والتقييم وأستاذ ورئيس علوم المقاييس الصحية في جامعة واشنطن، قال إن التفسير المتوسط للبيانات يشير إلى أن كثرة استهلاك اللحوم الحمراء تزيد احتمالية الإصابة بسرطان القولون وأمراض القلب والسكتة الدماغية.
فيما أشار موراي إلى أن البيانات المتاحة، والتي تمت مراجعتها، لا تظهر العلاقة الكاملة بين استهلاك اللحوم والنتائج الصحية، مما يبرز أن الآثار ليست كبيرة، والدلائل ليست قوية بما يكفي.
إذ إنه من بين الأمور التي لم يتم الحسم فيها طبياً، والمرتبطة بالعديد من المتغيرات، هي النتائج المتعلقة بنقص اللحوم في النظام الغذائي للشخص النباتي، وزيادة تناول الخضراوات، وعلاقتهما بالتقليل من احتمالية سوء صحة القلب.
لكن في نفس الوقت، فإن قلة تناول اللحوم، أو الامتناع عن أكلها بشكل كامل، من الممكن أن تؤدي إلى بعض المشاكل الصحية، من بينها متلازمة القولون العصبي.
ويقول موراي إن هناك بعض الأدلة على أن الأشخاص الذين يعانون من القولون العصبي يمكن أن يعانون من أعراض أكثر حدة عندما تقوم البكتيريا في أحشائهم بتفكيك أنواع معينة من السكريات في الخضار.
الأمر الذي يكشف ضرورة إدخال اللحوم الحمراء في النظام الغذائي، من أجل الاستفادة من المكونات الغذائية التي يوفرها، أهمها البروتين والحديد، والتي تعمل على معادلة أنظمة الجسم.
تقليل أكل اللحوم وعلاقته بإنتاج الميكروبات المعززة للصحة
يجب معرفة أن جسم الإنسان موطن لتريليونات من الميكروبات التي تسمى ميكروبيوم الأمعاء، والتي تتدخل في كل شيء له علاقة بالصحة، بدءاً من الهضم، وصولاً إلى الشعور بالاكتئاب.
إذ إن نمط حياتنا، وكذلك النظام الغذائي الذي نتبعه، يلعب دوراً كبيراً في تكوين هذه الميكروبات، واستهلاك اللحوم ليس استثناء.
وحسب دراسة أجرتها عالمة الأحياء الإيطالية كارمن لوزاسو سنة 2018، لمقارنة ميكروبات الأمعاء لدى النباتيين وآكلي اللحوم، وجدت أن الثراء الميكروبي أقل عند الأشخاص الذين يتناولون لحوم مقارنة بالنباتيين، ومع ذلك، لا تزال آثار ثراء ماكروبيوتك الأمعاء على صحة المضيف محل نقاش.
فيما تتم الإشارة إلى أن الشكل الذي يكون عليه الميكروبيوم الصحي غير معروف بشكل دقيق، وذلك بسبب تنوعه، إلا أنه بشكل عام تعتبر النباتات الدقيقة المتنوعة مفيدة؛ لأنها تتضمن مقاومةً أعلى لمسببات الأمراض.
يُعتقد أن النظام الغذائي الأمثل يجب أن يتكون من فواكه وخضراوات عديدة ومختلفة، وذلك بسبب احتوائها على جزيئات كبيرة ومتنوعة من الميكروبات المشاركة في استقلاب هذه المصادر الغذائية، ويمكن أن تكون اللحوم جزءاً من هذا النظام الغذائي، لكن يجب أن يكون الاستهلاك باعتدال.
وحسب تصريح لويل بولسيفيتش، اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي، فإنه ليس بالضرورة أن يكون نقص اللحوم هو المهم هنا، بل تنوع الأطعمة النباتية الكاملة، والتي غالباً ما تكون مهمتها أكبر في النظام الغذائي للنباتيين.
وأضاف أنه يجب التفريق بين النظام الغذائي النباتي، والمأكولات التي يتناولها النباتيون، لأن هؤلاء من الممكن أن يتناولوا مأكولات سريعة نباتية، أو مواد غذائية قد تكون غير صحية، في حين أن النظام الغذائي النباتي يعتمد بشكل كبير على تناول الخضراوات والفواكه بنسبة كبيرة، مقارنة باللحوم.
ولإجراء مقارنات عادلة، يجب مقارنة البيانات بين النباتيين الذين يتبعون نظاماً غذائياً نباتياً صحياً وغيرهم من آكلي اللحوم الصحية. وقد وجدت دراسة حديثة أن الاختلافات في التركيب الميكروبي بين هاتين المجموعتين كانت في الواقع متواضعة إلى حد ما. ومع ذلك، كانت الاختلافات في كيفية عمل ميكروباتهم أكثر أهمية.
فيما لا يقتصر الأمر على الاختلافات في الميكروبات بناءً على ما يتم أكله، ولكن الأهم من ذلك هو أن هذه المأكولات ستتلامس مع الميكروبات وستنتج مزيجاً من المواد الكيميائية التي يمكن أن تحمي الجسم من الالتهابات أو تعزِّزها.
كما أن هذه الميكروبات التي تهضم الألياف النباتية تعمل على إنتاج الأحماض الدهنية القصيرة السلسلة المعزِّزة للصحة، لذا فإن تناول المزيد من الألياف يمكن أن يشجع هذه الميكروبات على النمو وإنتاج المزيد من هذه الجزيئات الصحية.
صحة الأضرار التي تسببها منتجات الألبان على الجسم
تعتبر الألبان ذات المصدر الحيواني من المكونات الغذائية التي تساهم بشكل كبير في التأثير على صحة الإنسان، وذلك لأنها تحتوي على نسبة كبيرة من الدهون المشبعة، والتي غالباً ما تؤدي إلى نتائج عكسية على الصحة.
ومع ذلك، فإن دراسة أجريت سنة 2018 أوجدت أن استهلاك منتجات الألبان كان مرتبطاً بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب، ويمكن القول إن له علاقة بحقيقة أن الحليب مصدر جيد للبوتاسيوم، الذي يساعد على تنظيم ضغط الدم، وما يسمى كوليسترول البروتين الدهني عالي الكثافة "الجيد"، والذي يُعتقد أنه يتضمن تأثيراً وقائياً للقلب.
فيما أن هناك بعض الأخبار التي تقول إن تناول منتجات الألبان يمكن أن يؤدي إلى ظهور حب الشباب، ولكن اللافت هو أن هذا هو الحال يحدث فقط بالنسبة للحليب منزوع الدسم وقليل الدسم.
وفيما يخص الميكروبيومات، فقد كشف ألكسندر تياخت، الباحث في علم معلوماتية الميكروبيوم في معهد ماكس بلانك في ألمانيا، أن الحليب العادي له بعض التأثير على الميكروبيوم في جسم الإنسان، بنفس الطريقة التي تؤثر بها جميع الأطعمة، إلا أن المنتجات المخمرة مثل الجبن والزبادي، لها تأثير أكبر من ذلك بكثير.
إذ أشار إلى وجود عدة فئات من الجزيئات المفيدة التي تنتجها الميكروبات أثناء التخمر، فبالإضافة إلى الأحماض العضوية الصغيرة المعروفة، مثل اللاكتات، التي تمنع نمو البكتيريا المسببة للأمراض، فهناك ببتيدات نشطة بيولوجياً، وهي قطع محددة تقطِّعها البكتيريا من بروتينات الحليب ولكنها تمتلك فوائد كثيرة مثل خفض ضغط الدم، وتحسين التمثيل الغذائي للسكر، والنشاط المضاد للالتهابات.
وليس هذا فقط، فقد تؤثر هذه البكتيريا على الأحماض الدهنية التي تتحول حيوياً أثناء تخمير الألبان، لتعمل على الوقاية ضد السرطان وتصلب الشرايين. وتجري حالياً دراسة الخصائص المثيرة المتعددة لهذه المركبات بنشاط، وجارٍ التحقق من صحة فوائدها تجريبياً.
الطريقة المناسبة لتناول اللحوم والألبان
وحسب كل التحليلات والدراسات المتعلقة بتناول اللحوم والألبان، ولأن النتائج النهائية حول هذا الموضوع لم تحسم بعد، فإن النتيجة يجب أن تكون على النحو التالي:
من الأفضل أن يتم التقليل من تناول اللحوم الحمراء، وليس الاستغناء عنها بشكل كامل، مع تناول المزيد من الأطعمة الصحية مثل الخضار والفواكه.
كما يمكن تناول المزيد من الأطعمة الحيوانية، والتي تدخل فيها منتجات الألبان، ولكن بشكل معتدل، من أجل الحفاظ على مستوى إنتاج ميكروبيوم الأمعاء.
ومن أجل الحصول على جسم صحي ومتوازن، من الجيد تناول ما لا يقل عن 30 نوعاً من المنتجات النباتية في الأسبوع، بغض النظر عن النظام الغذائي الذي يتم اتباعه.
ويمكن أن يوفر تقليل الأطعمة فائقة المعالجة، سواء كانت ذات أساس حيواني أو نباتي، فوائد صحية كبيرة، ويقلل خطر الإصابة الأمراض الخطيرة.