عندما تتلقى الجرعة الثانية من لقاح كوفيد أو مصل الإنفلونزا، جرّب المشي السريع أو الركض أو حتى ركوب الدراجة مسافةً طويلة. فوفقاً لدراسة جديدة تناولت العلاقة بين الرياضة وتأثير اللقاح، فقد تساعد التمرينات في تعزيز فوائد الجرعة الثانية.
بحثت الدراسة التي شملت 70 شخصاً و80 فأراً، في استجابة الأجسام المضادة بعد أخذ جرعة مصل الإنفلونزا أو بعد جرعتَي لقاح كورونا، فايزر-بيونتك (Pfizer-BioNTech). ووجدت أن المشاركين، الذين مارسوا الرياضة 90 دقيقة بعد أخذ الجرعة مباشرة، أفرزوا أجساماً مضادة أكثر من الأشخاص الذين لم يمارسوا الرياضة.
كما أظهرت الدراسة أن الجرعة الإضافية الثالثة، التي ينبغي أن تساعد في تقليل خطر تعرّضنا للإصابة، لا تزيد من الأعراض الجانبية.
وتُعتبر نتائج الدراسة أولية، وتحتاج إلى مزيد من الاختبارات على عدد أكبر من الناس، لكنها تؤكد مرة جديدة أن الرشاقة واللياقة البدنية تمنحان الجسم صلابة أكبر، في الاستجابة للقاحات كوفيد والإنفلونزا.
الرياضة تُغيّر "جميع" الخلايا المناعية
معروف أنّ العلاقة بين الرياضة والمناعة هي في العموم علاقة قوية. فأغلب الدراسات تُشير إلى أن النشاط البدني يساعد في الحماية من الإصابة بنزلات البرد، أو غيرها من التهابات الجهاز التنفسي الخفيفة، وأن التمتع بالرشاقة الجسدية من شأنه تخفيف حدّة العدوى عند الإصابة بالمرض.
وفي دراسة أُجريت العام الماضي على نحو 50 ألف مواطن، في ولاية كاليفورنيا أصيبوا بكورونا، كان المشاركون الذين مارسوا الرياضة بانتظام قبل تشخيصهم بالإصابة أقلّ عرضة بمقدار النصف، للاحتجاز في المستشفى، مقارنةً بغيرهم.
لكن حذارِ! فالإفراط في الرياضة بدوره قد يُضعف المناعة.
عادةً ما يُصاب عدّاؤو الماراثونات بالإعياء بعد السباقات، كما أبدت فئران المختبرات- التي ظلت تركض إلى حدّ الإرهاق التام- حساسية أكبر لفيروس الإنفلونزا، مقارنةً بالفئران التي ظلّت ساكنة.
لكن إجمالاً، خلصت النتائج إلى أن ممارسة التمرينات تُقدّم دعماً قوياً للجهاز المناعي. وبحسب مراجعة نشرت في العام 2018، لبحثٍ قديم في هذا الموضوع: "تتغيّر سلوكيات (جميع) تجمّعات الخلايا المناعية، بطريقةٍ، ما خلال ممارسة الرياضة وبعدها".
ولذلك، فليس غريباً أن تؤثر ممارسة الرياضة في استجابة الجسم للقاح. وفي دراساتٍ سابقة، أدّت رياضة الذراعين مثلاً- قبل تلقّي لقاح الإنفلونزا- إلى زيادة مستويات الأجسام المضادة والخلايا المناعية المتخصّصة، مقارنةً بالجلوس دون حركة.
وتوصّلت دراسة أُجريت في العام 2020 إلى أن الرياضيين المحترفين أفرزوا أجساماً مضادّة وخلايا مناعية بعد تلقي مصل الإنفلونزا في منتصف موسم التدريب، مقارنةً بمجموعة من المشاركين الشباب الأصحاء.
هل يوجد "مقدار" معيّن صحيح من الرياضة؟
قليل من الدراسات ركّزت على العلاقة بين التوقيت والمقدار المناسب لتعزيز فوائد اللقاحات، ولم ينظر أي منها أبداً في لقاح كورونا على وجه التحديد، لأنه لم يكن متاحاً إلا في أواخر عام 2020.
وهكذا ففي الدراسة الجديدة التي نُشرت هذا الأسبوع في دورية Brain, Behavior, and Immunity (الدماغ والسلوك والمناعة)، طلبت مجموعة من علماء المناعة وعلماء الرياضة في جامعة ولاية آيوا من الأشخاص الذين ينوون الحصول على جرعة من لقاح كوفيد أو الإنفلونزا ممارسة التمارين الرياضية.
بدأ هؤلاء العلماء بدعوة عشرات من البالغين الأصحاء، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و87، والذين أفادوا بأنهم مارسوا الرياضة بعض الوقت، للمجيء إلى المختبر وتلقّي اللقاح.
ونسّقوا كذلك مع مواقع لقاح كوفيد المحلية في الولايات المتحدة، لتعيين 28 رجلاً وامرأة ممّن سيحصلون على أول جرعة من لقاح كوفيد. وقبل تلقي اللقاح، سحبوا عيّنات دم من جميع المشاركين لقياس مستويات الأجسام المضادة.
وطلبوا من كلّ مشارك، اختيروا بشكلٍ عشوائي بعد أخذ الجرعة، إمّا الجلوس بهدوء أو ممارسة الرياضة لمدة 90 دقيقة. وقد أشارت الأبحاث إلى أن ممارسة التمرينات الرياضية بعد تلقي اللقاح رفعت الاستجابة المناعية أكثر، مقارنةً بالجلوس بهدوء.
وبحسب موقع "نيويورك تايمز"، فقد توصّل الباحثون إلى أن المدة المثالية هي 90 دقيقة من التمرينات الرياضية العامة، إذ تُشير أبحاث غير منشورة إلى أن هذا المقدار من الرياضة زاد من إنتاج مادة في خلايا الدم تُسمّى "إنترفيرون ألفا"، من شأنها أن تُحفز إنتاج الخلايا المناعية.
بعد تلقي الجرعة، صعد المشاركون على الدراجة أو مارسوا المشي السريع، سواء داخل المختبر أو في الخارج بجوار مواقع لقاح كورونا. وحافظوا في الوقت نفسه على وتيرة متوسطة في التمرين، مستهدفين إبقاء معدّل ضربات القلب بين 120 و140 نبضة في الدقيقة.
غير أن الباحثين طلبوا من بعض الذين تلقّوا مصل الإنفلونزا ممارسة الرياضة لمدة 45 دقيقة فقط، لملاحظة ما إن كانت الفترات الأقصر لها نفس الفعالية في تعزيز المناعة.
ونظراً إلى أن مستويات الأجسام المضادة تميل إلى الارتفاع في الأسابيع التالية لتلقي اللقاح، أخذ الباحثون عينات دم مجدداً من جميع المشاركين بعد مرور أسبوعين و4 أسابيع من تلقي جرعاتهم.
هل الـ45 دقيقة كافية؟
بعد مرور شهر، ارتفعت مستويات الأجسام المضادة للإنفلونزا أو كوفيد بدرجة ملحوظة، كما هو متوقّع بعد تلقي اللقاح. لكنها كانت أعلى لدى الرجال والنساء الذين مارسوا الرياضة لـ90 دقيقة بعد الجرعة.
كذلك لم يبلغ المشاركون الذين مارسوا الرياضة عن شعورهم بأعراض جانبية إضافية، بعد اللقاح (ولم تقلّ أعراضهم الجانبية عن غيرهم أيضاً). لكن الغريب أن ممارسة الرياضة لـ45 دقيقة يبدو أنها غير كافية لتعزيز الأجسام المضادة، ولزيادة المواد اللازمة لتعزيز المناعة ومنها "إنترفيرون ألفا".
كرر الباحثون تجربة مصل الإنفلونزا على الفئران؛ إما جعلوها تركض بعد الجرعة أو تبقى ساكنة. ثم حلّلوا دماءها بحثاً عن مستويات "إنترفيرون ألفا"، ووجدوا أنها ارتفعت بعد الركض.
الخلاصة أنه إذا كان لديك الوقت الكافي والمكان المناسب لممارسة الرياضة بعد أخذ اللقاح، فإن 90 دقيقة من التمرينات متوسطة الحدّة يمكن أن تجعل استجابتك للقاح أفضل، دون إضافة أعراض جانبية.وحتى إجراء دراسات إضافية، عندما تحجز موعداً لأخذ لقاح كوفيد أو إنفلونزا، من المفيد أن تخصّص 90 دقيقة للمشي السريع أو الركض أو ركوب الدراجة بعدها. يمكن لذلك أن يُعطيك دفعة مناعية إضافية.