الغيرة عاطفة طبيعية، وهي موجودة في الغالبية العظمى من البشر بدرجات متفاوتة. وفي الواقع، يشعر الجميع بالغيرة في مرحلة ما من حياتهم.
ولكن يمكن أن تنفجر المشاكل عندما تنتقل الغيرة من درجة مشاعر صحية محدودة، إلى مشاعر غير صحية وغير عقلانية وفائقة التأثير. وقد تؤدي الغيرة المفرطة إلى تدمير الزواج في نهاية المطاف.
ما هي مشاعر الغيرة في أصلها؟
الغيرة هي رد فعل وقائي تجاه أي تهديد محتمل- سواء كان حقيقياً أو متخيلاً- ضمن إطار علاقة قيمة ومهمة بالنسبة للطرفين. ويمكن أن يكون القليل من الغيرة مُطمئناً في العلاقة، وهي نظام حماية مبرمج فينا بنسب متفاوتة.
ومع ذلك، فإن الكثير من الغيرة مرهق ومخيف لأي علاقة، خاصة في العلاقات الزوجية، لأنه يمكن أن يؤدي إلى سلوكيات خطيرة مثل المطاردة، والعنف، والاعتداء النفسي والجسدي.
بحسب موقع One Love المعرفي، لا تصبح الغيرة مشكلة حتى يتم التصرف بناءً على تلك المخاوف.
وغالباً ما يشعر الأشخاص المعرَّضون للغيرة الشديدة أو التملك بمشاعر عدم الكفاءة أو الدونية ويميلون إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين.
والغيرة في جوهرها، هي نتيجة ثانوية للخوف، سواء الخوف من ألا تكون جيداً بما فيه الكفاية، أو الخوف من الخسارة. وعندما يحدث ذلك، يمكن أن يخدعنا للاعتقاد بأن علاقتنا في خطر دائم، مما يجعل من المستحيل التمييز بين المشاعر الطبيعية لحماية الذات، والمعاناة من الشك غير العقلاني والوساوس.
ونظراً لقوة تأثيرها على المصاب والضحية على حد سواء، فهي اضطراب نفسي يستلزم الحصول على الدعم والمساعدة المتخصصة لعلاجه.
فهي ليست عاطفة يمكن مقاومتها، لأنها تخرج مباشرة من جوهر تقديرنا لذاتنا وله جذور عميقة في تركيبنا النفسي والعقلي، لذلك فهي تستلزم الوعي والجهد العميق للتغلب على هذه المشاعر.
الغيرة الطبيعية مقابل الغيرة غير الصحية
لفت موقع Very Well Mind للصحة النفسية والعقلية إلى أن الغيرة العرضية أمر طبيعي، ولكن عندما تصبح شديدة أو غير عقلانية، يمكن أن تلحق الضرر الشديد بالعلاقة.
وتعتبر القدرة على التمييز بين الغيرة الصحية والغيرة غير الصحية أمراً مهما لنجاح أي علاقة زوجية سوية وصحية. والفارق بينهما كالآتي:
1- الغيرة الطبيعية
في العلاقات التي تكون فيها مشاعر الغيرة معتدلة وعَرَضية، فإنه يذكِّر الأزواج بعدم أخذ بعضهم البعض كأمر مسلم به.
ويمكن للغيرة أيضاً أن تحفِّز الأزواج على تقدير بعضهم البعض وبذل جهد واعٍ للتأكد من أن شريكهم يشعر بالتقدير الدائم.
وتؤدي الغيرة أيضاً إلى زيادة مشاعر المودة والحميمية بين الطرفين؛ وبجرعات صغيرة يمكن التحكم فيها، حيث يمكن أن تكون الغيرة قوة إيجابية في الزواج.
والمختلف هنا أنه عندما تتعرض علاقة صحية لمشاعر من الغيرة، فإنها تأتي من مكان محمي وآمن. ويرى أحد الأشخاص تهديداً محتملاً للزواج فيبدأ في التعبير عن القلق أو الغيرة.
ثم ما يلبث الزوجان أن يبدآ في مناقشة القضية معاً بعقلانية، ويتفقا على كيفية المضي قدماً. ويكون كلاهما ملتزمين بالعلاقة ولا يشعران بعدم الأمان بشأن هويتهما المستقلة كأفراد.
2- الغيرة غير الصحية
عندما تكون الغيرة شديدة أو غير عقلانية، فإن القصة هنا تكون مختلفة تماماً.
وغالباً ما تكون الغيرة غير المنطقية أو المفرطة علامة تحذير وراية حمراء لعلاقة مسيئة محتملة.
في النهاية، يشعر الأشخاص الغيورون بالارتباك الشديد بسبب عواطفهم وانعدام الأمن لديهم، لدرجة أنهم يبدأون في ممارسة السيطرة والتسلُّط على أزواجهم.
كما قد يلجأون إلى الإساءة المالية، والتنمر اللفظي، وحتى العنف، وذلك من أجل الحفاظ على درجة السيطرة لديهم، ولتخفيف أو إخفاء مشاعرهم.
وتتجذر الغيرة غير الصحية عند المصاب بها في الخوف من الهجران والمعاناة من القلق بشأن عدم كونه محبوباً بما يكفي.
ومن علامات الغيرة غير الصحية ما يلي وفقاً لموقع Very Well Mind:
- الشعور بالريبة والقلق حيال ما يفعله أو يشعر به الزوج أو الزوجة.
- المطالبة بالبقاء على اطلاع بمكان وجود الشريك معظم الوقت.
- إظهار عدم الأمان والخوف غير العاديين.
- الانخراط في تخيُّل القصص وتوجيه اتهامات غير صحيحة للطرف الآخر.
- التشكيك المفرط في سلوكيات الشريك ودوافعه ونواياه.
- متابعة أو مطاردة شريك الحياة للتأكد من صدق مكانه.
- التعدي على حرية الشريك الشخصية، أو منعه من مقابلة الأصدقاء أو العائلة.
- قراءة رسائل البريد الإلكتروني والنصوص الشخصية أو الاستماع إلى رسائل البريد الصوتي، متوقعاً اكتشاف الخيانة الزوجية أو الكذب.
أسباب الإصابة بمشاعر الغيرة في العلاقات
عند مواجهة موقف يثير الغيرة، قد يتفاعل الشخص الذي يعاني مع هذه المشاعر بالخوف والغضب والحزن والقلق والحزن والشك والألم والشفقة على الذات والشعور بالإذلال.
كما قد يشعرون أيضاً بشكل عام بالريبة أو التهديد، أو قد يعانون من الشعور بالفشل وتدني الصورة الذاتية وقيمة الذات.
ويمكن أن تحدث الغيرة لأسباب عديدة، منها:
- الشعور بعدم الأمان أو سوء تضرر الصورة الذاتية.
- الخوف من الهجر أو الخيانة.
- الشعور بالتملك الشديد أو الرغبة في السيطرة.
- وجود شعور مضلل وخاطئ بملكية الزوج.
- وجود توقعات غير واقعية عن الزواج بشكل عام.
- امتلاك توقعات غير واقعية للزوج شخصياً.
- المرور بتجربة مؤلمة من التخلي في الماضي.
- القلق بشأن فقدان شخص أو شيء مهم.
تأثير الغيرة المفرطة والمؤذية على الزواج
من الشائع أن يسيء الأزواج تفسير غيرتهم على أنها حب، خاصة إذا كانت تلك الغيرة صحية بشكل عام ونادرة التكرار.
لكن إظهار الغيرة غير الطبيعية ليس مماثلاً للحب أبداً، إذ تؤدي الغيرة غير الطبيعية إلى إحداث فوضى في العلاقة بحيث يصبح الشخص الغيور أكثر خوفاً وغضباً وسيطرة.
كما يمكن أن تؤدي التجارب العاطفية الشديدة أيضاً إلى أعراض جسدية، إذ قد يعاني الأشخاص الغيورون من ردود فعل جسدية مثل الارتعاش والدوار والاكتئاب وصعوبة النوم واضطرابات المعدة.
كما يمكن أن يؤدي غضبهم المستمر وحاجتهم إلى الطمأنينة إلى إنهاء الزواج أو العلاقة برمتها، خاصةً إذا أصبحوا مسيئين ولا يتعاملون مع غيرتهم بطرق صحية.
طرق التعامل الصحية مع الغيرة
يوضح موقع NBC News الأمريكي، الخطوات التي يجب عليك اتباعها للتعامل بشكل أفضل مع نوبات الغيرة بطريقة مثمرة عند ظهورها.
1. انتبه لما تقوله لنفسك
خذ خطوة للوراء وفكر فيما تقوله لنفسك عن الموقف، وكيف تفسره في ذهنك.
لأنه غالباً ما تدفع الأشياء التي تخبرها لنفسك في توليد المشاعر الحادة التي تشعر بها.
وكلما كانت اللغة أكثر سلبية وتشاؤمية، تسبب ذلك في تأجيج مشاعر الخوف والذعر لديك، وبالتالي تسببت في زيادة الضغط على علاقتك الزوجية.
2. قُم بتحويل التركيز إلى الداخل
نشعر بالغيرة لأننا نظن أن علاقتنا الزوجية المهمة قد تكون في خطر.
ولكن بدلاً من افتراض أن الشخص الآخر في العلاقة هو من يحرض على هذا التهديد، انتبه وركز على ما تقدمه أو تسببه أنت من أضرار على علاقتك الخاصة به، وعلى ما يدور في دواخلك.
إذ يساعد التركيز على علاقتك بهذا الشخص على معالجة كل ما قد يكون خطأً، بدلاً من الدخول في دوامة من لوم الطرف الآخر وإيذاء مشاعره والانغماس في دور الضحية.
3. قرر ما إذا كانت غيرتك ناتجة عن مخاوف شخصية
يلاحظ فريمان أن مخاوف الغيرة على الزوج/الزوجة غالباً ما يكون لها جذور عميقة من الآراء السلبية وعدم الثقة في أنفسنا.
هل تشعر بالغيرة من قضاء زوجك وقتاً طويلاً في التواصل مع الآخرين لأنك تعتقد بالفعل أن علاقتك في خطر؟ أم أنك غير آمن بشأن عدم امتلاك هوايات واهتمامات خاصة خارج العلاقة كما يفعل هو؟
ويمكن أن يسبب الاعتماد في تقدير ذاتك ورؤيتك النفسية لشخصيتك على علاقتك الزوجية أن يولد شعوراً مزمناً بعدم الأمان.
4. إذا كنتما تعانيان من مشكلة، فتحدثا عنها
تستفيد جميع العلاقات من القواعد المتفق عليها بشكل متبادل عندما يتعلق الأمر بالثقة والإخلاص. ومن أجل إنجاح أي علاقة زوجية، من الجيد التحدث عن هذه الأشياء.
ويمكن أن يكون فتح تلك المحادثة أثراً مفيداً للغاية، خاصةً عندما تشعر بأنك على مسافة من الطرف الآخر، أو تشعر بأنه يبتعد عنك كلما سنحت له الفرصة.
5. فكر فيما تريده من المحادثة قبل أن تجريها
قبل أن تبدأ المحادثة التي ستعبر فيها عن غيرتك، فكر فيما تريده منها.
مثلاً، إذا أخبرت زوجتك أنك تشعر بالغيرة، فهل تريدها أن تصلح أمراً معيناً؟ هل تريدها أن تخبرك أنك لا يجب أن تشعر بالغيرة وتُطمئنك؟
أو ربما في الواقع هناك شيء آخر يثير غيرتك- مثل شعورك بالإهمال مثلاً، وتريد التحدث عن ذلك لا أكثر.
6. قرر ما إذا كان من الأفضل اختيار الثقة عن الغضب والغيرة
من المفيد أحياناً التحدث عن سبب شعورك بالغيرة أو التصرف وفقاً لشكوك صغيرة. لكن في بعض الأحيان، يمكن لشخص ما أن يتفقد الأمر باستمرار أو يكون شديد الريبة في حد ذاته على أن يشير إلى عدم الثقة باستمرار.
وقبل كل شيء، هل أعطاك هذا الشخص سبباً لعدم الثقة به؟ تجارب سابقة مؤلمة مثلاً؟
في النهاية، قد لا تعرف أبداً دافع الشخص الآخر للتصرف بالطريقة التي أثارت غيرتك، ولكن غالباً ما تتحرر من قدر هائل من القلق والتوتر والبؤس إذا اخترت الثقة.
7. الهدوء كثيراً ما يكون هو الخيار المثالي
الغيرة تصيبنا بالانفعال والنشاط. وقد تتسبب المحادثات الساخنة التي يتهم فيها شخص ما شريك حياته بالإهمال أو عدم الصدق في تدهور العلاقة بسرعة كبيرة.
فقط حاول أن تجري هذه المحادثة قبل أن تتراكم المواقف بداخلك وتشعر بالضيق البالغ. أخبر شريكك أنك تريد التحدث عما تشعر به بهدوء، حتى لا تمر الغيرة وتتراكم وتتحول إلى شيء سام.