يعتمد تشخيص السرطان، بشكل كبير، على التفسير البصري للشرائح النسيجية من قِبل علماء الأمراض الذين يستخدمون خبرتهم في التعرف على الأنماط لتقديم التشخيص. لكن الذكاء الاصطناعي أثبت قدرته الفعالة على التشخيص المبكر لأورام السرطان، متفوقاً على البشر في بعض الحالات.
فتشخيص الأورام مهارة صعبة وتستغرق وقتاً طويلاً ليتقنها الإنسان، ولكنها مهمة مثالية لتقنية الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة، والتي يمكنها استخدام آلاف إلى ملايين الصور لتدريب الخوارزميات في فترة زمنية قصيرة نسبياً.
نظراً إلى القدرة على "التعلم" من كميات كبيرة من البيانات، فإن الأجهزة التي تعمل بنظام تعليم الآلة تبشّر بتقديم تشخيصات أسرع وأكثر اتساقاً للسرطان.
في دراسة نُشرت بدورية Nature، قام فريق دولي، من ضمنه باحثون من Google Health وImperial College London، بتصميم وتدريب نموذج كمبيوتر على صور الأشعة السينية لما يقرب من 29000 امرأة.
تفوقت الخوارزمية على 6 أطباء الأشعة في قراءة صور الثدي بالأشعة السينية، حسب ما نشرته مجلة Nature.
كان الذكاء الاصطناعي لا يزال جيداً مثل طبيبين يعملان معاً. وعكس البشر، فإن الذكاء الاصطناعي لا يكل ولا يتعب.
ومع ذلك، للتكنولوجيا هذه قيود مهمة، إذ تعتمد موثوقية الخوارزميات على صحة البيانات التي تم تدريبها عليها.
في تشخيص السرطان، يعني هذا، الاعتمادَ على البيانات المصنفة بشكل صحيح مع الحقيقة الأساسية حول ما هو سرطان وما هو ليس سرطاناً.
تحديات تشخيص السرطان
لسوء الحظ، يوجد خلاف بين علماء الأمراض حول ماهية السرطان. أظهرت العديد من الدراسات أن الاتفاق التشخيصي بين أخصائيي علم الأمراض غالباً ما يكون ضعيفاً عبر أنواع مختلفة من الأورام، من ضمنها البروستاتا والغدة الدرقية وسرطان الجلد والثدي، لاسيما في المراحل المبكرة من السرطان، حسبما قال طبيب الأمراض الجلدية المعتمد والأستاذ المساعد في قسم الطب الباطني في كلية ديل الطبية بجامعة تكساس، أدويول أدامسون، في مقال نشر بمجلة The Scitntist.
وأوضح أدامسون أن عدم وجود معيار ذهبي في تشخيص السرطان مشكلة معروفة لها آثار مهمة على استخدام التشخيصات القائمة على الصور والتي تعمل بنظام تعليم الآلة أو ML.
في الواقع، يمكن لتقنية ML الكشف عن المشكلة بشكل أكبر.
وتقول أخصائية علم الأورام مريم جمال حنجاني، في معهد السرطان بجامعة كوليدج لندن، إن أطباء الأشعة سيتمكنون قريباً من الجمع بين نتائج الفحص والبيانات الجينية لإنشاء خطط علاج أكثر تخصصاً، حسب مجلة Nature.
نظراً إلى أن أنظمة التعلم تمر عبر أنواع مختلفة من مجموعات البيانات الكبيرة، مثل التصوير المقطعي المحوسب والتسلسل الجيني وتاريخ العلاج، فإنها غالباً ما تكتشف علاقات غير متوقعة.
على سبيل المثال، قد يتنبأ النمط الذي يظهر في التصوير المقطعي المحوسب لشخص ما، بأن الورم ستكون له تركيبة جينية معينة. وعندها يمكن للطبيب متابعة هذا التنبؤ عن طريق تسلسل خلايا الورم لمعرفة ما إذا كان صحيحاً، وعندها يختار الأطباء العلاج المناسب لهذا النوع من الورم.
والسرطان هو السبب الرئيسي للوفاة بجميع أنحاء العالم وحاجز رئيسي أمام زيادة متوسط العمر المتوقع في كل بلد تقريباً.
وتقدر منظمة الصحة العالمية WHO أن السرطان كان السبب الأول أو الثاني للوفاة قبل سن 70 في 112 من 183 دولة بين عامي 2000-2019 ، ويحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة في 23 دولة أخرى.
ابتكارات طبية لعلاج السرطان
نستعرض في ما يلي، أهم المبادرات الطبية والمشاريع التي تقود الأبحاث في هذا الاتجاه، حسب ما عددها موقع منتدى الاقتصاد العالمي World Econoic Forum:
المشروع الأول: تستخدم Microsoft التعلم الآلي (ML) ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP) لمساعدة أخصائيي الأورام الرائدين في العالم على اكتشاف علاج السرطان الأكثر فعالية والمخصص لكل مريض على حدى.
ويعمل الابتكار المسمى Inner Eye على إقران ML مع رؤية الكمبيوتر لمنح أطباء الأشعة فهماً أكثر تفصيلاً لكيفية تقدم أورام مرضاهم.
ويتم استخدامه حالياً من قبل مستشفى أدينبروك في كامبريدج لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التي تستخدم البيانات الخاصة بالمستشفى لتسليط الضوء تلقائياً على الأورام والأعضاء السليمة في فحوصات المريض.
المشروع الثاني: تتعاون منظمة بريتش كولومبيا للسرطان BC Cancer ومايكروسوفت كندا Microsoft Canada في "علم جينوم الخلية الواحدة" الذي سيمكّن المهنيين الطبيين من عرض جينومات الخلايا السرطانية المفردة.
سيمكن هذا المستوى من التفاصيل مجموعات مستهدفة ومحددة من العلاجات للأفراد، ويسمح لأخصائيي الأورام بالتنبؤ بكيفية استجابة الخلايا الفردية للمريض للعلاج الكيميائي.
المشروع الثالث: Bio Model Analyzer (BMA)، أداة قائمة على السحابة طورتها شركة Microsoft، تسمح لعلماء الأحياء بنمذجة كيفية تفاعل الخلايا بعضها مع بعض والتواصل بعضها مع بعض.
تستخدم BMA العديد من الطرق، وضمن ذلك اكتشاف السرطان مبكراً وفهم كيفية علاجه بشكل أفضل، من خلال نمذجة الأدوية التي ستكون أكثر فاعلية وفي أي نقطة قد يصبح السرطان مقاوماً لها.
المشروع الرابع: تستخدم Microsoft وAstraZeneca تقنية BMA لفهم تفاعلات الأدوية ومقاومتها بشكل أفضل لدى المرضى المصابين بنوع معين من سرطان الدم.
تم تصميم Project Hanover لفرز كل تلك المعلومات المجزأة تلقائياً للعثور على أجزاء البيانات الأكثر صلة، مما يترك لخبراء الأورام مزيداً من الوقت لاستخدام خبراتهم لمعرفة أفضل خطة علاج للمريض.
المشروع الخامس: قام مختبر جاكسون – مؤسسة مستقلة غير ربحية للبحوث الطبية الحيوية (تُعرف أيضاً باسم JAX)، بالتعاون مع علماء الكمبيوتر العاملين في مشروع Microsoft Hanover – بتطوير أداة لمساعدة المجتمعات الطبية والعلمية العالمية على الاطلاع الأولي على الحجم المتزايد باستمرار من البيانات الناتجة عن التطورات في البحث الجينومي.
الأداة، المسماة قاعدة المعرفة السريرية، أو CKB، هي قاعدة بيانات قابلة للبحث، حيث يقوم خبراء الموضوع بتخزين البيانات الجينية المعقدة وفرزها وتفسيرها لتحسين نتائج المرضى ومشاركة المعلومات حول التجارب السريرية وخيارات العلاج.
تتيح تقنية الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت قراءة الوثائق الطبية والبحثية المعقدة وتسليط الضوء على المعلومات المهمة التي تحتوي عليها.
حلول واعدة لفهم الطفرة الجينية القاتلة
يتضح أن النمو الهائل للذكاء الاصطناعي في العقد الماضي هو المنصة المحتملة لاتخاذ القرار الأمثل من خلال الذكاء الفائق، حيث يقتصر العقل البشري على معالجة البيانات الضخمة في نطاق زمني ضيق.
السرطان هو اضطراب معقد ومتعدد الوجوه مع الآلاف من الاختلافات الجينية والفوقية، تحمل الخوارزميات القائمة على الذكاء الاصطناعي وعداً كبيراً لتمهيد الطريق أمام تحديد هذه الطفرات الجينية وتفاعلات البروتين الشاذة في مرحلة مبكرة جداً.
تركز الأبحاث الطبية الحيوية الحديثة أيضاً على جلب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى العيادات بأمان ضمن ضوابط أخلاقية.
ويمكن أن تكون المساعدة القائمة على الذكاء الاصطناعي لعلماء الأمراض والأطباء قفزة كبيرة إلى الأمام نحو التنبؤ بمخاطر المرض والتشخيص والعلاج، خصوصاً سرطان الرئة الذي لا يتم اكتشافه إلا في مرحلة متأخرة.
سرطان الرئة الأكثر فتكاً
ويعد سرطان الرئة أكثر أنواع السرطان فتكاً في العالم، حيث يموت نحو 75% من المصابين به في غضون خمس سنوات من التشخيص.
ولكن عندما يتم اكتشاف السرطان مبكراً، حيث تكون الأورام صغيرة ومحصورة في الرئة، فإن ما يقرب من ثلثي الأشخاص يظلون على قيد الحياة لمدة خمس سنوات على الأقل.
وتعِد مثل هذه التطورات بجعل فحص سرطان الرئة أكثر دقة وفي متناول الجميع. لكن تحويل الأنظمة الجديدة إلى أدوات حاسمة سيتطلب تنمية دقيقة للعلاقة وثقة كبيرة بين أخصائيي الأشعة والآلات التي يعتمدون عليها.
تقارير ذات صلة:
ابتكارات طبية ستغير الرعاية الصحية مستقبلاً.. علاج مرض السكري بالخلايا الجذعية