حتى لو كان يدفعك للإنجاز.. لا تقُل لنفسك سأنجز مهمة ما حتى “لا أفشل” أو “لأسدد ديوني”!

تهديد الطفل بالحرمان من مكافآت معينة إذا لم يتناوله صحنه مثلاً هو نوع من أنواع التهديد بالخوف

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/14 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/14 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش
يستخدم البعض هذا الشعور بالخوف لكي يجتهدوا أكثر في الأمور - iStock

يمكن أن يكون الخوف حافزاً قوياً؛ إذ قد يشجع شخصاً ما على اللحاق بأي وظيفة كانت مهما بدت غير ملائمة؛ وذلك للهروب من الديون أو لكي يعمل على تحسين أوضاعه المعيشية ويتجنب العوز المالي. كذلك قد يحفّز الخوف من السمنة والأمراض المترتبة عليها الشخص للقيام بممارسة الرياضة يومياً، والالتزام بنظام صحي متوازن.

وقد يأتي التحفيز بالخوف في صورة أخرى أيضاً، وقد يستخدمه الأشخاص تجاه الآخرين للوصول لنتائج معينة، مثل الأب الذي يهدد أبناءه بالعقوبة إذا ما تداعى مستواهم الدراسي، أو رب العمل الذي يتوعد موظفيه بالفصل إذا لم يحققوا مكاسب محددة.

وغالباً ما كان الخوف مرتبطاً بالدوافع الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء. ومع ذلك، يمكن للخوف أن يدفع الشخص لتحقيق أشياء مادية وحسية معينة، ولكنه في الوقت ذاته يؤثر بصورة سلبية على الصحة النفسية؛ وبالتالي الأداء العام في الحياة بالتبعية.

بالرغم من أن الخوف قد يحقق بعض النتائج، لكن آثار هذا النمط عميقة على الصحة - iStock
بالرغم من أن الخوف قد يحقق بعض النتائج، لكن آثار هذا النمط عميقة على الصحة – iStock

التحفيز كنواقل عصبية في الدماغ

على مر السنين، أثبت علماء الأعصاب وعلماء النفس أننا نشعر بالتحفيز بشكل عام عند إطلاق الدوبامين- وهو ناقل عصبي ينقل الإشارات بين خلايا الدماغ- وينتقل إلى النواة المتكئة في المخ.

والنواة المتكئة هي منطقة من الدماغ في قلب منطقة الشعور بالمكافأة: لذلك عندما يصل الدوبامين إلى النواة المتكئة، فإنه يطلب ملاحظات حول ما إذا كان هناك شيء جيد أو سيئ على وشك الحدوث.

ويوضح كيمبرلي شاوفنبويل، مدير برنامج التطوير التنفيذي لجامعة الأمم المتحدة، أن هذا التوقع يدفعنا للرد بطرق إما "تقليل التهديد المتوقع (السيئ) أو زيادة المكافأة المتوقعة (الجيدة)". وبالتالي يحدث التحفيز.

لذلك إذا تلقيت بريداً إلكترونياً من رئيسك بمهمة جديدة مثلاً، فإن الدوبامين سيصطدم بالنواة المتكئة لتشكيل توقع لما سيحدث إذا قمت بالمهمة أم لا، أو إذا قمت بذلك بشكل جيد أو سيئ.

ومع تطبيق هذا التوقع، ستعمل إما على زيادة احتمالية المكافأة (زيادة الراتب، الحصول على الثناء، الشعور بالإنجاز والتميُّز) أو تقليل احتمالية العقوبة (خفض الرتبة، التعرض للصراخ، الشعور بالفشل والإخفاق).

مفهوم التحفيز بالخوف.. كيف يعمل الأمر؟

يقودك الخوف عادة نحو الإنتاجية؛ لأنك تريد تجنب التهديد أو العقوبة أو الفشل. وأثناء مهلة "موعد التسليم النهائي" مثلاً، فإنه يؤدي إلى استجابة كيميائية عصبية مماثلة في اللوزة بمنطقة الدماغ، وهي جزء من الدماغ مهم في تكوين الذكريات ومعالجة العواطف واتخاذ القرارات. وبمجرد أن يكتشف الدماغ الخطر، فإنه يدفع جسمك لوضعية القتال أو الهروب – Fight or Flight، حيث يتم إعطاء الأولوية للأهم فالمهم.

لكن مجرد كونك منتجاً في لحظة الخوف هذه لا يعني أنك تنتج شيئاً ذا جودة. عندما يبدأ الخوف بالتمكُّن من الإنسان، يتم تحويل معظم موارد الدماغ من مهامها المعتادة لأداء وظيفة "البقاء والنجاة" تلك. لذلك عندما يخطف الخوف عقلك، يمكن أن يضر بعملية صنع القرار ومستوى الإبداع.

ويوضح موقع Fast Company، أنه صحيح أن الخوف قد يحفزك على العمل بجدية أكبر أو العمل أكثر، ولكن عندما يكون الخوف هو الدافع المهيمن دوماً، لا يوجد دافع جوهري في أي مكان يجعلك تكتسب قيمة مما تفعله.

وبالتالي لا يكون هناك مجال للتعبير الإبداعي أو الفضول والتعلم. وبدون تلك القيم المهمة، لا يتم البحث عن معلومات جديدة للتعلُّم وتطوير الذات، أو السماح للأفكار بالتدفق من خلالك بشكل طبيعي والابتكار في مجالك.

التأثير السلبي لتكتيك التحفيز بالخوف

وتُظهر الأبحاث أنه كأدوات لتحفيز الأشخاص على العمل والإنجاز، فإن الخوف والترهيب يأتيان بالكثير من المخاطر وقد يؤديان إلى فقد المصداقية إلى حد كبير في الشخص الذي يستخدم تلك الوسيلة تجاه الآخرين. 

ويمكن أن يؤدي أسلوب الإدارة الاستبدادي إلى تدني احترام الذات وتدني الأداء لأنه يُضعف تماسك الفريق ويزيد من التوتر والعجز ويخلق شعوراً بالاغتراب عن العمل، وفقاً لما ورد في مقال لعالم النفس بليك أشفورث بحسب موقع جامعة بنسلفانيا.

ومع ذلك، يستمر استخدام الخوف كحافز في العديد من البيئات سواء الدراسية أو الوظيفية أو حتى في بعض المنازل بين أفراد الأسرة. 

يسبب الخوف المستمر سلسلة ضخمة من المشاعر العاطفية السلبية - iStock
يسبب الخوف المستمر سلسلة ضخمة من المشاعر العاطفية السلبية – iStock

تأثير التحفيز بالخوف في بيئة العمل بأنواعها

لكن حول التأثير في بيئة العمل مثلاً، يقول سيجال بارساد، أستاذ الإدارة في وارتن، إن الخوف له قيمة محددة في الشركات، ولكنه لا يعد وسيلة فعالة لضمان ارتفاع المستوى أو الناتج.

ويتابع: "عادةً ما تكون قيمة الخوف في بيئة العمل هي الإشارة إلى حدوث خطأ ما، وأن هناك شيئاً ما يحتاج إلى الإصلاح ويمنح الطاقة عوضاً عنه. وعلى الرغم من أن هذه نتائج إيجابية في مجملها، فإن مشكلة الخوف هي أنه يمكن أيضاً أن يجعل الناس يصبحون أكثر صرامة، وأقل إبداعاً، وأكثر تعاسة، لذلك فهذا النمط يكون أكثر فاعلية في جرعات صغيرة فقط وليس بشكل دائم".

وحول ما إذا كانت الرسالة التي ترسلها ثقافة مكان العمل باستمرار للموظفين هي الخوف، فهل ستستفيد حينها هذه الشركة من عمالها إلى أقصى حد، يقول أستاذ الإدارة، أندرو كارتون، لموقع جامعة بنسلفانيا: "الخوف هو عاطفة إنسانية طبيعية، وعندما يتم ضبطه، يمكن أن يكون أحياناً طريقة وظيفية أو حتى ضرورية لضمان عدم شعور الناس بالتراخي. ولكن عندما يصبح الخوف علامة راسخة لثقافة المنظمة، يمكن أن يكون لذلك آثار ضارة على المدى الطويل. بالإضافة إلى خنق الإبداع والابتكار، يمكن أن يمنع التعاون والتفاعل بين الفريق، ويؤدي إلى الإرهاق والمشاعر السلبية"، وبطبيعة الحال تؤدي المشاعر السلبية إلى تنامي مشاعر سلبية أعمق… وهكذا دواليك.

تأثير التحفيز بالخوف على الصحة النفسية

الاستخدام المتواصل والمتعمد لتقنية التحفيز بالخوف، سواء كان ذلك في العمل أو في المدرسة أو في المنزل، وفي مختلف البيئات الجماعية سواء الأكاديمية أو المهنية أو الرياضية، يسبب حالة كبيرة من الاستياء بين الأفراد، مما يؤدي في الواقع إلى خفض الحافز والإنتاجية والجودة على المدى الأبعد. ويمكن أن يخنق أيضاً الابتكار والإبداع وقدرات الشخص على التعلُّم وتطوير نفسه.

ويمكن أن يسبب الخوف والتوتر القلق المزمن وصولاً إلى الاكتئاب، مما يزيد من فرص تردّي وضع الشخص في مجاله، سواء كان ذلك قدراته على التعلُّم أو العمل أو حتى أن يكون زوجاً أو زوجة جيدة. ما قد يدفع بالشخص تحت وتيرة ضغط مستمرة إلى الرغبة في الهروب من مهامه ومحاولة إيجاد أي فرص للشعور بالتخفُّف من تلك الضغوط.

التحفيز بالأمل لتحقيق النتائج 

عكس التحفيز بالخوف، فإن الأمل أمر آخر. فهو ليس مجرد شعور بالتفاؤل- أي الافتراض بأن النتيجة الإيجابية أمر لا مفر منه. بدلاً من ذلك، الأمل هو دافع للمثابرة نحو هدف أو حالة نهائية، حتى لو كان الشخص متشككاً في احتمال تحقيق نتيجة إيجابية.

التحفيز بالأمل يحقق نتائج إيجابية أكبر من تلك التي يحققها التحفيز بالخوف - iStock
التحفيز بالأمل يحقق نتائج إيجابية أكبر من تلك التي يحققها التحفيز بالخوف – iStock

وبحسب علماء النفس، فإن الأمل يتضمن نشاطاً وموقفاً يمكن فعله، واعتقاداً بأن لدينا طريقة يمكنها فعلاً الوصول إلى النتيجة المرجوة. لذلك فإن الأمل هو قوة الإرادة للتغيير وقوة اختيار الطريق لإحداث هذا التغيير، بحسب موقع The Conversation.

ومن السهل استحضار الأمل بالنسبة للصغار والمراهقين والشباب، لكن مع البلوغ والتقدُّم في السن وازدياد الخبرات والتجارب، لا يكون الأمر بنفس السهولة. وذلك بسبب مواجهة العقبات والأزمات- مثل المشاكل الصحية أو المالية أو العائلية المتكررة التي لا يبدو أنها تختفي.

وفي دراسة أجرتها جامعة هارفارد بحسب الموقع نفسه، درس الباحثون تأثير الأمل على ما يقرب من 13000 شخص. ووجدوا أن أولئك الذين لديهم المزيد من الأمل طوال حياتهم يتمتعون بصحة بدنية أفضل وسلوكيات صحية أفضل ودعم اجتماعي أفضل وحياة أطول. كما أدى الأمل أيضاً إلى تقليل المشكلات الصحية المزمنة وتقليل الاكتئاب وتقليل القلق وتقليل مخاطر الإصابة بالسرطان.

التحفيز بالأمل مقابل التحفيز بالخوف

وفي حين أن هناك بعض الأشخاص الذين يستخدمون دافع الخوف لكي يحققوا مساعيهم في الإنجاز، فإن آخرين يصابون بالشلل بسبب هذا الخوف.

تقول أستاذة الإدارة ستيفاني كريري لموقع جامعة بنسلفانيا: "المشكلة هي أن المشاعر السلبية غالباً ما تولد مشاعر سلبية أخرى. ويمكن أن يتجلّى الخوف في هيئة القلق والاكتئاب واليأس، ويمكن أن تصبح البيئة التي تسود فيها هذه المشاعر السلبية بيئة صعبة للغاية للعمل والحياة بشكل عام".

لكن الأمل، من ناحية أخرى، يمكن أن يولِّد مشاعر السعادة والثقة وجميع أنواع المشاعر الإيجابية التي ترتبط بشكل أكبر برفاهية الإنسان، وبالتالي كل الإيجابيات المحتملة لسلوكه وإنتاجيته. وبالتالي يُنصح بالتدرُّب على انتهاجه كثقافة حياتية، عوضاً عن استخدام التحفيز بالخوف الذي قد يؤدي لعواقب وخيمة لا تُحمد عُقباها.

تحميل المزيد