مشكلة النسيان تحدث لنا جميعاً، بداية من مكان وضع مفاتيح المنزل أو هاتفك الذكي، وصولاً إلى نسيان الوجوه والأسماء والتواريخ المهمة، وحتى مكان ركن سيارتك أمام المول التجاري.
لذلك لا تلُم نفسك، فمشكلة النسيان شائعة وطبيعية تماماً حتى في سنوات شبابك، ولكن قد ترجع تلك المشكلة في بعض الأحيان إلى مشكلة عقلية معينة تساهم في جعل عملية حفظ المعلومات شديدة الصعوبة والتعقيد.
متى تكون مشكلة النسيان طبيعية ولا تستدعي القلق؟
الأشياء التي تعلمتها مؤخراً -مثل اسم شخص تعرَّفت عليه حديثاً في مناسبة أو فعالية ما- تكون هي الأصعب في تذكرها واسترجاعها، لأنها لم تترسخ في عقلك بعد.
ومن الشائع أن تنسى المكان الذي وضعت فيه شيئاً أو تغفل كلياً عن موعد كان في جدولك الزمني بنهاية هذا الشهر، إذ يحدث ذلك غالباً لأنك لم تكن منتبهاً فعلياً أثناء التعامل مع تلك الأمور.
على سبيل المثال، ربما كنت تركز على ملابس الشخص أو ملامحه عندما أخبرك باسمه أثناء التعرف عليه، أو ربما كنت تفكر في قائمة البقالة التي تريد شراءها بدلاً من المكان الذي تركت فيه سيارتك، كما تميل مشكلة النسيان إلى الحدوث أكثر عندما تكون متعباً أو مريضاً أو مرهقاً.
عوامل التقدم في السن وارتباطها بمشكلة النسيان
وفي تصريحات لموقع Hopkins Medicine العلمي، يقول طبيب الشيخوخة وتقدم السن، سيفيل يسار، إن "زلة الذاكرة العرضية" أمر طبيعي تماماً.
ولكن مع التقدم في العمر قد تجعلك هذه "اللحظات" تتساءل عما إذا كنت تتجه نحو الخرف، وهو حينما تعاني قوة الذاكرة ومهارات التفكير لديك بشكل حاد بما يكفي للتدخل في حياتك بصورة طبيعية، وهو الأمر الذي يحدث غالباً بسبب مرض الزهايمر أو تغيرات دماغية أخرى.
ويتابع المختص: "يمكن للإجهاد، والمسؤوليات الثقيلة المتعددة، وقلة النوم وحتى تناول بعض الأدوية والعقاقير أن تتداخل مع عملية تكوين وحفظ الذكريات واسترجاعها".
الخرف والزهايمر يؤثران على قدرات العقل
كلمة "الخرف" مصطلح شامل، يستخدم لوصف مجموعة من الأعراض العقلية، بما في ذلك ضعف في الذاكرة والتفكير والحكم، وفقدان مهارات اللغة والتفكير الأخرى.
وبحسب موقع Mayo Clinic الطبي، يبدأ الخرف عادةً بشكل تدريجي، ويزداد سوءاً بمرور الوقت، ويُضعف قدرات الشخص في العمل والتفاعل الاجتماعي وبناء العلاقات والمعاناة من مشكلة النسيان المستمر.
وفي كثير من الأحيان، يُعد فقدان الذاكرة الذي يعطل حياتك أحد العلامات الأولى أو الأكثر شهرة للخرف. وقد تشمل العلامات المبكرة الأخرى ما يلي:
- طرح نفس الأسئلة بشكل متكرر.
- نسيان الكلمات الشائعة عند التحدث.
- خلط الكلمات مثل قول "سرير" بدلاً من "طاولة"، على سبيل المثال.
- استغراق وقت أطول في إكمال المهام المألوفة والمعتادة.
- وضع الأشياء في غير مكانها، مثل وضع المحفظة في درج المطبخ.
- التيه أثناء المشي أو القيادة في منطقة مألوفة.
- حدوث تغيرات في المزاج أو السلوك بدون سبب واضح.
وتشمل الأمراض التي تسبب تلفاً تدريجياً للدماغ، وبالتالي تؤدي إلى الخرف، ما يلي:
- مرض الزهايمر، وهو السبب الأكثر شيوعاً للخرف.
- الخرف الوعائي أو Vascular dementia
- الخرف الجبهي الصدغي أو Frontotemporal dementia
- خَرَف أجسام ليوي Lewy body dementia
وتختلف أعراض وتداعيات كل من الأمراض التالية عن بعضها البعض. إذ قد لا يكون ضعف الذاكرة دائماً هو العلامة الأولى، ويختلف نوع مشاكل الذاكرة وفقاً للمرض أيضاً. كما من الممكن الإصابة بأكثر من نوع واحد من الخَرَف في وقتٍ واحد، ويُعرف باسم الخَرَف المختلط.
الضعف الإدراكي الخفيف
يتضمن هذا الاضطراب انخفاضاً ملحوظاً في مجال واحد على الأقل من مهارات التفكير، مثل الذاكرة، وهو أكبر من تغيرات الشيخوخة العادية وأقل من تلك الناتجة عن الخرف. وتعد الإصابة بضعف إدراكي معتدل مشكلة بسيطة ولا تؤثر على أداء المهام اليومية والمشاركة الاجتماعية.
ولا يزال الباحثون والأطباء يدرسون أسباب حدوث الضعف الإدراكي المعتدل. لكن بالنسبة للعديد من الأشخاص تتطور الحالة لديهم وصولاً إلى الخرف في النهاية بسبب تطوير مرض الزهايمر أو اضطراب عقلي آخر مماثل.
عوامل عارضة تسبب مشكلة النسيان
يمكن أن تتسبب العديد من المشكلات الطبية في فقدان الذاكرة أو أعراض أخرى شبيهة بالخرف، وفي العادة يمكن علاج معظم هذه الحالات وزوال المشكلة بعد الشفاء.
ويمكن للطبيب فحصك بحثاً عن الحالات التي تسبب لك ضعف الذاكرة القابل للعلاج، وتشمل الأسباب المحتملة ما يلي:
- العقاقير: يمكن أن تسبب بعض الأدوية أو عند تناول مجموعة من الأدوية في تفاقم مشكلة النسيان أو إصابة الشخص بالارتباك وعدم الانتباه.
- التعرض لصدمة أو إصابة في الرأس: يمكن أن تسبب إصابة الرأس الناتجة عن السقوط أو حوادث الارتطام -حتى لو لم تفقد الوعي- مشاكل في الذاكرة تزول بزوال آثار الإصابة.
- الاضطرابات العاطفية: يمكن أن يسبب التوتر أو القلق أو الاكتئاب تفاقماً لمشكلة النسيان وإصابة الشخص بالارتباك وصعوبة التركيز وغيرها من المشاكل التي تعطل الأنشطة اليومية الطبيعية.
- إدمان المخدرات أو الكحوليات: يمكن أن يؤدي إدمان تلك المواد بشكل مزمن إلى إضعاف القدرات العقلية بشكل خطير، وهي تؤدي على المدى البعيد إلى فقدان الذاكرة والمهارات المختلفة.
- نقص فيتامين ب 12: يساعد فيتامين ب 12 في الحفاظ على صحة الخلايا العصبية وخلايا الدم الحمراء. ويمكن أن يسبب نقص فيتامين ب 12 -الشائع عند كبار السن- مشاكل في الذاكرة.
- قصور الغدة الدرقية: يمكن أن يؤدي خمول الغدة الدرقية إلى النسيان ومشاكل التفكير الأخرى مثل عدم الاتزان وسهولة الارتباك.
- أمراض الدماغ: يمكن أن يسبب ورم أو عدوى في الدماغ مشاكل في الذاكرة أو أعراضاً أخرى شبيهة بالخرف.
خطوات بسيطة يمكنها علاج المشكلة
هناك أشياء يمكنك القيام بها لتحسين استرجاع المعلومات وقدرات ذاكرتك، لكنك قد تضطر إلى تنظيم (أو إعادة تنظيم) حياتك قليلاً:
1- كن منظماً: قم بتخزين العناصر التي تضيع في نفس المكان دوماً، وبالتالي ستقل احتمالية فقدها في المستقبل، ويعد تحديد أماكن مخصصة للأشياء خطوة سحرية لعلاج المشكلة.
2- الكتابة والتدوين: عندما يتعلق الأمر بتتبع جدولك الزمني وأرقام الهواتف وأعياد الميلاد ووقت التسليم، ضع القلم على الورق وقم بالكتابة فوراً، وحتى لو لم تنظر إلى ملاحظاتك، فإن عملية كتابتها يمكن أن تساعدك على تذكر المعلومة.
3- استخدم التقويم: احصل على دفتر بالتواريخ أو تقويم حائط واكتب الاجتماعات والمواعيد والنزهات العائلية الهامة -وكل شيء آخر- بداخله. وانظر إلى جدول اليوم التالي قبل الذهاب إلى الفراش للمساعدة في إبقاء الأحداث جديدة في ذهنك خلال الليل وعند الاستيقاظ.
4- التكرار والحفظ: قم بتكرار المعلومات المهمة وحاول حفظها، بداية من اسم شخص قابلته للتو إلى عنوان تحتاج إلى الوصول إليه، فإن قول شيء ما عدة مرات يمكن أن يساعده في البقاء في عقلك.
5- قاوم واعمل على تعزيز قدرات عقلك. افعل شيئاً يومياً لتحدي عقلك، تعلم لغة جديدة، وناقش الكتب مع أصدقائك، أو حل لغز الكلمات المتقاطعة.
متى ينبغي مراجعة الطبيب للكشف على أسباب مشكلة النسيان؟
إذا كنت قلقاً بشأن ذاكرتك وقدرتك على استرجاع الذكريات والمعلومات فاستشر طبيبك المختص، للتأكد من عدم وجود عوامل كامنة هي السبب في المشكلة. وهناك اختبارات لتحديد درجة ضعف الذاكرة وتشخيص السبب.
ومن المرجح أن يُجري طبيبك اختبارات أسئلة وأجوبة للحكم على ذاكرتك ومهارات التفكير الأخرى لديك، كما قد يطلب أيضاً إجراء اختبارات الدم واختبارات تصوير الدماغ، التي يمكن أن تساعد في تحديد الأسباب القابلة للعلاج والأعراض الشبيهة بالخرف.
اختبار لتحديد سلامة ذاكرتك
إذا شعرت كما لو أن ذاكرتك لم تعد حادة كما كانت من قبل فقم بإجراء الاختبار التالي، وتحقّق من كل الأعراض التي تعاني منها. ويلفت موقع united brain association إلى تذكّر أن الإجابة بنعم على أي من هذه الأسئلة لا يعني بالضرورة أن لديك ما يدعو للقلق، ولكن هذه المؤشرات خطيرة بما يكفي لدرجة أنك قد ترغب في مناقشتها مع طبيبك.
1- هل تطرح نفس الأسئلة مراراً وتكراراً؟
هناك نسبة طبيعية في أن نكرر أنفسنا في بعض الأحيان، ولكن إذا وجدت (أو أخبرك الآخرون) أنك تطرح نفس الأسئلة بشكل متكرر -وأنك لا تتذكر الإجابة أو تتذكر أنك سألت من الأساس- فقد يكون هذا سبباً للقلق.
2- هل تجد صعوبة في تذكر الأحداث الأخيرة؟
هل لديك مشاكل في تذكر الأشياء التي حدثت لك في الماضي القريب، وربما حتى بالأمس؟ يعد فقدان الذاكرة على المدى القصير بالتأكيد علامة تحذير تستحق الانتباه إليها.
3- هل تجد صعوبة في تذكر الأحداث الماضية المهمة؟
يُعد تذكُّر تفاصيل الأحداث من الماضي البعيد أمراً صعباً عند الجميع، ولكنه يثير القلق إذا لم تتمكن من تذكر الحقائق أو الأحداث المهمة في حياتك، مثل أسماء أحبتك أو التواريخ المهمة مثل عيد ميلاد طفلك أو الذكرى السنوية أو الأحداث الهامة المتعلقة بك.
4- هل تفقد الأشياء بشكل متكرر؟
مرة أخرى، أحياناً يكون وضع شيء في غير موضعه أمراً طبيعياً نفعله جميعاً، لكن يجب أن تقلق إذا نسيت مكان وضع الأشياء طوال الوقت، أو إذا كنت تضع الأشياء لسبب غير مفهوم في أماكن غير معتادة (مثل وضع نظارات القراءة في خزانة الملابس).
5- هل نسيت ما هو اليوم؟
هل لديك مشاكل في تحديد الزمان والمكان، مثل التاريخ اليوم، أو الترتيب الذي تحدث به الأشياء مثلاً شطف الوجه من الصابون قبل مسحه بالمنشفة، أو كيف وصلت إلى مكانك الحالي؟ وقد يكون من الطبيعي أن تنسى مؤقتاً أي يوم من أيام الأسبوع نحن فيه، لكن الارتباك المستمر يمثل مشكلة وعلامة تنبيه خطيرة.
هل تجد صعوبة في التخطيط والقيام بمهمة ما أو إنهاء المهمة؟
بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الذاكرة يصعب أحياناً عليهم التفكير في الخطوات المتبعة في القيام بشيء ما بصورة واضحة، مثلما يكون الأمر في حالة اتباع وصفة طهي معينة، وغالباً ما يكون من السهل أن تضيع في منتصف العملية.
هل تجد صعوبة في التركيز؟
قد تكون مشاكل التركيز التي تتعارض مع قدرتك على العمل بشكل طبيعي علامة تحذير أخرى لاضطراب الذاكرة ووجود عطل ما وراء مشكلة النسيان التي تعاني منها.
وقد تعيق صعوبات التركيز قدرتك على حل المشكلات، أو قد تجعل من الصعب القيام بشيء أساسي وطبيعي مثل إجراء محادثة هاتفية مثلاً، معضلة وتحدياً صعباً.
هل تجد نفسك تنسحب من أنشطتك الاجتماعية المعتادة، وتتجنب الفعاليات؟
يمكن أن يكون الانسحاب من الفعاليات الاجتماعية علامة على العديد من الاضطرابات المختلفة، سواء النفسية أو العقلية، ولكن في بعض الأحيان يبتعد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الذاكرة عن روتينهم المعتاد لأن مشاكل الذاكرة لديهم تجعل الأنشطة العادية صعبة للغاية.
هل لديك مشاكل جديدة في الرؤية أو الإدراك المكاني؟
هل تجد صعوبة في القراءة أو التمييز بين الألوان أو الحكم على المسافات بينك وبين الأشياء الأخرى؟ هل تجد صعوبة في القيادة أو الالتفاف؟ في حين أن العلاقة بين الأمرين قد لا تكون واضحة، فإن بعض صعوبات الإدراك البصري والمكاني هي علامة مبكرة على بعض اضطرابات الذاكرة.
هل مررت بلحظات من سوء التقدير وسوء الحُكم؟
هل اتخذت، على سبيل المثال، قراراً مالياً سيئاً يبدو خارجاً عن طبيعتك؟ هل تهتم بنظافتك الشخصية بشكل أقل مما اعتدت عليه؟ إذ قد تتداخل اضطرابات الذاكرة مع اتخاذ قرارات جيدة بشأن ما هو مهم وما يمكن تأجيله.
هل حدثت تغيرات ملحوظة في مزاجك أو سلوكك أو شخصيتك مؤخراً؟
يمكن أن تجعلك اضطرابات الذاكرة أكثر عرضة للإحباط أو الغضب عندما لا تسير الأمور بسهولة، وقد تعاني نوبات من الشك أو الخوف أو القلق أو الاكتئاب، لذلك إذا واجهت هذه التغييرات في نفسك أو في أحد أفراد أسرتك، فقد تكون علامة تحذير مبكر أخرى لاضطراب الذاكرة.
وبطبيعة الحال لا تُعد تلك القائمة من الأسئلة أداة تشخيص دقيقة، وهي ليست بديلاً عن استشارة أخصائي طبي مختص. ومع ذلك، إذا وجدت أنه يمكنك الإجابة بنعم على معظم هذه الأسئلة -وخاصة إذا ما كان لأي من هذه المواقف تأثير كبير على حياتك اليومية- فقد يكون الوقت قد حان لإجراء محادثة مع طبيب متخصص في اضطرابات الذاكرة لعلاج مشكلة النسيان لديك.