هل تعتاد الخوف من الجلوس وحدك والانعزال عن الآخرين، وما إن يحدث ذلك تساورك التساؤلات حول استحقاقك للحب أو تُصاب بعدم الأمان والخوف من ذاتك؟ تلك المشاعر القاسية تشير إلى إصابة الشخص بحالة تُدعى Autophobia أو Monophobia، أو ما يُعرف عربياً برهاب الذات أو رهاب الأحادية.
وهذا النوع من الاضطرابات النفسية هو الخوف من الجلوس وحدك، أو أن تكون وحيداً تماماً. إذ يمكن أن يؤدي كونك بمفردك، حتى في مكان مريح مثل المنزل، إلى إصابتك بالقلق الشديد والتوتر.
ويشعر الأشخاص المصابون برهاب الذات بأنهم بحاجة إلى شخص آخر أو أشخاص آخرين، من أجل الشعور بالأمان والطمأنينة والهدوء.
تبعات الإصابة بالاضطراب
حتى عندما يعرف الشخص المصاب برهاب الذات أنه آمن جسدياً من أي مخاطر محتملة، فقد يعيش في خوف مما يلي:
- الخوف من اللصوص ومقتحمي المنازل.
- الغرباء في الشارع أو المارين قرب المنزل.
- الخوف من كونه غير محبوب ولا يملك أحداً.
- الخوف من كونه شخصاً غير مرغوب فيه.
- الخوف من معاناة مشكلة طبية مفاجئة.
- الخوف عند سماع أي ضوضاء غير متوقعة أو غير واضحة المصدر.
ما هي أعراض رهاب الذات؟
عند الإصابة بهذا الاضطراب النفسي، فإن مجرد الجلوس وحدك يُعد أمراً شاقاً ومرهقاً؛ لفرط ما يثير فيك المخاوف والقلق الشديد.
وتشمل أعراض رهاب الذات، وفقاً لموقع Healthline الطبي، ما يلي:
- القلق الشديد بشأن الوحدة.
- المعاناة من مخاوف أن يحدث شيء أثناء وجودك بمفردك.
- الشعور بالانفصال عن جسمك عندما تكون وحيداً.
- الارتعاش والتعرق وألم الصدر والدوخة وخفقان القلب وفرط التنفس والغثيان عند الجلوس وحدك.
- الشعور بالرعب الشديد عندما تكون بمفردك أو في موقف توشك أن تصبح وحيداً بعده.
- الرغبة العارمة في الفرار عند الجلوس وحدك.
- القلق حتى من فكرة الجلوس وحيداً قبل أن تجلس وحدك بالفعل.
ولتجنب الأعراض غير المريحة تلك، قد ينخرط الأشخاص المصابون برهاب الذات في "سلوكيات السلامة"، وهي بعض الإجراءات المتخذة للتعامل مع القلق وتقليله. وأحد سلوكيات السلامة الكلاسيكية هو التجنب والهروب.
إذ يشعر الناس برغبة شديدة في تجنب البقاء بمفردهم أو الفرار من المواقف التي يكونون فيها بمفردهم.
وقد تشمل سلوكيات السلامة الأخرى العيش دائماً مع رفقاء في الغرفة، أو السفر في مجموعات، أو الوجود باستمرار في مكالمة هاتفية أو مكالمة فيديو عندما يكونون وحدهم في المنزل.
وأشارت سامانثا ميهري، أستاذة علم النفس الإكلينيكي، إلى أن بعض الأشخاص قد يكونون عرضة للبحث عن الطمأنينة في الأحبَّة والأصدقاء بشكل متطلب وضاغط على العلاقات، أو من خلال الاعتماد على الأدوية أو المُسكِرات والمخدرات للتعامل مع هذا الخوف، وفقاً لتصريحاتها لموقع The mighty.
الفارق بين رهاب الذات والوحدة العادية
الخوف من الذات أو رهاب الجلوس وحدك لا يعني أبداً الشعور بالوحدة. إذ تشير الوحدة إلى المشاعر السلبية التي تنشأ عندما يشعر الشخص بأن لديه تفاعلات اجتماعية قليلة جداً أو روابط عاطفية ذات مغزى مع الآخرين.
ويمكن أن يشعر الناس بالوحدة حتى عندما يكونون مع الآخرين.
أما في حالة الإصابة برهاب الذات، فينتج عنها القلق الشديد الناجم عن فكرة قضاء الوقت وحيداً والجلوس بمفردك في المواقف المحتملة كافة.
وقد يشعر الناس أيضاً بالقلق عندما يكونون وحيدين، على الرغم من أن هذا القلق يكون أقل حدة من قلق رهاب الذات.
أسباب الإصابة برهاب الذات والخوف من الجلوس وحدك
يقول موقع Medical News Today إنه كما هو الحال مع أنواع الرهاب الأخرى، فإنَّ سبب إصابة الشخص برهاب الذات ليس واضحاً دائماً. وقد يتعلق الأمر بصدمة سابقة أو تجارب سلبية عندما يكون الشخص بمفرده.
وغالباً ما يتطور الرهاب في مرحلة من الطفولة، ولا يتذكر كثير من الناس المصدر المحدد لهذه المشكلة. وقد يتعلق رهاب الذات بتجربة سابقة أدت إلى الخوف من الهجر والوحدة، مثل طلاق الوالدين أو وفاة في الأسرة.
ولدى بعض الأشخاص، يرتبط الرهاب بحالة أخرى. إذ قد يتطور نتيجة لاضطرابات القلق والحالة النفسية للشخص.
على سبيل المثال، قد يصاب الشخص الذي يعاني من نوبات الهلع Panic Attacks، بالخوف من عدم وجود شخص حوله للمساعدة.
أيضاً، قد يكون رهاب الذات أحد الأعراض لحالات أخرى هي الأصل في المشكلة. على سبيل المثال، توضح الخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا، أو NHS، أن الخوف من الجلوس وحدك هو أحد أعراض رهاب الخلاء أو Agoraphobia، وهو الخوف من الوجود في أماكن أو مواقف قد يكون فيها الهروب صعباً وغير متاح.
ويمكن أن يؤدي رهاب الخلاء أيضاً إلى تقليل ثقة الشخص بقدرته على إكمال المهام بمفرده. وقد يتطور هذا إلى خوف من قضاء الوقت بمفردك في مختلف الظروف.
وفي بعض الحالات، قد يكون رهاب الذات مرتبطاً باضطراب القلق العام أو أنواع أخرى من الرهاب أو اضطراب ما بعد الصدمة PTSD.
العلاج وطريقة التعامل مع الاضطراب
مثل جميع أنواع الرهاب، فإن الخوف من الجلوس وحدك والبقاء في معزل عن الناس ولو لفترات قصيرة، يستجيب جيداً لمجموعة متنوعة من خيارات العلاج وفقاً لدرجة الإصابة بالاضطراب.
وقد يستفيد الأشخاص المصابون برهاب الذات من العقاقير والعلاجات النفسية. ومن المحتمل أن يركز العلاج على ما يلي، وفقاً لموقع Very Well Mind:
- العمل على تقليل الخوف والقلق اللذين تشعر بهما عند الجلوس وحدك.
- بناء قدرتك تدريجياً على أن تكون بمفردك وتكسب ثقة بنفسك.
- الأدوية المهدئة والمضادة للقلق، مثل البنزوديازيبينات أو حاصرات بيتا، أو مضادات الاكتئاب مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs).
إذا وصف طبيبك دواءً، فمن المحتمل أن يتم استخدامه مع العلاج. ويمكن أيضاً استخدام الأدوية على المدى القصير كطريقة لتقليل القلق الذي تشعر به في أثناء العلاج النفسي.
ثانياً، يعد العلاج السلوكي جزءاً أساسياً من عملية علاج الرهاب بأنواعه. وقد يوصي الطبيب بما يلي:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعدك العلاج السلوكي المعرفي على تعلُّم كيفية ملاحظة وتحدي الأفكار التلقائية المرتبطة بالفوبيا. وقد يساعدك هذا في تحديد اللحظات التي يكون فيها قلقك غير متناسب مع الخطر الفعلي لكونك بمفردك.
- إزالة التحسس: إزالة التحسس هي عملية تتعرض فيها لمواقف تُسبب القلق في أثناء ممارسة بعض التدريبات للحفاظ على هدوئك. ويهدف هذا النوع من العلاج إلى إزالة حساسيتك ببطء تجاه تجربة الوحدة والجلوس وحيداً من دون أحد.
وأخيراً يأتي العلاج بالتأقلُم وبناء الأساليب المسيطرة على حدة الاضطراب لكي تتم معالجة رهاب الجلوس وحدك. ولأن الشعور بعدم القدرة على أن تكون بمفردك يمكن أن يجعل من الصعب عليك السفر وأداء المهمات وتجربة العديد من مناحي الحياة بشكل طبيعي، فقد تواجه مشكلات كبيرة في الحفاظ على الصداقات والعلاقات الرومانسية، حيث قد يرى الآخرون أن مخاوفك سلوك تحكُّمي أو متشبِّث أو متطلب وغير مُحتمل.
وإذا كنت تعاني من رهاب الذات، فمن المهم طلب العلاج واتباع نصيحة الطبيب والاختصاصي النفسي للتوصل إلى استراتيجيات للتكيف وتخفيف حدة القلق.
ويمكن أن تشمل هذه التقنيات:
- تمارين التنفس العميق.
- التأمل واسترخاء العضلات التدريجي.
- التخيلات المدروسة الباعثة للهدوء.
- ممارسة التمارين واليوغا.
وقد تجد أن ضوضاء الخلفية أو ما يعرف بـWhite noise تساعد على تشتيت انتباهك في المواقف التي يجب أن تكون فيها بمفردك، ما يقلل من حدة القلق.
كما قد تجد الراحة أيضاً في التأكد من أنك قللت من المخاطر المشروعة التي قد تسبب خوفك. قد يعني ذلك التأكد من أن منزلك آمن أو التأكد من أنك لست وحدك في موقع خطير أو شارع معروف بوجود المجرمين فيه.
يمكنك أيضاً البحث عن نظام الدعم الخاص بك؛ للمساعدة في التعامل مع رهاب الذات والخوف المفرط من الجلوس وحدك. وفي حال كنت بعيداً عن شخص معين، فإن التحدث عبر الهاتف أو عبر الإنترنت قد يساعد في التخفيف من توترك.