من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالحيرة والتردد حيال القرارات المهمة والمصيرية في حياته، بل يفضَّل أن يأخذ وقته تماماً للتفكير قبل اتخاذ القرارات المصيرية، لكن في حالات خاصة يعجز بعض الناس عن اتخاذ قراراتهم اليومية البسيطة -ناهيك عن تلك المصيرية- مهما تطلّب الموقف منه قراراً أو تصرفاً سريعاً. يعاني هؤلاء من "متلازمة التردد"، وهي عادة سلوكية وليست سمة من سمات شخصيتهم، ما يعني أن بإمكانهم تغييرها والتغلب عليها.
يتّصف من يعاني من "متلازمة التردد" بالإفراط في التفكير في كل شيء، وفي نهاية الأمر يعجز عن اتخاذ قرارٍ حاسمٍ يقدر على تطبيقه، فإذا كان طالباً جامعياً مثلاً تجده يصرف كل طاقته في البحث والقراءة عما يريد أن يكتب فيه بحثه في نهاية الفصل، حتى ينتهي منه الوقت المحدد دون أن يقرر عما سيكتب أصلاً. وإذا قرر فإنه يؤجل قرار الكتابة حتى آخر لحظة، لأنه يريد أن يكتب أفضل بحثٍ ممكن وعلى أكمل وجه.
كما يتردد بعض المصابين بهذه المتلازمة في اتخاذ قراراتٍ تافهة أو بسيطة كأي وجبة يتناولون على الإفطار، أو أي فيلم يشاهدون هذه الليلة، أو أي فرن عليهم شراؤه بدلاً من المُعطّل، الذي يحتاج إلى تبديل في أسرع وقت. ماذا لو اشترت هذا الفستان وأعجبها فستان آخر، حينها لن تستطيع شراءه، وعليه تقرَّر ألا تشتري حتى تجد الخيار المنشود الذي يأسرها.
بحسب موقع Psychology Today، فإن أسباب الإصابة بمتلازمة التردد في كل هذه الحالات متشابهة، وتتفاوت ما بين الرغبة في اتخاذ أصح خيار، والخوف من تفويت الأفضل والأحسن، ومحاولة تجنب الخيار الخطأ، إلا أن النتيجة واحدة: التعطل والعجز عن اتخاذ قرار والتصرف على أساسه.
تتحول متلازمة التردد إلى عادة، عندما يؤجل أو يتجنّب الإنسان بشكل واعٍ أو غير واعٍ اتخاذ القرارات اليومية والمصيرية، المهمة وغير المهمة في حياته. مَن يعاني من متلازمة التردد يخاف من اتخاذ أي قرار والالتزام به، لخوفه من تبعاته عليه وعلى مسار حياته، أو خوفه من الندم بعد اتخاذه، كما أن رغبته في إرضاء جميع من حوله تؤدي به إلى التردد اللانهائي، وعدم القدرة على اتخاذ أي قرار يرضيه هو شخصياً.
وربما تكون رغبته في إتمام الأمور على أكمل وجه واتخاذ أكثر قرار صحيح هو ما يأخذ منه وقتاً طويلاً في التفكير في أي قرار، وفي بعض الحالات يجتمع الخوف مع الرغبة في المثالية والكمال والرغبة في إرضاء كل الناس، وهو كما نعلم من رابع المستحيلات.
بشكل عام، يعاني الأشخاص المثاليون وضحايا الوسواس القهري بشكل أكبر من متلازمة التردد، والمثير في الأمر أننا نلاحظ بعض من يعانون من متلازمة التردد يبررون لأنفسهم تسويفهم في التفكير، وتأجيل اتخاذ قراراتهم بأنهم "حريصون، ليس إلا"، وليسوا مندفعين وعاطفيين كأغلب الناس، وأن تنفيذ المهام على نحو صحيح يأخذ منهم وقتاً، وهذا لا يعني بالضرورة أنهم مترددون بشكل مزمن، إلا أن الحياة لا تنتظر أحداً والعمر يمضي سريعاً.
في بعض الحالات، يكون التردد المزمن من سمات الاكتئاب الشديد؛ إذ يشعر صاحبه أنه محبوس داخل نفسه، وأنه لا يستطيع مغادرة فراشه بسبب خوفه من اتخاذ القرار الخاطئ، والخوف من عواقبه النفسية والمادية عليه. في هذه الحالة ينصح الأخصاء النفسيون بمراجعة مختص والاستعانة بمن يحبونك حتى يشجعوك ويساندوك في هذه المرحلة.
لكن بشكل عام، فإن "متلازمة التردد" وحدها هي عادة سلوكية في طريقة تفكير الإنسان الذي يعاني منها، لهذا إذا كنت ممن يتردد في اتخاذ قراراته ويؤجل البدء في تنفيذها، تذكر أنه لا قرار مثالياً، ولا قرار يخلو من بعض السلبيات، فلكل شيء ثمن.
كما قد يفيدك أن تذكّر نفسك: لماذا عليك اتخاذ قرار ما في هذه المسألة أو تلك؟ حتى تشغل نفسك بالمهم والعاجل وليس بماهية القرار نفسه. فالمهم، على سبيل المثال لا الحصر، هو تسليم ما عليك تسليمه حتى إن لم يكن في حالة مثالية. كذلك في المواقف الاجتماعية البسيطة، ذكر نفسك أن الخروج مع أصدقائك هو المهم وليس إلى أين ستخرجون. وتذكّر أيضاً أن للتردد عواقب وسلبيات كثيرة، غالباً ما نغفل عنها، وربما قد تزيد عن سلبيات أي قرار ستتخذه. أولها أن الإسراف فيه وتسليم نفسك له سيؤدي بك إلى تحولها إلى "متلازمة التردد".