تؤدي ساعات العمل الطويلة إلى وفاة مئات الآلاف من الأشخاص سنوياً، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وأظهرت أول دراسة عالمية من نوعها حول هذا الموضوع، أن نحو 745 ألف شخص ماتوا في عام 2016 وحده بسبب السكتة الدماغية وأمراض القلب الناجمة عن العمل ساعات طويلة يومياً.
ووجد التقرير أن الأشخاص الذين يعيشون في جنوب شرقي آسيا ومنطقة غرب المحيط الهادئ هم الأكثر تعرضاً وتضرراً من هذا النوع من الروتين.
المشكلة في ازدياد بسبب متطلبات العصر
وقالت منظمة الصحة العالمية WHO إن المشكلة قد ازدادت سوءاً بالفعل في الأعوام الأخيرة، بسبب جائحة فيروس كورونا.
وبحسب البحث الذي نُشرت نتائجه مايو/أيار الجاري، اتضح أن العمل لمدة 55 ساعة أو أكثر في الأسبوع مرتبط بشكل مباشر بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 35% وزيادة خطر الوفاة بأمراض القلب بنسبة 17%، مقارنة بأسبوع العمل الذي تتراوح ساعات دوامه بين 35 و40 ساعة إجمالاً.
وأظهرت الدراسة التي أجريت مع منظمة العمل الدولية ILO، أن ما يقرب من ثلاثة أرباع من ماتوا نتيجة ساعات العمل الطويلة كانوا رجالاً في منتصف العمر أو أكبر. وفي كثير من الأحيان، حدثت حالات الوفاة لاحقاً في حياة الشخص، بعد عقود من العمل ساعات طويلة يومياً.
وقبل أسابيع، حظي منشور على موقع LinkedIn المهني للموظف البنكي جوناثان فروستيك، البالغ من العمر 45 عاماً، بتداول واسع النطاق بعدما وصف فيه كيف واجه رسالة إلهية مُلحة تخبره بضرورة تغيير نمط حياته.
وبعد أن جلس جوناثان في يوم عطلته ليفكر في كيفية الاستعداد لأسبوع عمل جديد، شعر بضيق في صدره وخفقان بحلقه وفكه وذراعه وانتابته صعوبة في التنفس، وهي كلها أعراض التعرض لنوبة قلبية. وأثناء تعافيه من الأزمة الصحية الخطيرة، قرر إعادة هيكلة نهجه في العمل.
وقد تم تداول المنشور بشكل كبير بعدما ضرب وتراً حساساً عند عشرات الآلاف من القرّاء الذين تبادلوا تجاربهم في العمل الزائد وتأثير ذلك على سلامتهم.
وعلى الرغم من عدم إلقاء فروستيك بمنشوره اللوم على شركته في تحديد ساعات عمل طويلة تسبب التبعات الخطيرة على صحة الموظفين، فإن أحد المعلقين على منشوره قال: "الشركات تواصل دفع موظفيها إلى العمل بأقصى قدرة ممكنة دون أن ينتابها أي قلق أو اكتراث برفاهيتهم الشخصية وسلامتهم النفسية والجسدية".
وفي حين لم تتطرق دراسة منظمة الصحة العالمية، بشكل كامل، إلى فترة الوباء الحالية، قال مسؤولو منظمة الصحة العالمية إن القفزة الأخيرة في إمكانيات العمل عن بعد والتباطؤ الاقتصادي الدولي قد رفعا المخاطر المرتبطة بساعات العمل الطويلة لدى شريحة كبيرة من الموظفين في الدول العاملة باحتياطات السلامة الوقائية من فيروس كورونا.
وقال فرانك بيغا، المسؤول الفني بمنظمة الصحة العالمية: "لدينا بعض الأدلة التي تُظهر أنه عندما تدخل البلدان في حالة إغلاق على المستوى الوطني، فإن عدد ساعات العمل يزيد بنحو 10%".
تبعات العمل لساعات طويلة على الصحة النفسية والجسدية
وكشف تقرير WHO أن ساعات العمل الطويلة مسؤول عن نحو ثلث الأمراض المرتبطة بالعمل، مما يجعله أكبر مُسبب للأمراض المهنية.
وقال الباحثون إن هناك سببين يجعلان ساعات العمل الطويلة تؤدي إلى نتائج صحية خطيرة: أولهما من خلال الاستجابات الفسيولوجية المباشرة للإجهاد والتوتر والضغط العصبي، وثانيهما هو أن الساعات الأطول تعني أن العمال كانوا أكثر عرضة لتبنّي سلوكيات ضارة بالصحة مثل التدخين أو قلة النوم وعدم ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي غير صحي.
وبحسب موقع Healthline الصحي، فإن هناك عدداً من التبعات المباشرة لساعات العمل الطويلة على الصحة النفسية والجسدية، أبرزها قابلية الوقوع في خطر الإدمان؛ للتخفيف من أعباء العمل.
وقال الموقع إن العمل لأكثر من 40 ساعة في الأسبوع يمكن أن يجعل الشخص أكثر عرضة للإدمان والتدخين بشراهة. وهو بدوره يسبب تبعات صحية وعقلية خطيرة.
ووفقاً لبحث أجراه معهد دراسات التوظيف البريطاني حول آثار ساعات العمل الطويلة (العمل لأكثر من 40 ساعة في الأسبوع) عام 2018، تشمل الآثار السلبية المختلفة انخفاض الإنتاجية وضعف الأداء والمشاكل الصحية وانخفاض تحفيز الموظفين.
وكان من بين الآثار الصحية السلبية الأخرى:
1- الاضطرابات العضلية، وذلك لأن الجلوس أو الوقوف فترات طويلة في الوضع نفسه يمكن أن يسبب آلام أسفل الظهر وآلام الرقبة وإصابات العمود الفقري والصداع المزمن أو النصفي.
ولفت البحث إلى أنه لتجنب هذه الآثار ينبغي تعزيز الحركة خلال ساعات العمل في شكل تمارين وفترات راحة متكررة، وممارسة للرياضة كلما سنحت الفرصة.
2- اختلال التوازن بين العمل والحياة، ويعد الوقت الذي تقضيه العائلة والأصدقاء جزءاً أساسياً من الشعور بالرضا والرفاهية العامة للإنسان وسلامته. ويعد توفير هذا الوقت للموظفين عاملاً مباشراً في زياد السعادة وبالتالي الإنتاجية والتطوّر في الوظيفة.
3- قلة النوم، ويمكن أن تؤدي ساعات العمل المتزايدة إلى تقليل ساعات النوم، وتقليل جودة النوم خلال الليل ومشكلات الأرق. وتشمل آثار الحرمان من النوم التعب العام وزيادة التوتر وزيادة الوزن والقابلية الأكبر للإصابة بالأمراض.
4- وترتبط زيادة مستويات التوتر أيضاً بساعات العمل الطويلة، إذ يمكن أن يسبب الإجهاد أمراض القلب واضطرابات الصحة العقلية وارتفاع ضغط الدم وغير ذلك.
وعلى الرغم من صعوبة قياس آثار ساعات العمل الطويلة على الصحة، لأن العوامل الوراثية والحياتية الأخرى يجب أن تؤخذ جميعها في الاعتبار، فإن الأبحاث المختلفة تُظهر أن الشركات التي توفر ساعات عمل مرنة ولديها برنامج للصحة والعافية والسلامة النفسية، تخلق مكان عمل أكثر ديناميكية وإنتاجية ومستويات صحة عامة أفضل بين موظفيها.