عندما كنا صغاراً اعتدنا سماع هذه العبارة بشكل متكرر من آبائنا وأمهاتنا: "إذا كنت تشاهد التلفاز كثيراً فسوف تفقد بصرك أو سوف يضعف جداً"، لابد أنهم يشعرون بالصدمة وهم يرون مقدار الوقت الذي نقضيه أمام الشاشة اليوم!
سواء عند مشاهدة Netflix أو تصفح Linkedin أو إدخال بعض البيانات، فإن كل هذه الأنشطة تُدرج تحت اسم واحد: وقت الشاشة.
اليوم توصلنا جميعاً إلى قبول فكرة أن الأجهزة والشاشات الرقمية جزء من الحياة اليومية لا يمكن تجنبه، لكن هذا يدفعنا للتساؤل: ما هي آثار الأضواء التي تنبعث من الشاشة على أعيننا؟ وخاصةً "الضوء الأزرق" الذي نسمع عنه ونرى خيار تقليله على شاشات الهواتف. ما هو هذا الضوء، وكيف يختلف عن باقي أطياف الضوء، والأهم ما مدى خطورته على العين؟ لنتعرف أكثر على طبيعته وكيف نستطيع تجنب ضرره.
الضوء الأزرق مصدره الشمس
الضوء الأزرق ليس نوعاً خاصاً من الضوء الذي يأتي فقط من أجهزة الكمبيوتر وأضواء LED، إنه في الواقع موجود حولنا في كل مكان. في الحقيقة ضوء الشمس هو المصدر الرئيسي للضوء الأزرق، عند المشي في الخارج خلال النهار نتعرض جميعاً له، ولكنه ليس اللون الوحيد، هو أحد الألوان المتعددة في طيف الضوء المرئي المؤلف من الألوان التالية:
- الأحمر
- البرتقالي
- الأصفر
- الأخضر
- الأزرق
- النيلي
- البنفسجي
الضوء الأزرق المنبعث من الشمس هو السبب في أننا نرى السماء زرقاء، هذه الموجات الضوئية المؤلفة من الضوء الأزرق تنعكس وترتد حول الغلاف الجوي أكثر من غيرها وتجعلنا نرى السماء بلونها.
يتكون طيف الضوء من ثلاثة أقسام: الأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء. يمثل الضوء المرئي 50% من طيف الضوء، وكما يوحي الاسم فهو الجزء الوحيد من الضوء الذي يمكن أن تكتشفه العين البشرية (الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء كلاهما غير مرئي). وتحتوي أشعة الضوء الملونة المختلفة على كميات مختلفة من الطاقة.
الضوء المرئي والضوء الأزرق عالي الطاقة
يُقاس الضوء بطول الموجة، ووحدته نانومتر ومليمتر. يتراوح طول الضوء المرئي بين 400 و760 نانومتراً، أما الضوء المرئي عالي الطاقة (HEV) فإن طوله يتراوح ما بين 400-500 نانومتر. ويطلق عليه الضوء المرئي عالي الطاقة لأن النطاق الأزرق إلى البنفسجي للطيف المرئي له تردد عالٍ بشكل خاص.
في يومنا هذا، هناك قدر متزايد من المصادر الاصطناعية للضوء الأزرق التي نتعرض للعديد منها يومياً، مثل شاشات العرض الرقمية على أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية.
حقيقة أننا نقضي معظم حياتنا اليقظة أمام الشاشات وعلى مقربة شديدة منها تثير قلق أطباء العيون بشأن تأثيرها.
التعرض للضوء الأزرق في الحياة العصرية
تتمثل إحدى المشكلات في أن أعيننا ليست مصممة لتكون جيدة في حجب الضوء الأزرق. لهذا السبب تم ربط الضوء الأزرق بشيء يسمى متلازمة رؤية الكمبيوتر، وهي حالة تشمل مجموعة من الأعراض، بما في ذلك الصداع وعدم وضوح الرؤية وإجهاد العين، بحسب موقع WebMD.
ما لا يمكن إنكاره هو أن عاداتنا فيما يتعلق باستخدام الأجهزة الالكترونية قد تغيرت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية. تعتبر مشاهدة أجهزة التلفزيون ذات الشاشة العريضة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة واستخدام الهواتف الذكية كلها ظواهر جديدة نسبياً، وأصبح من الطبيعي الآن استخدام شاشة معظم اليوم.
اليوم، يستخدم مصنِّعو الشاشات الإلكترونية مصابيح LED أكثر سطوعاً لأنها أعلى كفاءة، كما أن الشاشات ذات مصابيح LED أرق وأخف وزناً وأطول أمداً وتمنح دقة ألوان أفضل، ولكن هذه المصابيح الأكثر سطوعاً هي التي تعرضنا للضوء الأزرق أكثر من أي وقت مضى.
"بعض" الضوء الأزرق جيد لعلاج الاضطرابات الموسمية
الضوء الأزرق ليس سيئاً تماماً، في الحقيقة إنه مفيد لنا من بعض النواحي، لذلك يحاول المصنعون تعزيزه عند تصميم الشاشات.
تظهر الأبحاث أن التعرض للضوء الأزرق عالي الطاقة -بكميات مناسبة- يعزز اليقظة والذاكرة ويحسن الوظيفة الإدراكية والمزاج.
هذه التأثيرات الإيجابية هي السبب وراء استخدام الناس الضوء العالي الطاقة لعلاج الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD)، وهو نوع من الاكتئاب الناتج عن قلة ضوء النهار خلال أشهر الشتاء.
يمكن أن تكون تغيرات الحالة المزاجية شائعة خلال أشهر الشتاء عندما يقلُّ ضوء الشمس ويطول الليل، ولكن بالنسبة للأشخاص المصابين بالاضطراب العاطفي الموسمي يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيرات مزاجية أكثر حدة، وقد أظهرت الدراسات أن الضوء الأزرق يمكن أن يساعد في تخفيف بعض هذه الأعراض، كما جاء في موقع Health Harvard Edu.
الضوء الأزرق يؤثر على إيقاع ساعة نومنا البيولوجية
يؤثر الضوء الأزرق على الميلاتونين، وهو هرمون يفرزه الدماغ بشكل أساسي (الغدة الصنوبرية)، والذي ينظم بنشاط دورة النوم والاستيقاظ في الدماغ. وُجد أن الضوء الأزرق يضعف التدفق الطبيعي للميلاتونين في الجسم، إنه يؤثر سلباً على كل من قدرتنا على النوم، وكذلك على جودة النوم، وهذا هو السبب في أنك قد ينتهي بك الأمر إلى الاستيقاظ في الصباح متعباً ومنهكاً بعد مشاهدتك لمقاطع فيديو قبل النوم.
أما بالنسبة للنهار، فعندما نعرض أنفسنا للضوء الأزرق خلال ساعات النهار المظلمة فإننا نخبر أدمغتنا أساساً أن الشمس لا تزال ساطعة، وهذا هو سبب قدرتنا على التحكم في إيقاع الساعة البيولوجية. تعتبر الإيقاعات اليومية مهمة لأنها تحدد أنماط النوم والتغذية لجميع الحيوانات والبشر.
في الدماغ تعمل مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية كجهاز تنظيم لهذه الإيقاعات بشكل اليومي يتحكم في توقيت دورة النوم والاستيقاظ وينسق هذه الدورة مع أنظمة الدماغ ووظائف الجسم الأخرى لتوجيه السلوك بشكل مناسب.
لذلك، عندما يتم استخدام الهاتف الذكي قبل النوم، فإن هذا يخبر العقل أن يظل مستيقظاً أيضاً.
آثار الضوء الأزرق السلبية المحتملة
لا يزال البحث في تأثير الضوء الأزرق في مراحله الأولى، لذا لا يزال الدليل العلمي مقتصراً على النتائج قصيرة المدى.
يتفق جميع الخبراء على شيء واحد، وهو الدور الذي يلعبه التعرض للضوء الأزرق في تنظيم أنماط نومنا.
دعت رئيسة الأطباء في إنجلترا، سالي ديفيز ، إلى إجراء المزيد من الأبحاث، وقالت نقلاً عن موقع Telegraph: "ألاحظ أن هناك مخاوف عامة متزايدة بشأن تأثير استخدام شاشة الكمبيوتر/ الهاتف الذكي و"الضوء الأزرق" على صحة الإنسان. البحث مستمر، وهذا مجال مهم للبحث والدراسة، لاسيما بالنظر إلى استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي عبر الهواتف الذكية، ما يزيد من تعرضهم للمخاطر المحتملة".
والأخطر من ذلك، أن معهد برشلونة للصحة العالمية قد ربط التعرض للضوء الأزرق بزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي والبروستاتا.
طرق تقليل التعرض للضوء الأزرق
لحسن الحظ، هناك بعض الطرق السهلة التي يمكن من خلالها تعديل كمية ضوء HEV الاصطناعي الذي نتعرض له:
استخدام تطبيق يقوم بذلك: يمكن لبرنامج مثل f.lux تقليل مقدار الضوء الأزرق المنبعث من شاشتك. إنه يعمل عن طريق ضبط درجة حرارة اللون على الشاشة الرقمية. وأفضل ما في الأمر أنه مجاني. على الرغم من ذلك فإن هناك بعض الأشياء التي يجب مراعاتها، نظراً لأن f.lux يعمل عن طريق تغيير درجة حرارة لون الشاشة -الأمر الذي يمكن أن يكون مريحاً للعينين- فإن عرض الشاشة لتدرج اللون الأصفر يمكن أن يكون غير جيد في بعض المواقف. لكن إذا كان استخدام الشاشة لأي عمل أو نشاط يتضمن رؤية الألوان على الشاشة كما هي بالفعل (تصميم الرسوم، على سبيل المثال)، فقد لا تكون فكرة استخدام التطبيق جيدة.
نظارات الكمبيوتر: تعتبر النظارات التي تحجب الضوء الأزرق طريقة رائعة أخرى لتقليل التعرض للضوء الأزرق.
الابتعاد عن الشاشة: من المهم أخذ استراحة من الشاشة بين الحين والآخر. سيؤدي ذلك إلى تقليل مقدار الضوء الأزرق الذي نتعرض له خلال اليوم. هناك طريقة جيدة لتذكر أخذ فترات راحة هي قاعدة 20-20-20: فهي توصي بأن ننظر كل 20 دقيقة إلى شيء يبعد 20 قدماً (6 أمتار) لمدة 20 ثانية على الأقل.
إيقاف التعرض للضوء العالي في الليل: المساء هو وقت رائع لتقليل التعرض للضوء الأزرق. إذا كان عمل الشخص النهاري يتضمن استخدام الشاشة، فقد يكون من الصعب الحد من التعرض لضوء HEV أثناء النهار. ومع ذلك، عند الاسترخاء في المنزل، فمن الأفضل قضاء الساعات التي تسبق النوم بعيداً عن الضوء الأزرق.