تخيل كل الأحكام التي أصدرتها من قبل على مظاهر الآخرين، وتحديداً رغبتك الداخلية في النفور من وجه أحدهم دون معرفته.
يقول أليكساندر تودوروف، أستاذ علم النفس في جامعة برينستون، في حديثه إلى موقع Mic الأمريكي، إنه في بعض الحالات ربما يتفق كثيرون معك، ولكن في حالاتٍ غيرها فإن أحكامك تلك كانت على الأرجح فريدة، شكّلتها ثقافتك وتجاربك وعوامل أخرى.
وهكذا، فإذا وجدت نفسك تتخيل لَكْم وجه شخص ما فقد تكون رغباتك نابعة من سمات الوجه العامة التي يعدها الناس سلبية، أو ببساطة استناداً إلى ذوقك الشخصي. ويمكن للمعرفة السابقة للشخص أيضاً أن تشكل طريقة نظرتك إليه.
هل شعرت من قبل أن هناك وجوهاً تغريك بلكْمِها؟ التجربة تُطلعنا على الأسباب
لكن دعنا نسلط الضوء أولاً على ما يحدث داخل عقلك عندما تنظر إلى وجه شخص غريب. يقول تودوروف، الذي خلص بحثه إلى أن عرض وجه شخصٍ ما على شاشة حتى ولو لـ50 ملل ثانية فقط، أتاح للمشاركين الوقت الكافي لإصدار كافة أنواع الأحكام، بداية من مدى جدارته بالثقة حتى جاذبيته.
ويخبرنا تودوروف أن مثل تلك الأحكام السريعة شديدة السطحية، وعادة ما تعكس حالة الشخص المُصدَر عليه الحكم لحظة إصدار الحكم فقط، وليس بشكلٍ عام.
ويقول ريتشارد سيتويك، أستاذ علم الأعصاب في جامعة جورج واشنطن، إن الأحكام السلبية عادةً ما تكون أسرع ولا تتسم بالدقة دائماً، وبحسب علم التطور الإنساني يعتاد الإنسان دائماً أن يتجنب شيئاً يتضح فيما بعد أنه لم يكن خطراً، من أن يتجاهله ويعرض نفسه للخطر أثناء ذلك.
وأثّر هذا بالإيجاب في خدمة التطور، وساعد الإنسان الواقع في مأزق على اتخاذ القرار بشأن تجنب شخصٍ ما، أو تكوين العلاقات الاجتماعية التي تتواصل أهميتها من أجل البقاء.
لكن العملية تختلف عندما تنظر إلى وجوه أشخاص تعرفهم أو مألوفين لك، نظراً لأنها تكون مصحوبة بأسمائهم وشخصياتهم وذكرياتك معهم، وبحسب ما يقول تودوروف:
وإذا كانت هذه الوجوه تنتمي لأشخاص سيئين بالفعل "فليس بإمكانك أن تمحو هذه المعرفة. سيكون هذا الوجه تذكاراً دائماً بما فعله صاحبه".
وبعبارة أخرى، من الممكن جداً أن تكون رغبتي في لكم شخص سيئ في وجهه، قد أتت من معرفتي بما فعله من سوء في الآخرين.
ليست هناك سمات بعينها.. ولكن الحاسوب يمكنه التحليل
وعلى حد علم تودوروف، فلم يبحث أحد في السبب الذي يجعلك ترى وجهاً معيناً مزعجاً، لكنه بحث مع مختبره في الأسباب التي تجعلك ترى الوجه غير جذاب أو غير جدير بالثقة، وقد تكون هذه متداخلة بعض الشيء.
ثمة مقطع فيديو على موقعهم يعرض وجوهاً مُطورة بالحاسب الآلي ترتبط بالجاذبية وسماتٍ أخرى، وبدأوا بوجه محايد، يتطور بعدها إلى وجوه ترتبط بقوة بتلك السمات، وتتبعها وجوه ضعيفة الصلة بها. وهي تُبين أن الوجوه العابسة الذكورية تُعد عادةً غير جذابة، وغير جديرة بالثقة، وغير محبوبة. ولن تؤثر عليك سمة بعينها بشكلٍ أو بآخر، كالابتسامة الملتوية مثلاً، وإنما هي رؤيتك الشاملة للوجه الذي تنظر إليه.
يقول سيتويك إنه من الممكن أيضاً أن تكون قد خلطت بين الخوف والإزعاج، إذ إن التجهم والأسنان المكشوفة والجبهة الضيقة يمكن أن تثير مشاعر الخوف. ويذكر كيف أنه شعر بعدم الراحة وهو يشاهد تيد كروز في مناظرةٍ رئاسية عام 2016، وتحديداً بسبب تعابير وجهه غير النمطية، إذ بدلاً من تجعّد الجلد حول عينيه ورفع الحاجبين أثناء الابتسام، كما ينبغي من سياسي يريد الفوز بأصوات الناس، كان حاجباه وجانبا فمه ينقلبان إلى أسفل. يقول "هذه ملامح تراها أكثر عند الغضب، وأقرب إلى التجهم".
تفاوت فردي.. ووجوه الغرباء محايدة تماماً
يلاحظ تودوروف أيضاً وجود "تفاوت فردي هائل" في انطباعاتنا عن وجوه الناس. بعبارة أخرى، ليس هناك ما يُدعى بوجه مغرٍ للَّكْم بشكلٍ عام؛ إذ ما تجده مزعجاً شكّله تاريخ طويل من الطريقة التي كيّفك بها المجتمع ووالداك والعوامل الأخرى، حسبما يقول سيتويك.
فضلاً عن أن الثقافات مهمة أيضاً. فإذا نشأت بين مجموعة عرقية معينة، فالأرجح أنك سترى الأشخاص من داخل هذه المجموعة أكثر اعتيادية وجدارةً بالثقة من الأشخاص من خارجها، مثلما يوضح تودوروف. فتميل إلى الانجذاب للوجوه التي تشبه وجوه أقاربك أو الأشخاص الذين تحبهم.
إذاً، ما الذي عليك فعله إذا قابلت وجهاً معيناً يزعجك، وخاصة إذا كان صاحبه شخصاً غريباً لا تعرف عنه شيئاً؟ يقترح تودوروف أن تذكر نفسك بأن أحكامنا على وجوه الغرباء محايدة تماماً وخاطئة على الأرجح، ويضيف سيتويك: "نصيحتي هي أن تتوقف وتعود أدراجك".
فكّر فيما تعنيه بـ"مزعج"، ولماذا يزعجك وجه هذا الشخص؟ إذ إن الانزعاج -خلافاً للخوف الذي يعد شعوراً عالمياً- يتعلق أكثر بالسياق؛ بمعنى أن اعتبار وجه معين مزعجاً، يقول الكثير عنك أنت، وليس عن صاحب الوجه، حسبما يقول سيتويك.