تلقى الطبيب تيرينس إنجليش مكالمة هاتفية غير رسمية من مساعد استشاري بمستشفى قريب من أدينبروك في 18 أغسطس/آب 1979، عندما كان في مستشفى بابوورث قرب مدينة كامبريدج ببريطانيا، وعلم أمرين في غاية الأهمية.
كان الأمر الأول أن قلباً مناسباً متبَرّعاً به أصبح موجوداً. أما الثاني، فهو أن رئيسه الاستشاري البروفيسور روي كالن، ليس بالمدينة. بعد بضع ساعات، زرع إنجليش العضو في صدر شخص مريض يبلغ من العمر 52 عاماً من مدينة لندن اسمه كيث كاسل، ويعمل بنَّاءً.
وبالرغم من أن تضاؤل فرص نجاته لضعف صحته بسبب تدخينه الشديد، نجا كاسل من الموت واستعاد كامل وعيه وعاش لخمس سنوات أخرى. ومن هنا، نشأ برنامج زراعة القلب في بريطانيا.
كاد الأمر أن يفشل بسبب التنافس الطبي!
بعد مرور أربعين عاماً، يكشف تيرينس -الذي صار السير تيرينس الآن- لـصحيفة The Telegraph البريطانية، عن حالة التنافس والعداء الهائل داخل المؤسسة الطبية مما كاد يخنق البرنامج في مهده. إذ قال لصحيفة The Sunday Telegraph: "يا إلهي، كان مهماً للغاية أننا نجحنا".
وأوضح: "كان هناك الكثير من أطباء القلب الذين لم يرغبوا في حدوث ذلك، وكان مسؤولو وزارة الصحة في شدة الغضب. لكن كيث كان شديد التمسك بالحياة". وأضاف: "أعتقد أنه فعل الكثير في الأشهر التي تلت العملية للإعلان عن قيمة وأهمية زراعة القلب أكثر مما فعلت أنا يوماً".
وفي واقع الأمر، وقعت المحاولة الأولى لزرع القلب في بريطانيا قبل 11 عاماً، لكن المريض عاش لمدة 45 يوماً فقط. وأدت النتائج السيئة المماثلة في عدد من الحالات خلال العام التالي، إلى اقتناع كبار خبراء الصحة بضرورة حظر هذه العمليات.
ولكن بحلول عام 1979، اكتُشف عقار السيكلوسبورين القوي المثبط للمناعة، مما ساعد على منع جهاز المناعة من رفض العضو المزروع. خلال تلك الفترة كان السير تيرينس يتدرب مع كبار جراحي زراعة الأعضاء الأمريكيين، وفي الوقت نفسه كوّن فريق من المتخصصين في بابوورث، في انتظار تغير الظروف.
وزارة الصحة ترفض تمويل البرنامج
رفضت وزارة الصحة تمويله، وأكدوا عليه أنه ينبغي ألا يقوم بإجراء عملية زرع قلب بأي حال من الأحوال، لكن مدير هيئة الخدمات الصحية الوطنية في مقاطعة كامبريدج كان لديه ثقة في البرنامج وقدم المال في اثنين من العمليات.
غير أن ذلك لم يثر ذلك إعجاب السير روي كالني، الذي كان آنذاك رائد زراعة الكلى والذي وعده السير تيرينس من قبل بأن يدشنوا معاً برنامجاً لزرع القلب في مؤسسة كالني بمستشفى أدينبروك.
يقول السير تيرنس إن الخلاف الناتج كان كبيراً لدرجة أن السير روي أصدر تعليماته إلى الوحدات الخاضعة لسيطرته -حيث يصل معظم المانحين- بعدم إرسال القلوب المتبرع بها إلى بابوورث.
وأوضح قائلاً: "أُبلغت الكثير من الوحدات التي كانت ترسل الكلى المتبرع بها بأنه لن يُقبل أي منها إذا أرسلوا القلوب أيضاً". وأضاف: "كان الأمر صعباً؛ فقد كان بإمكاني التعامل مع الأمور بشكل أفضل لولا ذلك، على ما أعتقد".
لم يضع السير روي في الحسبان كبير مساعديه بول مكماستر، الذي اعتقد أن السير تيرينس يجب أن تتاح له الفرصة لإجراء العملية والحصول على القلب في غياب رئيسه. وبعد ذلك كان مكماستر، رئيس منظمة أطباء بلا حدود في المملكة المتحدة، فعل الشيء نفسه بالضبط قبل سبعة أشهر.
مريض توفي بسبب التأخير
ومع ذلك، فإن المريض الذي تلقى القلب في تلك الحالة، وهو تشارلز ماكهيو، عانى من تلف في الدماغ أثناء انتظاره لزرع العضو وتوفي بعد ثلاثة أيام من العملية. قال السير تيرينس: "كان ينبغي علي الذهاب إلى وزارة الصحة وشرح ما حدث. لكنهم لم يعلموا بأنني سأحاول مرة أخرى، وأنني عازم على النجاح هذه المرة".
حتى بعد نجاح عملية زرع القلب لكيث كاسل، كان مسؤولو الحكومة في وايت هول يحجمون في البداية عن تمويل باقي عمليات الزرع الأخرى. واضطرت وحدة السير تيرينس الحصول على منحة من مؤسسة القلب البريطانية ومن المليونير المعتكف السير ديفيد روبنسون، مؤسس كلية روبنسون في جامعة كامبريدج.
خلال هذه السنوات المبكرة، طالت مُدد البقاء على قيد الحياة تدريجياً بفضل الاستيعاب الأمثل لطريقة استخدام عقار السيكلوسبورين. وتُجرى حوالي 200 عملية زرع قلب أو قلب ورئة للبالغين كل عام في المملكة المتحدة، ونصفها تقريباً يُجرى في بابوورث.
رحلة استحقت العناء في النهاية
يقول السير تيرينس: "كانت رحلة طويلة، لكنها استحقت كل ذلك العناء، وفي النهاية عادت علينا بالخير الكثير". وأضاف: "كان علينا فقط أن نتشبث ببعض الإصرار للوصول إلى الهدف".
ذهب السير روي كالني، الذي لم نتمكن من الاتصال به للتعليق، لإجراء أول عملية زرع للكبد والقلب والرئة في العالم عام 1987، وأول عملية زرع أمعاء في المملكة المتحدة في عام 1992.
بعد أول محاولة فاشلة للسير تيرينس لإجراء عملية زرع قلب في يناير/كانون الثاني من عام 1979، كتب السير روي إليه معرباً عن قلقه: "من أن طلب التبرع بالقلب قد يكون على حساب التبرع بالكلى".
وقال البروفيسور جون وولورك، الذي عمل مع كلا الرجلين وهو حالياً رئيس مستشفى رويال بابوورث: "كان هناك قدر معين من الخلاف". وأضاف أنه بسبب الشك في المهنة الطبية على النطاق الأوسع؛ "فعل تيرينس بالضبط ما يجب عليه القيام به". وتابع: "لقد قام بواجبه، واستشار أشخاصاً آخرين، ثم فعل بالأمر بشكل منهجي، ولهذا نجح".
وقال البروفيسور جيريمي بيرسون، الأستاذ الزميل في مؤسسة القلب البريطانية: "أولى منح مؤسسة القلب البريطانية قُدِّمت إلى العلماء الذين أجروا أبحاثاً مبكرة في تقنيات زرع الأعضاء".
واختتم: "منذ ذلك اليوم في عام 1963 وحتى يومنا هذا، كانت مؤسسة القلب البريطانية تمول رواداً مثل السير تيرينس لإجراء أبحاث متطورة لتحسين التقنيات الجراحية ومنع رفض الجسم لعمليات الزرع وتطوير الأجهزة الطبية لمساعدة حالات فشل القلب".