من أبرز الأمور التي تُحدث مشاكل في رمضان اختلال الساعة البيولوجية للإنسان، بسبب تغيّر مواعيد النوم. البعض لا يستطيع النوم نهاراً، لأنه ليست لديه قدرة على النوم وهو جائع، والبعض الآخر لا يستطيع أن يأخذ كفايته من النوم ليلاً، لأن العزومات والسهرات الرمضانية قد تمتد حتى وقت متأخر مساء، ثم يتبعها نوم قصير والاستيقاظ مرة أخرى لتناول وجبة السحور، أو البقاء مستيقظاً حتى تناول وجبة السحور.
كل هذا يجعل الاستيقاظ في صباح اليوم التالي أمراً عسيراً، وربما تُسبب اضطرابات النوم هذه الشعور بالصداع أو التقلبات المزاجية والعصبية وعدم التركيز.
فما السيناريو الأمثل للنوم في رمضان؟ وما النصائح التي يمكن أن تساعد في التغلب سريعاً على اضطرابات النوم خلال رمضان؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه هنا.
ما الساعة البيولوجية؟ وما اضطرابها؟
بسبب الطبيعة الفريدة لشهر رمضان، يعاني كثير من الناس أوقات نوم غير منتظمة خلال النهار، لأنهم يبقون مستيقظين في أثناء الليل لأداء أعمال العبادة أو في بعض الأحيان للاجتماعات العائلية.
الساعة البيولوجية هي "ساعة" داخلية تعمل على مدار 24 ساعة، وتؤدي دوراً حاسماً في عمليتي النوم والاستيقاظ، عندما يكون الظلام ينتج الجسم مزيداً من الميلاتونين، لكن هذا الإنتاج ينخفض عندما يأتي النهار.
الميلاتونين هو هرمون تفرزه الغدة الصنوبرية -وهي غدة صماء صغيرة في المخ- يساعد على تنظيم الهرمونات الأخرى ويحافظ على إيقاع الجسم اليومي/إيقاع الساعة البيولوجية.
تشبه مشكلة اختلال إيقاع الساعة البيولوجية في رمضان، اضطرابات النوم التي يعانيها عادةً أولئك الذين يسافرون عبر عدة مناطق زمنية، حيث قد يعاني المسافر اضطراب النظام اليومي، المعروف باسم اضطراب الرحلات الجوية الطويلة.
يحدث هذا عادة بسبب التغير في وقت النوم والاستيقاظ، وهو ما قد يزيد من خطر الإصابة باضطراب الساعة البيولوجية مثل متلازمة تأخر مرحلة النوم، أو اضطراب إيقاع إفراز الميلاتونين، وعندما يغير الأشخاص نمط النوم والاستيقاظ، فإنهم يعانون أيضاً تقلبات النوم والصداع والاضطرابات المزاجية.
عدم ضبط وجبة الإفطار، والإفراط في تناول الطعام، خاصةً تناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية أو الدهنية، وزيادة الوزن، وعسر الهضم، والارتجاع المعدي المريئي أو اضطرابات القولون- يمكن أن يزيد ذلك كله أيضاً من خطر الإصابة باضطرابات النوم خلال شهر رمضان.
قد يعاني الأشخاص الذين لديهم تاريخ من أنماط النوم الضعيفة مثل الأرق واضطرابات الساعة البيولوجية المزمنة، بعد رمضان، بالإضافة إلى صعوبات في تعديل نمط النوم العكسي، وهو ما يعيق عملهم العادي أو مواعيد الدراسة.
يجب على الناس إعادة ضبط جدول نومهم واستيقاظهم تدريجياً على مدار عدة أيام، خاصة خلال الأيام الأخيرة من إجازات العيد، قبل عودتهم إلى العمل أو المَدرسة، للمساعدة في إعادة مزامنة الساعة البيولوجية للجسم.
يُعدّ التعرض للضوء القوي مدة ساعة على الأقل بعد الاستيقاظ طريقة مفيدة لاستعادة جدول النوم الطبيعي. الضوء هو العامل الأكثر فاعلية لمزامنة ساعة الجسم الداخلية التي تنظم إيقاعات الساعة البيولوجية، ويساعد في تقليل مستوى هرمون النوم (الميلاتونين) بالدم. هذا لا يتطلب بالضرورة البقاء في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس، ولكن مجرد التعرض للضوء القادم من نافذة يمكن أن يكون مفيداً أيضاً.
الساعة البيولوجية والصيام والتأثير على النوم
أحياناً يكون الصيام سبباً مباشراً في حدوث مشكلات النوم، فالأكل في أثناء المساء، وبدء الجسم عملية الهضم النشط ليلاً، غالباً ما يخلق مشاكل النوم، تُشير الدراسات إلى أن تقييد تناول الطعام في أوقات محدَّدة، والتوقف عن تناول الطعام فترات تمتد من 8 إلى 12 ساعة، يمكن أن يساعدانا في الحفاظ على وزن صحي للجسم، وتجنُّب ارتفاع نسبة السكر في الدم، ومقاومة الإنسولين، والسكري.
لكن الدراسات أثبتت أن الأكل المقيد زمنياً يمكن أن يؤثر أيضاً في ساعاتنا البيولوجية، التي تمارس تأثيراً مهيمناً على نومنا، لأن الساعة البيولوجية الأقوى والأكثر تزامناً تعني أننا نخلد بشكل أسهل إلى النوم، والحصول على نوم عميق، والاستيقاظ من النوم مصحوباً بمشاعر الراحة والانتعاش.
هذا المزيج من الاتساق والجودة في روتين النوم هو ما نريده جميعاً، لمساعدتنا على تحسين أدائنا وإنجاز مهامنا ونحن في أفضل حالاتنا، وحماية صحتنا بمرور الوقت ومع تقدُّم العمر.
عدد من المرضى الذين يمارسون "الصيام المُتقطّع" على سبيل العلاج، يجدون أنه من المفيد أن يناموا بشكل متواصل ليلاً دون إيقاظهم للحصول على وجبة خلال الليل "السحور"، ويجد معظمهم أنه من السهل نسبياً التكيُّف مع حالة الصيام دون حثهم الشديد على تناول الطعام.
ومع ذلك فهُم قد يتعرضون لمزيد من الجوع والرغبة الشديدة في تناول الطعام فتراتٍ طويلةً عند الصيام يوماً كاملاً، في اليوم التالي. ومن تأثيرات الصيام أيضاً أنه قد يكون من الصعب أن تغفو عندما تكون جائعاً جداً، فهذه بعض العوامل التي قد يكون لها تأثير على مدى تأثير الصيام على راحتك الليلية.
كيف تحصل على قدر جيد من النوم في رمضان؟
هناك بعض الخطوط الأساسية التي تجب معرفتها، للتوفيق بين الحصول على قدر كافٍ وجيد من النوم، في ظل تغيُّر الروتين اليومي ومواعيد الوجبات في رمضان، ومنها:
1- استمِع إلى جسدك
يمكن أن تخبرنا الدراسات كثيراً عن تأثير النظام الغذائي على نومنا، ولكن لا يوجد قدر من الأبحاث يخبرنا بكل شيء، فإجابة سؤال "كيف يستجيب نومنا الفردي لخطط تناول الطعام المختلفة؟" ستختلف من شخص إلى آخر.
تقييد تناول الطعام بعد غروب الشمس قد يجلب لك صوتاً داخلياً جديداً حول الوقت المناسب للنوم، فاحتياجات النوم فردية؛ وكذلك ردود فعل أجسادنا على النظام الغذائي والأكل المقيد بالوقت، نحتاج غالباً مرونة كافية تُمكننا من تعديل أوقات النوم، والعثور على أوقات مثالية للنوم.
إنَّ رصد ردود فعلك الفردية على الصوم والعمل عليها، وهي ردود فعل يمكن أن تكون جسدية، وكذلك عقلية وعاطفية، هي إحدى الطرق لجعل استراتيجية أوقات تناول الطعام الجديدة خلال رمضان هذه تعمل من أجلك، ليس فقط خلال اليوم، لكن أيضاً في أثناء النوم.
فبإمكان الشخص تحقيق التوازن بين النوم وأداء الواجبات الدينية أو الاجتماعية خلال شهر رمضان، من خلال تعديل جدول وقت النوم حسب احتياج جسده.
2- حدِّد مجموعة معينة من الساعات يمكنك النوم خلالها
حاوِل أن تنام مجموعة ساعات منتظمة في معظم الأيام عندما يكون ذلك ممكناً، كل شخص لديه حاجة فسيولوجية مختلفة من حيث مجموع ساعات النوم التي يحتاجها. بشكل عام، يوصَى بالحصول على عدد من ساعات النوم بالليل وغفوة قصيرة في فترة ما بعد الظهر إذا شعرت بالنعاس، إذا لم تؤثر قيلولة ما بعد الظهر هذه في قدرتك على النوم في أثناء الليل.
كلما استيقظنا مساء كان من الصعب علينا أن نستيقظ على السحور، لكن الحصول على كتلة واحدة من النوم (بين 4 و5 ساعات) في الليل يمكن أن يجعل من الأسهل الاستيقاظ على السحور.
3- الحصول على ضوء النهار، لتعزيز إيقاع الساعة البيولوجية الخاصة بك
زِد من تعرُّضك لأشعة الشمس، خاصة في النصف الأول من اليوم، حتى ولو لفترة أقل من 10 دقائق، سيساعد ذلك في إعادة ضبط ساعة جسمك، لإيقاع طبيعي أكثر ونمط نوم أفضل.
4- تجنَّب الضوء الاصطناعي بالليل، وضمن ذلك الصادر من الأجهزة الإلكترونية ووسائل الترفيه
تجنَّب أو قلِّل من التعرض للضوء الاصطناعي؛ فهذا من شأنه أن يعزز أيضاً إيقاع الساعة البيولوجية لدينا. تأكَّد من أن غرفة نومك مظلمة عند النوم؛ إذا كنت بحاجة إلى الاستيقاظ لاستخدام الحمام في أثناء الليل، فاستخدِم ضوءاً صغيراً دون تشغيل إضاءة علوية.
ضع الأجهزة الإلكترونية خارج غرفة النوم؛ فالأجهزة اللوحية والهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة ينبعث منها الضوء الذي يمكن أن يتعارض مع دورة نومك، عند استخدامه في أثناء النوم. اجعل الساعة الأخيرة قبل النوم فترة راحة إلكترونية خالية من الوقت الرقمي، للسماح لجسمك بالتحضير للنوم.
5- تجنَّب الكافيين قبل أربع ساعات من وقت النوم الذي تريده
إنَّ تناول الكافيين بالقرب من وقت النوم قد يمنعك من النوم مباشرة بعد التراويح والاستيقاظ في الوقت المناسب للسحور، لذا من الأفضل تجنُّب تناول أي مادة بها كافيين (في القهوة والشاي ومشروبات الكولا والشوكولاتة وبعض الأدوية) مدة 4-6 ساعات على الأقل قبل الذهاب إلى السرير؛ حيث إنه مادة مُنبِّهة وتتداخل مع القدرة على النوم.
6- حافِظ على رطوبتك
إنَّ شرب كثير من الماء على مدار اليوم، سيساعد على التحكم في الجوع والرغبة الشديدة في تناول الطعام، كما سيُحسن من التركيز الذهني والحالة المزاجية والطاقة عندما تمارس الصيام المُتقطِّع أو الأكل المقيد زمنياً.
سيساعدك البقاء رطباً أيضاً على النوم بشكل أفضل في الليل، لأن الإصابة حتى بالجفاف البسيط يمكن أن تُسبب نوماً غير مستقر، وتزيد من خطر الشخير، بسبب جفاف الفم والأنف والحنجرة.
7- حافِظ على إفطار متوازن وصحي
بعد فترة من الصيام، ستجد أن جسدك يتأقلم مع القيود الزمنية في تناول الطعام، وستجد أن الرغبة الشديدة في الجوع تتلاشى بسرعة كبيرة، لكن عليك ألا تنخرط في وجبات الإفطار الثقيلة والدسمة. ستحصل على أكبر الفوائد من الصيام إذا كنت تحافظ على نظام غذائي صحي في أوقات غير الصيام.
قلِّل من السكر والأطعمة المصنَّعة، واجعل تركيز نظامك الغذائي على الأطعمة الكاملة وكثير من الألياف؛ وكثير من الخضراوات والفواكه؛ والبروتينات الخالية من الدهون مثل الأسماك؛ والدهون الصحية من المكسرات؛ والزيوت عالية الجودة.
ستمنح هذه المواد الغذائية الأساسية جسمك العناصر الغذائية التي يحتاجها، وتعزز طاقتك على مدار اليوم. سيمكِّنك النظام الغذائي الصحي والمتوازن من النوم بشكل أفضل، والحصول على قدر كافٍ ومريح من النوم، لأنك لا تُرهق أجهزة جسمك في معالجة الوجبات الدسمة التي زوَّدته بها.