خلال شهر رمضان، يمتنع المسلمون من جميع أنحاء العالم عن تناول الطعام والسوائل من الفجر إلى غروب الشمس لمدة شهر، هذا الصيام المطول يسبب عدة تغييرات طفيفة في التمثيل الغذائي والهرموني في الجسم، والتي نادراً ما تسبب أي مشكلة صحية للفرد الذي لا يعاني من أي مشكلات طبية.
ومع ذلك، تنشأ بعض المشاكل في بعض الأمراض المزمنة مثل داء السكري، وبالتالي يُنصح المرضى باستشارة أطبائهم قبل التخطيط للصيام، أما لدى المرضى الذين يعانون من أمراض الغدة الدرقية، ففي أغلب الأحيان يمكن اللجوء إلى تعديلات في العلاج هذه التعديلات تُمكن المرضى الصيام بأمان دون أي مخاطر صحية.
خلال رمضان يتم تقليل تواتر الاستهلاك وكمية الطعام ومدة النوم في الليل والنشاط البدني اليومي، من وجهة نظر فسيولوجية، يوفر الصيام الإسلامي فرصة مناسبة لاستكشاف الآثار الأيضية لتغيير وقت الأكل لدى البشر، قد تختلف الفترة التي يصوم فيها الشخص حسب الموقع الجغرافي للبلد وموسم السنة ويمكن أن تصل إلى 18 ساعة في فصل الصيف في المناطق الاستوائية.
ما هو اضطراب الغدة الدرقية؟ وما تأثيره؟
هناك نوعان من اضطرابات الغدة الدرقية هما:
1- قصور الغدة الدرقية: ويُطلق عليه أيضاً خمول الغدة الدرقية وهو حالة لا تنتج فيها غدتك الدرقية ما يكفي من هرمونات مهمة معينة، تقع الغدة الدرقية في الجزء السفلي الأمامي من رقبتك، تنتقل الهرمونات الصادرة عن الغدة عبر مجرى الدم وتؤثر على كل جزء من الجسم تقريباً، بدءاً من القلب والعقل، وصولاً إلى العضلات والبشرة.
يُخل قصور الغدة الدرقية بالتوازن الطبيعي للتفاعلات الكيميائية في الجسم، وتتحكم الغدة الدرقية في كيفية استخدام خلايا الجسم للطاقة الناتجة عن الغذاء، وهي ما تسمى بعملية الأيض، وتؤثر عملية الأيض هذه في العديد من الأشياء والعمليات الحيوية بالجسم، مثل: درجة حرارة جسمك، ودقات قلبك، ومدى حرق السعرات الحرارية لديك.
فإذا لم يكن لديك ما يكفي من هرمون الغدة الدرقية، فإن عمليات الجسم تُبطئ، لأن هذا يعني أن جسمك ينتج طاقة أقل، وتصبح عملية التمثيل الغذائي لديك بطيئة.
2- فرط نشاط الغدة الدرقية: وهي الحالة التي تُنتج فيها الغدة الدرقية قدراً كبيراً من هرمون الثيروكسين، يمكن أن يُسرع فرط نشاط الغدة الدرقية من أيض جسمك بشكل كبير، مما يتسبب في فقدان مفاجئ للوزن والشعور بضربات قلب سريعة أو غير منتظمة والتعرق والعصبية أو التهيج.
تأثير الصيام والعادات الرمضانية على هرمونات الغدة الدرقية
تبين أن الصيام النهاري المصحوب بتأخير وتقصير النوم أثناء الليل والتغيرات في العادات السلوكية والاجتماعية، مثل: حركية المعدة والوجبات الثقيلة وإيقاعات الساعة البيولوجية يؤثر على العديد من العوامل الكيميائية الحيوية والهرمونية، وأظهرت بعض الدراسات أن تقييد الغذاء والجوع يقللان من هرمون TSH و T3 في جميع الفقاريات.
تفرز الغدة الدرقية نوعين أساسيين من الهرمونات هما T3 وT4 ، تحتوي هذه الهرمونات على عنصر اليود الذي يعتمد على الغذاء كمصدر اساسي له، وللغدة الدرقية وظائف حيوية في الجسم من خلال تلك الهرمونات حيث أنها تتحكم في سرعة الأيض وفي الطاقة، لذلك فإن أي خلل في معدلها سواء بالزيادة أو النقصان سيؤدي إلى خلل في وظائف الجسم.
T4 هو الهرمون الأساسي الذي تنتجه الغدة الدرقية حيث يصل إلى أنسجة الجسم عن طريق مجرى الدم، ويتم تحويل جزء صغير منه إلى هرمون T3 وهو الهرمون الأكثر نشاطاً وهو مسؤول عن النشاط الأيضي الأساسي.
أما هرمون TSH فهو الهرمون المنبّه للغدة الدرقية، يتم إفرازه من الجزء الأمامي من الغدة النخامية بناء على أوامر من الهرمون المطلق للغدة الدرقية من تحت المهاد المخي، والذي يعمل على تحفيز نمو الغدة الدرقية وإفراز الهرمونات منها.
العلاقة بين هذا الهرمون وهرمون الغدة الدرقية علاقة وثيقة، فعندما يقل إفراز هرمونات الغدة الدرقية يزداد إفراز TSH، والذي بدوره يحفز الغدة الدرقية على إفراز هذه الهرمونات، وعندما يرتفع مستوى هرمونات الغدة الدرقية فإن ذلك يؤدي الى تثبيط إفراز TSH، ويفرز هذا الهرمون بقدر متباين خلال اليوم، حيث يكون أعلى تركيزاً خلال الليل، وأقل تركيزاً بين الساعة الخامسة والسادسة مساء.
في رمضان، لوحظت تغييرات طفيفة للغاية في مستويات T3 و T4 و TSH لدى الشخص العادي، مما يجعل هناك تأثيرات من باب أدعى لدى الشخص المُصاب باضطراب الغدة الدرقية والتي يتم التعامل معها بالانتظام في الأدوية.
أظهرت دراسات قليلة أن T4 ينخفض بشكل ملحوظ أثناء الصيام في رمضان في كلا الجنسين، في حين أن TSH يزيد بشكل كبير في الذكور، وتعود معظم هذه التغييرات إلى مستويات ما قبل رمضان بمجرد انتهاء الصوم.
نصائح حول تعامل مريض الغدة الدرقية خلال رمضان
قد تزداد بعض أعراض اضطراب الغدة الدرقية سوءاً مع الصيام، ولكن كما سبق الذكر تكون الغالبية العظمى من مرضى الغدة الدرقية قادرين على الصيام دون تأثيرات سلبية على حالتهم الصحية شريطة اتباعهم نظاماً ممنهجاً لأخذ الدواء، وتجب الاستعانة بالطبيب في هذا الأمر.
خلال الصيام يجب أن يعرف مرضى الغدة الدرقية التوقيتات المناسبة للحصول على أدويتهم، "ليفوثيروكسين" هو الخيار العلاجي الأكثر انتشاراً لمرضى قصور الغدة الدرقية، يؤخذ هرمون الثيروكسين عادة عن طريق الفم على معدة فارغة على النحو الموصى به.
وأشارت نتائج الدراسات أن الأفراد الذين يعانون من قصور الغدة الدرقية، والذين يصومون خلال شهر رمضان، وخاصة النساء وكبار السن، قد يعانون من تغيرات هرمون الغدة الدرقية، بالنسبة لهؤلاء المرضى، تجب زيادة جرعة الليفوثيروكسين إلى 25-50 ميكروغرام / يوم من بداية شهر رمضان وحتى 15 إلى 20 يوماً بعد نهاية هذا الشهر.
تؤثر الأغذية/ الأدوية مثل: راتنج الكوليسترامين، سوكرالفات، كبريتات الحديد، مستحضرات الكالسيوم، مضادات الحموضة المصنوعة من الألومنيوم، رالوكسيفين، منتجات الصويا المختلفة، العلاجات الغذائية والعشبية، على امتصاص ليفوثيروكسين، ايضاً قد يتداخل نظام غذائي غني بالألياف والقهوة في الصباح الباكر مع امتصاص الليفوثيروكسين.
لذلك، عند تناول الطعام يكون امتصاص ليفوثيروكسين غير مكتمل، مما يؤدي إلى مستويات TSH متغيرة وأعلى، توصي مصادر المعلومات الدوائية القياسية بتناول الليفوثيروكسين قبل نصف ساعة من السحور على معدة فارغة، وينصح الأطباء بالتوقف عن تناول الطعام نهائياً بداية من الساعة الحادية عشرة، أي ما قبل السحور، لأن الدواء يعمل على معدة فارغة، لذلك لا يكون تناول هرمون الغدة الدرقية بين/ مع الطعام هو الخيار الأفضل.
التأثير الأفضل خلال النوم
يعتبر تناول ليفوثيروكسين في وقت النوم خياراً آخر، حيث أظهر أنه يكون له نفس التأثير تقريباً عند تناوله على معدة فارغ، لأن معظم المرضى يجدون صعوبة في الاستيقاظ مبكراً، مما قد يُضيع عليهم وجبة السحور، وهو ما يجعلهم يفوتون جرعة الدواء أو يتناولونها مع وجبة الإفطار.
يمكن إدارة هذه المشكلة بسهولة، إذا تم تناول ليفوثيروكسين في وقت النوم، والذي يكون له تأثير خفض متطابق تقريباً (إن لم يكن أفضل) على TSH. قد يكون التأثير ناتجاً عن التأثير الأفضل خلال النوم لعوامل مثل حركية المعدة والوجبات الثقيلة وإيقاعات الساعة البيولوجية.
كما يمكن للمرضى الذين يعانون من فرط نشاط الغدة الدرقية، ويتناولون ميثيمازول/ كاربيمازول الاستمرار في تناول جرعاتهم مرة أو مرتين يومياً، كما يجب على مرضى فرط نشاط الغدة الدرقية الذين يعانون من أعراض حادة بدء العلاج على الفور ويمكنهم تجنب الصيام لبضعة أيام بعد التشاور مع الطبيب والحصول على فتوى دينية موثوقة.
التسمم الدرقي والصيام
تشمل علامات التحذير لدى مريض التسمم الدرقي الذي تم تشخيصه حديثاً أو غير المُعالَج تطور بعض الأعراض، مثل: الجفاف، والإسهال، وعدم انتظام دقات القلب، مما سيزداد سوءاً في حالة الصيام الطويل.
يُعرض فرط نشاط الغدة الدرقية لخطر الإصابة بنوبات التسمم الدرقية، وهي تكثيف مفاجئ للأعراض، مما يؤدي إلى الإصابة بالحمى وسرعة النبضات والهذيان.
المرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة من تسمم الغدة الدرقية لا يعانون عادة من مشكلة في الصيام، ولكن من يعانون من أعراض حادة يمكن أن يعانوا سريعاً من الجفاف والإسهال المزعجين. يمكن لهؤلاء المرضى الحصول على فتوى دينية وطبية لتخطي الصيام لبضعة أيام حتى تتحسن أعراضهم.